من ليلى كيرني
إسلامبرج (نيويورك) أول يونيو حزيران (رويترز) – خارج بوابة
قرية إسلامبرج الصغيرة على مشارف نيويورك ترعى الأبقار في أراض
خضراء ويعوم البط في بركة هادئة. تتناثر بيوت بسيطة من الخشب
وقوالب الأسمنت بطريق قذر يمتليء بالحفر ويخلو من إشارات المرور..
هو الطريق الوحيد بالقرية التي يعيش بها 200 نسمة.
تقع إسلامبرج على بعد نحو 150 ميلا شمال غربي نيويورك سيتي.
ومع هذا تبدو الحياة في هذا الجيب الصغير الذي تقطنه أسر مسلمة
بعيدة كل البعد عن حياة المدينة الصاخبة.. وهو ما كان هدف مؤسسي
القرية حين أقاموها قبل 30 عاما على 70 فدانا من أراضي الرعي
والغابات الكثيفة.
لكن هدوء المكان تبدد الشهر الماضي عندما ذاع نبأ اعتراف رجل
من تنيسي بتدبير هجوم على إسلامبرج وسكانها.
القرية أسستها مجموعة من المسلمين الأمريكيين ذوي الأصول
الأفريقية من قاطني نيويورك سيتي. وسكانها يتبعون تعاليم الشيخ
السلفي الباكستاني مبارك علي شاه جيلاني الذي حث في الثمانينات
مريديه الأمريكيين على ترك صخب العاصمة وإنشاء مجتمعات ريفية يحيون
فيها قواعد الدين.
وأصبحت إسلامبرج اليوم واحدة من حوالي 12 جيبا للمسلمين أقيمت
بما يتماشى مع أفكار جيلاني. كما أن بها مقر منظمة (مسلمي أمريكا)
التي أسسها رجل الدين الباكستاني.
قال فاروق باقي (39 عاما) الذي انتقل مع أسرته إلى إسلامبرج
وهو صغير ويعمل الآن في مجال الاتصالات بمستشفى قريب “نعيش الحلم
الأمريكي.”
لكن هناك منظمات يمينية ترى الأمور من منظور مختلف. فعشرات من
الكتابات على الإنترنت وكذلك عبارات فيلم تسجيلي تصف المكان بأنه
معسكر تدريب للإرهابيين وبأن سكانه محاربون.
على سبيل المثال وصفت تدوينة على موقع (كريستيان أكشن نتوورك)
القرية بأنها “أول حكومة إسلامية في أمريكا” وقالت إنه تجري تنشئة
أطفالها بشكل يؤهلهم للجهاد وإن الفتيات يحرمن التعليم وإن الخارج
عن القواعد “يعلق على جذوع الأشجار غالبا ويجلد لعصيانه.”
مثل هذه الأقوال ترددت على لسان روبرت دوجارت الذي كان مرشحا
يوما لعضوية الكونجرس عن ولاية تنيسي والذي دبر هجوما على ذلك
الجيب المسلم.
وفي مكالمات هاتفية مسجلة وفي اجتماعات مع مخبرين من مكتب
التحقيقات الاتحادي دعا دوجارت لمهاجمة إسلامبرج وقال إنه كان يريد
تدمير مسجدها وقتل من يحاول إيقافه من سكانها.
وأقر دوجارت بأنه كان يعتزم استخدام بندقية هجومية وذخيرة
خارقة للمدرعات وأسلحة أخرى منها البلط أو المدي الضخمة. وقال “إذا
استخدمنا البلطة فسنقطعهم إربا.”
* مكان مناسب لتنشئة الأبناء
أما سكان إسلامبرج فيعبرون عن شعورهم بالإحباط والحيرة إزاء
مثل هذه الاتهامات. وتملكهم القلق عندما علموا بأمر مخطط دوجارت.
وقال حسين آدامز الذي نشأ في إسلامبرج والمسؤول البارز في
منظمة مسلمي أمريكا “هذا لن يتوقف للأسف. لكننا أيضا لن نتوقف عن
العيش بأسلوبنا.”
وقال آدامز وسكان آخرون إنهم يحترمون القانون ويكدون في العمل
ويعيشون في وفاق ويمارسون شعائر دينهم بحرية.
وخلال جولة قامت بها مراسلة رويترز بدت القرية كمجتمع ينعم
بالتنظيم والسكينة.. النساء يضعن الخضراوات في صناديق بينما يلهو
على مقربة بنات محجبات وصبية على رؤوسهم طواق مغزولة.
صفية حق (67 عاما) التي تركت بروكلين مع أبنائها الخمسة حين
شاركت في تأسيس القرية تتذكر الأيام الخوالي. قالت “كان السلام يعم
المكان.. مكان رائع لتنشئة أبنائنا.”
ولا يزال اثنان من أبنائها يقيمان في إسلامبرج. وبيوت القرية
العشرون أو نحو ذلك تؤوي ثلاثة أجيال. وقال سكان إن عددا ممن نشأوا
في القرية عادوا إليها بعد إنهاء دراستهم الجامعية لأنهم يقدرون
قيمة الحياة فيها.
ويؤكد السكان أنهم لا يعيشون في عزلة تامة. ومعظمهم يقطعون
رحلة طويلة للوصول لمكان عملهم في بلدات أو مدن قريبة. الرجال
ملتحون ويرتدون طواقي مغزولة والنساء محجبات لكنهن يقدن سيارات
ويعملن ويدرسن ويشاركن في الانتخابات المحلية والعامة. ورغم أن
الأطفال يتلقون تعليمهم في البيوت فإنهم يشاركون في أنشطة رياضية
واجتماعية في بلدات قريبة.
وخلال تجمع على العشاء في أحد منازل القرية رفض الحاضرون فكرة
أنهم يدربون أو يتدربون على الجهاد أو يشاركون في أي عنف من أي
نوع.
قالت بلقيس عبد الله التي تعمل في مجال التمريض “من يجيء إلى
هنا يدرك أنه ليس هناك أي خطر.”
يشير السكان بفخر إلى المسجد وإلى متجر للبوظة (الآيس كريم)
وإلى جبانة ويتحدثون عن خطط لإنشاء مدرسة ومركز طبي.
وفي اللقاءات أدان السكان أساليب مقاتلي تنظيم الدولة
الإسلامية وقالوا إنهم لا يعتبرونهم مسلمين بحق.
* ماض مثير للجدل؟
ينصب معظم تركيز منتقدي إسلامبرج على جيلاني مؤسس منظمة مسلمي
أمريكا. ويؤمن السكان بأن شيخهم له كرامات ويقولون إنه ينشر السلام
ويوعي المسلمين بأهمية التعليم والصحة.
قالت آدامز “هو قدوتنا.. مرشدنا ومرشد مجتمعنا.”
لكن خلال الثمانينات وأوئل التسعينات حين كانت الجماعة تحمل
اسم (مسلمي الأمريكتين) ربطت الحكومة وبعض الجهات بينها وبين جماعة
اسمها (جماعة الفقراء). وتورط بعض المرتبطين بجماعة الفقراء -ليس
من بينهم أحد يعيش في إسلامبرج- في خطط تستهدف طائفة هندوسية
وزعيما إسلاميا في ديترويت. وقال جيلاني إن لا هو ولا أحد آخر في
جماعة مسلمي أمريكا “على علم بوجود” جماعة الفقراء.
ومنذ فترة طويلة تعود لعام 2002 كتبت جماعة مسلمي الأمريكتين
على موقعها الإلكتروني عبارة اعتبرتها رابطة مكافحة التشهير
“معادية للسامية بضراوة”.
وتسلطت الأضواء على جيلاني مرة أخرى بعد اغتيال دانييل بيرل
الصحفي بجريدة وول ستريت جورنال عام 2002 بينما كان عاكفا على
كتابة موضوع عن ريتشارد ريد الذي حاول تفجير طائرة بمواد ناسفة
مخبأة في حذائه. تعرض بيرل للخطف بينما كان متجها للقاء جيلاني كما
يعتقد البعض. وبرئت بعد ذلك ساحة جيلاني من التورط مع ريد أو مع
قتلة بيرل.
ورغم أن الأقاويل المثارة حول مسلمي أمريكا مازالت منتشرة على
الإنترنت رفض خبراء ومسؤولون في إنفاذ القانون اتصلت بهم رويترز
فكرة أن الجماعة تضمر نوايا عنف.
قال أورين سيجال مدير مركز التطرف برابطة مكافحة التشهير “لا
توجد أدلة تذكر … على أن تلك التجمعات لها أي صلة بتدريب
إرهابيين.” وأضاف أنه ما من أمريكي تم إلقاء القبض عليه في اتهامات
متعلقة بالإرهاب منذ هجمات 11 سبتمبر أيلول تبين أن له صلة
بالتجمعات السكانية المرتبطة بجماعة مسلمي أمريكا.
ويؤكد أعضاء مسلمي أمريكا الحاليون أنهم يحترمون أصحاب كل
العقائد الدينية.
ويقول مسؤولون عن إنفاذ القانون في بلدات قريبة إنهم لم يلمسوا
ما يدعو للقلق من إسلامبرج.
وقال توماس ميلز قائد شرطة ديلاوير “لا توجد لدينا أي مشاكل
كبيرة معهم” مضيفا أنه لا يتذكر متى تم استدعاء مسؤولي إنقاذ
القانون للتعامل مع مسألة مدنية أو جنائية في إسلامبرج خلال
السنوات السبع عشرة التي قضاها كقائد للشرطة.
لخصت روز مالكوين (56 عاما) التي تقيم في بلدة هانكوك القريبة
شعور معظم سكان المنطقة حين قالت “لا أعرف كثيرا عنهم. كل ما أعرفه
أنهم لا يضايقون أحدا.”
(إعداد أمل أبو السعود للنشرة العربية – تحرير علا شوقي)