إسطنبول (زمان عربي) – فتحت السلطات التركية تحقيقاً مع صحيفة “جمهوريت” بتهمة الإرهاب عقب نشرها صباح أمس الجمعة مقاطع فيديو لعملية استيقاف وتفتيش شاحنات محملة بالأسلحة في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي بمدينتي أضنة وهطاي قبل عبورها إلى الأراضي السورية قيل إنها كانت تابعة للمخابرات التركية وأن الأسلحة كانت متجهة لتنظيم داعش الإرهابي.
وكشفت مصادر مطلعة عن أن قرار التحقيق مع رئيس تحرير صحيفة “جمهورييت” والموقع الإلكتروني الخاص بها جان دوندار صدر من النائب العام عرفان فيدان، بسبب نشر الصحيفة مقاطع الفيديو الخاصة بعمليات التفتيش، على الرغم من إصرار أردوغان وحزبه على إنكار أن الشاحنات كانت محملة بالأسلحة.
وكشفت مقاطع الفيديو والصور التي نشرتها الصحيفة بتوقيع رئيس تحريرها جان دوندار على الموقع الإلكتروني الخاص بها عن قيام قوات الدرك (الجاندرما) بإشراف النائب العام بفتح حاويات الشاحنات المتجهة إلى سوريا، لتجد صناديق مساعدات طبية وخلفها صناديق مليئة بمهمات وذخائر عسكرية.
وصدر قرار فتح التحقيق مع الصحيفة ورئيس تحريرها من وكيل المدعي العام بإسطنبول عرفان فيدان الذي يتولى بالفعل ملف التحقيق مع قوات الدرك والشرطة المشاركين في عملية استيقاف وتفتيش الشاحنات، بتهمة الإرهاب.
وذكر المدعي العام بإسطنبول هادي صالح أوغلو في مذكرة التحقيقات بتهمة الإرهاب ضد الصحيفة: “نشر معلومات تتعلق بأمن الدولة، والضلوع في عملية تجسس سياسي وعسكري، والإفصاح عن معلومات سرية، وعمل دعاية لتنظيم إرهابي”. ليثير بذلك المزيد من علامات الاستفهام بعد أن أصر على تأكيد عدم صحة تلك المقاطع.
وفي الوقت نفسه يتهم الصحيفة بنشر معلومات تهدد أمن الدولة، بل وقرر فتح تحقيق مع الصحف والمواقع الإخبارية الأخرى التي نشرت مقاطع الفيديو بعد ذلك.
يُذكر أن التحقيقات في هذه القضية أسفرت عن اعتقال 27 من قوات الدرك (الجاندرما)، بالإضافة إلى 4 من المدعين العموم بناءً على التحقيق الذي أجري من قبل المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العموم، وكذلك اعتقال 26 من رجال الشرطة المشاركين في تحقيقات تنظيم السلام والتوحيد الإرهابي.
قيل إنها مساعدات إنسانية
عقب الكشف عن واقعة استيقاف شاحنات الأسلحة والذخيرة في مدينتي هطاي وأضنة قبل عبورها إلى الأراضي السورية، في يناير/ كانون الثاني 2014، سرعان ما خرج مسؤولون بحكومة حزب العدالة والتنمية، ليؤكدوا أنها كانت تحمل “مساعدات إنسانية للقبائل التركمانية في شمال سوريا”. وعلى الفور صدر قرار بعدم استمرار نظر القضية واعتقال عناصر قوات الدرك والمدعين العموم المشاركين في عملية التفتيش.
ووصل الأمر إلى حد أن المدعي العام عرفان فيدان أرسل طلبا إلى دائرة الصلح والجزاء بإسطنبول، لفرض حظر نشر الصور أو مقاطع الفيديو المتعلقة بعملية التفتيش والعثور على الأسلحة داخل الشاحنات. وبالفعل بدأت النيابة العامة التحقيقات مع من تعمدوا نشر التفاصيل والأخبار المتعلقة بالواقعة، بعد موافقة المحكمة على حظر النشر أو تداول أي أخبار في وسائل الإعلام المسموعة أو المقروءة أو المرئية.
جان دوندار أوضح أسباب نشره للفيديو وتعريض نفسه للمساءلة القانونية:
“إذا كانت هناك كميات مهولة من الأسلحة والذخيرة قادرة على تدمير مدينة كاملة حتى تسوّى بالأرض، يتم إنزالها في سرية تامة بأحد الموانئ، ثم يتم تحميلها على شاحنات لتعبر عبر المدن وتنتقل عبر الحدود إلى الجانب الآخر، وإذا كانت هذه الكميات من الأسلحة يتم إرسالها لصالح أحد الفرق المسلحة المشتركة في حرب وصراع ما في إحدى دول الجوار، وكان هذا الفريق المسلح تدور حوله الشبهات بأنه تنظيم همجي يقوم بأعمال إرهابية داخل هذا البلد ويمثل تهديدا مستمرا عليه، بينما تقوم الحكومة على الطرف الآخر بإصدار قرار باعتقال المدعين العموم المشرفين على عملية استيقاف تلك الشاحنات وتفتيشها، وكذلك قوات الأمن المشاركة في العملية، ومحاكمتهم بتهم الإرهاب، إذا كان المواطنون لا يعرفون حجم الخطر الذي يواجهونه بسبب هذه الأسلحة، وإذا كانوا لا يستطيعون الاطلاع على الحياة السياسية أو الدبلوماسية أو القانونية، فإن مهمة الصحف والصحفيين نقل المعلومات الصحيحة إلى المواطنين والقراء، وتوعيتهم بمقدار الخطر الذي يواجهونه، وتنبيه المسؤولين إلى مخاطر ما يشرعون فيه من مغامرات عواقبها وخيمة. وعلى هذا النحو قررت صحيفة “جمهورييت” نشر مقاطع الفيديو بموجب المسؤولية الصحفية التي تقع على عاتقها”.
ادعاء الشاحنات كانت تتجه للجيش السوري الحر!
على الرغم من تأكيدات أردوغان وكبار رموز حزب العدالة والتنمية على أن الشاحنات كانت محملة بالمساعدات الإنسانية والمواد الطبية، إلا أن مرشح الحزب في الانتخابات البرلمانية عن مدينة “سيعيرت”، ياسين أكطاي، فجر مفاجأة خلال الأيام القليلة الماضية، مؤكدا أن الشاحنات التي تم استيقافها في مدينتي أضنة وهطاي، كانت في طريقها للجيش السوري الحر.
ردود الفعل السياسية
“الأسلحة وصلت إلى أيدي داعش”
علق رئيس حزب الشعوب الديمقراطية الكردي صلاح الدين دميرطاش على الواقعة موجها انتقادا حادا لحكومة حزب العدالة والتنمية، التي تصر على إنكار حمل تلك الشاحنات لذخيرة ومهمات عسكرية. وقال: “إن حمولة الشاحنات لم تصل إلى هدفها، سواء أكانت تحمل مساعدات إنسانية أو أسلحة. ولا يستطيع أحد أن يقول إنها ذهبت إلى مكانها المحدد. فإذا كانت الحكومة التركية تريد أن ترسل مساعدات عسكرية لأحد الفرق هناك، كان عليها أن تتبع الطرق الشرعية والرسمية. أمَّا إذا كنتم ترسلون تلك الأسلحة في صناديق مخبأة خلف صناديق العلاج، فإن هذا يعني أنكم ترتكبون خطأً. ولا أحد يستطيع أن يقول القول الفصل في مصير هذا الأسلحة أو كيفية توزيعها بين المجموعات المسلحة هناك. فالمعركة هناك تضم الكثير من المجموعات المسلحة، بالتأكيد تم توزيعها عليهم، بما في ذلك تنظيم داعش الإرهابي”.
على الحكومة أن تقدم استقالتها
قال القاضي السابق بالمحكمة الدستورية العليا، النائب البرلماني عن حزب الشعب الديمقراطي بمدينة إزمير رضا تُوركمان: “لقد كشفت هذه الصور ومقاطع الفيديو أن تلك الادعاءات، التي نفتها الحكومة باستمرار، كانت حقيقية وصحيحة. كذلك تم الكشف عن وجود أعمال تهريب أسلحة عبر الحدود بيد الحكومة. فنحن الآن أمام واقعة انتهاك للقانون الدولي بكل صراحة ووضوح. وعلى الحكومة أن تتقدم باستقالتها. ومن الممكن أن يصل الأمر إلى تدخل الأمم المتحدة. وأرى أنه من الممكن ان تتدخل الأمم المتحدة لإصدار قرار في هذا الصدد”.
جريمة حرب دولية
قال رئيس كتلة نواب حزب الشعب الجمهوري بالبرلمان ليفينت جوك: “ظهر أنه كانت للدولة أياد خفية بواقعة استيقاف شاحنات الأسلحة في 19 يناير/ كانون الثاني 2014، والتي عرفت إعلاميا باسم شاحنات المخابرات التركية. واليوم بعد الكشف عن تلك التسريبات نكون قد تأكدنا مرة أخرى من أن الحكومة تشارك في الحرب القائمة في سوريا عن طريق تدعيم فصيل بعينه في الصراع المشتعل هناك، على الرغم من إنكارها المستمر لتلك الادعاءات. فنحن اليوم أمام واقعة خطيرة ومثير للغاية.
وكشفت تلك المقاطع حقيقة أن حزب العدالة والتنمية ضرب عرض الحائط بكل القوانين المحلية والدولية وكذلك الدستور، من أجل إرسال أسلحة مجهولة المصدر إلى أحد أطراف الصراع في سوريا في سبيل تأجيج الوضع هناك، واستمرار أعمال العنف وزيادة عدد القتلى والضحايا. فمن ناحية القوانين الداخلية في تركيا، لا يحق للحكومة الضلوع في مثل تلك الأعمال. فضلا عن أن تلك الواقعة قد تفتح المجال أمام محاكمة كل مسؤولي الحكومة التركية فيما بعد أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكام جرائم حرب دولية”.
هذه التصرفات لا تحدث إلا في دول العشائر والقبائل
قال نائب حزب الشعب الجمهوري عن مدينة إسطنبول محمود طانال، “إن الدولة لا تتمتع بامتيازات تسمح لها بارتكاب الجرائم. وإذا كانت الجرائم، من أسرار الدولة –كما يزعمون- فإن هذا سيضعنا في موضع دولة العشائر والقبائل. فالجريمة لا يمكن اعتبارها من أسرار الدولة بأي حال من الأحوال. لمن كانت موجهة تلك الأسلحة؟ كانت في طريقها إلى التنظيمات الإرهابية. فتلك الأسلحة الموجهة إلى التنظيمات الإرهابية اليوم، قد ترتد مرة أخرى على تركيا، إن لم يكن غدًا فبعد غد. ومن الممكن أن تكون هي الأسلحة نفسها التي يستخدها تنظيم العمال الكردستاني في تركيا الآن. فتركيا هي الدولة الوحيدة التي تقوم باعتقال المدعي العام الذي يأمر بضبط شحنات أسلحة غير مصرح بها. أما المتهمون بالتورط في جريمة تهريب الأسلحة فيتجولون خارج السجن وينعمون بالحرية، بينما يقبع من أمروا بعمليات التفتيش في السجون”.
يدا بيد مع الإرهاب
أما نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض فائق أوزتراك فقال: “إن الشاحنات المحملة بالأسلحة كشفت من يعمل يدا بيد مع الإرهاب. وعلى أردوغان أن يفسر المشهد للشعب أولا. ولكن أردوغان يعلن كل معارضيه وكل من يقف في وجهه في كفة واحدة مع التنظيمات الإرهابية”.
لم يعد هناك ما يمكن التستر عليه
قال البروفيسور أوميت أوزداغ مرشح حزب الحركة القومية عن مدينة غازي عنتاب: “لم يعد هناك ما يمكن التستر عليه في العملية السرية التي تورطت فيها حكومة حزب العدالة والتنمية لإرسال أسلحة وذخيرة للجماعات المتطرفة في سوريا. وهذا خطير للغاية. فهذه الفضيحة تضع الحكومة في مأزق كبير على الساحتين الداخلية والدولية”.
ردود فعل الصحف
حظر تداول المعلومات ومحاولات التخويف والترهيب
مجلس الصحافة: إن خطوة فتح تحقيق مع صحيفة بتهمة الإرهاب، عقب نشرها مقاطع فيديو وصورا متعلقة بواقعة استيقاف 3 شاحنات محملة بالأسلحة في مدينة أضنة، يعتبر آخر تقاليع الرقابة والقمع الذي تتعرض له الصحافة والإعلام في تركيا. والهدف من تهمة الإرهاب الموجهة لإحدى المؤسسات الصحفية، الحظر، والتخويف والترهيب.
يتعارض مع الحريات
لا يمكن بأية حال من الأحوال منع المواطنين من الحصول على الأخبار، وتجاهل حرية الإعلام بحزم من القوانين. فقرارات الحظر مفتوحة الأمد التي تصدرها النيابة العامة والمدعين العموم تعتبر محاولة إعاقة الصحف والإعلام عن آداء مهامه.
إن محاولات فتح تحقيقات من هذا النوع ضد وسائل الإعلام، اعتمادا على مبدأ “طالما لا يوجد ما يحرج الدولة، إذن لا توجد مشكلة”، لا يمكن أن يتوافق مع حرية الصحافة في الدول الديمقراطية.
الضغوط وصلت إلى درجة مقلقة
قالت منصة الحرية للصحفيين: “إن الضغوط والعمليات القمعية الممارسة على وسائل الإعلام والصحف والقنوات التليفزيونية وحتى محطات الراديو، وصلت إلى حدود مقلقة للغاية، وخاصة مع بدء تفعيل حزمة قوانين الأمن الداخلي. ونطالب بأن يتم وضع نهاية لهذه السياسات غير القانونية التي تستهدف الصحفيين، وإطلاق سراح المعتقلين من زملائنا الصحفيين فورا”.
يجب إنهاء الممارسات القمعية
مجلس أخلاقيات الإعلام: “لا يمر يوم إلا ويشهد الصحفيون والمؤسسات الإعلامية ممارسات قمعية جديدة وقرارات حظر وتحقيقات جديدة. وننتظر من الحكومة أن تتخذ الخطوات اللازمة من أجل إنهاء هذه الممارسات غير القانونية لتصحيح صورة البلاد التي أصبحت في مؤخرة الدول من حيث حرية الصحافة”.