حوار مع الأستاذ فتح الله كولن:
إسطنبول (زمان عربي) – على الرغم من حملة التشويه والافتراءات التي يتعرض لها المفكر الإسلامي التركي الأستاذ محمد فتح الله كولن وحركة الخدمة التي تستلهم فكره من جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ الكشف عن فضائح الفساد والرشوة الكبرى في 17 و25 ديسمبر/ كانون الأول 2013، بدا الأستاذ كولن هادئا وكأنه لا يكترث بكل ما يردده أردوغان وحكومته وحزبه وما يلصقونه بثوبه الناصع من افتراءات قذرة.
ومنذ فضائح الفساد والرشوة التي تورط فيها وزراء بحكومة العدالة والتنمية ورجال أعمال مقربون من أردوغان إلى جانب مسؤولين في البنوك وصولا إلى أفراد في عائلة أردوغان نفسه، حاول أردوغان تقديم ماحدث في تركيا على أنه محاولة من حركة الخدمة للانقلاب على الحكومة التي كان يرأسها في ذلك الوقت واصفا الخدمة بأنها جماعة إرهابية، وبدأت عملية ملاحقة لمؤسساتها ومحبيها بشكل يعكس انتهاك القانون بأبشع صورة.
” زمان عربي” يعيد هنا نشر نص حوار أجراه رئيس تحرير صحيفة” زمان ” التركية أكرم دومانلي عام 2014 مع الأستاذ كولن:
س: في الآونة الأخيرة لاحظنا غلوًّا في توجيه افتراءات إلى فضيلتكم من قبل السيد رئيس الوزراء[1] تفوق تصور العقل والخيال. فقد استُخدمت أقبح العبارات في حقكم.. ورغم ذلك آثرتم الصمت ولم تردّوا عليها؟
ج: بالتأكيد تألمتُ كثيرًا وحزنتُ.. في حقيقة الأمر لم أجد تفسيرًا معقولًا -حتى اللحظة- لِما يدّعون. فبناء على أي دليل يتحدثون بهذه الثقة، لم أفهم. تلك العبارات القبيحة، وتلك الجرائم التي أسندوها إلينا، لا أذكر أن مثيلاتها قد وُجّهت حتى من قِبل أهل الكفر إلى أهل الإيمان طوال التاريخ الإسلامي. أُصبتُ بإحباط كبير، لأنها لم تكن لائقة على لسان قائليها. أتأدب من القول إنهم يكذبون، بل أفضّل أن أقول يضلّلون الناس بقضايا مناقضة للواقع.
ولكن واسيتُ نفسي على النحو التالي، قلتُ: في كل زمان -ولا سيما في زمن الفتن- تعرّض الأبرياءُ لتشويه سمعتهم، وأهينت كرامتهم، كما أن بعض الناس الذين لم يستوعبوا حقيقة ما يحدث، كانوا شركاء في ذلك الإثم بعلم أو بغير علم. مَن نحن أصلًا حتى نشكو؟ فقد افتروا على أمِّنا عائشة رضي الله عنها … في العهد النبوي السعيد، بل وأكثرُ من ذلك، فقد افترى الملحدون على الله كذبا، والقرآن يذكر افتراءاتهم في آيات عديدة، ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ﴾(البَقَرَة:116) حاشا لله، ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ﴾( النَّحْل:57) حاشا لله. وكم أتألم، وكم تحزّ في قلبي مثل هذه العبارات البشعة التي قيلت في حق الله -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا-. فإذا ارتُكتبت هذه الجرائم في حق الله، ورسوله، وفي حق العلماء والصالحين عبر التاريخ، فكيف ينزعج -هذا القطمير- عندما يتعرض لشيء مماثل من قِبل بعض أهل الإيمان؟ نعم، بمثل هذه الأفكار أحاول أن أسرّي عن نفسي.
في الحقيقة، كلٌّ يعمل على شاكلته. مَن مَلك قابليةَ الظلم، ظَلَم. وبما أننا لا نملك نواجذ للعضّ، فلا يمكننا أن نعضّ أحدًا. ولكن لا نشكو.. فهم يظلمون ويتمادون في الظلم، أما نحن فسنبقى صابرين يقظين حذرين، وسنضرع إلى الله تعالى من أجلهم، نسأله أن يعامِل بالرحمة والمغفرة من كان عنده قابلية للرحمة والمغفرة، ونرجوه – أن ينجيهم من السير في الطريق الخطأ. ولا شك أن التعرض لألوان شتى من الافتراءات والمؤامرات، هو قَدَرُ السائرين في هذا الدرب في كل عصر، وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وحينما تسود البصيرة والفراسة -مع مرور الوقت- فإن الغبش والضبابية وكافة السلبيات ستزول تلقائيًّا. فليس ثمة افتراء ولا مؤامرة قادرة على الصمود أمام الحكمة والبصيرة. وكم كنتُ أرجو من هؤلاء الذين انجرفوا وراء هذه الأوهام والمؤامرات، أن يحاولوا إعادةَ النظر -في ضوء الكتاب والسنة- في الطريق التي سلكوها.
س: هل أبيات الشعر التي ترددونها دائما تفسر الواقع الذي نعيشه اليوم؟
الخليل بلا وفاء، والدنيا لا ترحم، والعالَم لا يهدأ..
الهموم كثيرة، ولا يوجد شريك همٍّ معك..
العدو قوي، والساعد ضعيف…
(الشاعر فضولي)
ج: جميع إخواننا تقريبا أبدوا وفاءهم للقضية؛ ولم يحصل أي اهتزاز أو ارتباك يُذكر لدى إخواننا وأصدقائنا رغم حجم الافتراءات والأكاذيب التي وجّهت. لكن القلب ينتظر من البعض أن يتصرفوا بما يتناسب مع حجمهم ومكانتهم. وهذا الرجاء لا يتحقق بالصورة المطلوبة أحيانا. ولا أدري هل يحق لنا أن ننتظر من بعض أصدقائنا المبجّلين ممن خبروا الحياة وتَعُود صداقتنا معهم إلى سنوات قديمة أن يظهروا ويدافعوا عن بعض الأمور إكراما للحق؟! لذا أكتفي بالقول: بعضُ أصدقاءِ أيام الرخاء لم يتصرفوا بما يليق بمكانتهم.
عرفتُ في السبعينات رجلا كان يقول لي إنه مستعدّ للتضحية بكل ما يملكه من أجل مشاريع “الخدمة”.
في انقلاب 12 مارس 1971م دخلنا السجن معا، وعندما خرجنا أردنا أن نكمل مبنى مبيت الطلبة “بُوزْيَاقه” والذي كنا قد بدأنا في إنشائه من قبل، فعندما ذكرتُ له ذلك قاطعني قائلا: “بربّك أستاذ، لا تورِّطني أكثر من هذا”. إن الثبات في مثل هذه الظروف الصعبة غاية في الأهمية. همة المرء بقدر همّه وصفاء معدنه. ولكن علينا أن لا نستاء ولا نعتِب، وسوف نرى في الآخرة من سيطأطئ رأسه ندما ويحمرّ وجهه خجلا. وما صبرُنا ومصابرتنا -في الحقيقة- على هذه المكابدات إلا من أجل الآخرة. فنحن طُلّاب الخلود، فإذا كان الخلود مطلبكم، فلا يليق بكم أن تلتفتوا إلى الدنيا الفانية.
وها نحن نعلن للعالم أجمع، أننا متسامحون في حقوقنا الشخصية، فقد أحللنا حقوقنا. ولكن إن كان هناك تجاوزات في حق الدين.. تجاوزات في حق هذه الأمانة المقدسة، فتلك لها صاحبها، وصاحبها يحاسب عليها دون شك، لذا ينبغي أن يخشى الظالم من أن يجد نفسه وقد انقلبت أوضاعه فجأة رأسا على عقب. لكننا لا نرجو ذلك لأحد ولا نرغب في أن يصيب ذلك أحدا، لأن قلبَ المؤمن يجب أن يكون مثل الورد، وأن يكون كلامه وردا ينشر طِيبا حيثما حلّ.
س: إنكم واحد من أكثر من تعرّضوا لمظالم شتى في انقلاب 28 فبراير 1997م. فقد تعرضتم حينئذ لحملة إعلامية إبادية شرسة، ثم رُفعتْ دعوى ضدكم، واستمرت المحكمة 8 سنوات. ولكن مسؤولي الحزب الحاكم الذين أقاموا كيانهم مؤخرا على معاداتكم، أخذوا يرددون أن فضيلتكم دعمتم ذلك الانقلاب، وبالتالي يحاولون أن يظهروا أنفسهم وكأنهم عرضة لمظالم جديدة. هل تشعرون بأنكم تعيشون اليوم المآسي نفسها التي عانيتم منها في تلك الأيام؟
ج: لقد تعرضنا لمثل هذه المآسي والضغوطات مرارا. ففي انقلاب 12 مارس 1971م سُجنتُ 6 أشهر ونصف بتهمة “التسلّل داخل الدولة”. كانت المادة 163[2] في تلك الأيام تعمل مثل المِقْصَلة فوق رؤوس المسلمين، حتى جاء “تورغوت أوزال (Turgut Özal)”[3] وألغى هذه المادة. وفي انقلاب 12 سبتمبر 1980م طاردني الأمن 6 سنوات كما يطارَد المجرمون. وداهموا بعض الأماكن بحثا عني، وتعرّض إخواني لمضايقات شديدة. من هنا يمكنني القول إن العيش تحت وطأة الترصّد والملاحقات والانقلابات أصبح نمط حياة بالنسبة لي. أما ما نعاني منه اليوم، فهو يزيد على ما كنا نعاني منه أيام الانقلابات العسكرية بعشرة أضعاف. رغم كل شيء، لستُ شاكيا. لكن الفارق في هذه المرة أننا نتعرض للمعاملة السيئة نفسها من قِبل مدنيين كنا نحسب أننا نتجه وإياهم إلى قبلة واحدة. لذلك أصدقك القول بأن إحساسي بالألم مضاعف هذه المرة. ولكن ما باليد من حيلة سوى أن نقول ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ لا بد لهذه الكربة أن تزول كما زالت شقيقاتها الأخرى، والسلام.
س: يرددون الانتقادات التي وجهتموها إلى حكومة “نجم الدين أربكان (Erbakan)”[4] وإلى طريقة تسييرها لأزمة 28 فبراير 1997م، ويدّعون أنكم آزرتم الانقلاب حينئذ؟
ج: عندما أتى حزب الرفاه في المركز الأول بعد الانتخابات التي جرت في ذلك الوقت، بدأت بعض التحركات المناوئة داخل القوات المسلحة التركية بشكل واضح، والجميع لاحظ ذلك. أخذتْ غيوم سوداء تتجمع في سماء تركيا، ولكنها لم تتحول بعدُ إلى عاصفة. أذكر أنني كنت في جلسة مع بعض الصحفيين في “أنقرة” مثل المرحوم “ياووز جوكمان (Yavuz Gökmen)” والسيد “فهمي كورو (Fehmi Koru)”، وكان أيضًا السيد “فاتح شكيركه (Fatih Çekirge)”، أفصحتُ لهؤلاء الأصدقاء عن قلقي وما بلغ مسامعي من أنباء حول الموضوع. ولكن واجهوني بردود أفعال سلبية. لم أكن الوحيد الذي يرى الخطر القادم، بل كان آخرون أيضًا يرون الخطر نفسه. وإثر “فضيحة صُوصُورْلُق (Susurluk)”[5] استغلّتْ الطُّغمة العسكرية ردود أفعال المجتمع لحسابها، وهيأت المناخ لانقلاب عسكري. وعندما شرعوا في تفعيل خطة الانقلاب كان الأوان لإيقافها قد فات. ثم فجأة أضافوا في اللحظة الأخيرة اسم هذا الفقير إلى التقرير الذي أعدته المخابرات التركية حول فضيحة “صُوصُورْلُق”. فيما بعد علمتُ مَنْ فعل ذلك، إلا أني لم أفش أسماء أهل الإيمان هؤلاء، ولم أطعن فيهم قط، وفضّلت أن أدفنها في أعماق قلبي.
ثم جاءت قرارات 28 فبراير. كانت المادة الثانية من بيان تلك القرارات تنص على ضرورة تأميم المدارس وفق قانون “توحيد التعليم”. وعندما بلغ التوتر في البلد حدًّا خطيرًا طرحتُ -ككثير من الناس- فكرة الإعلان عن انتخابات مبكرة كحل للخروج من هذه الأزمة بأقل أضرار ممكنة. كما أكّدتُ على ضرورة إصدار قانون انتخابات جديد ينقل البلدَ إلى انتخابات مبكرة. لستُ أنا الفقير فقط مَن قال ذلك؛ إنما كثير من الأسماء أيضًا -وعلى رأسهم “كوركوت أوزال (Korkut Özal)”- شاركوني في رأيي هذا. حتى إن بعض وسائل الإعلام الموالية للحكومة، أيّدت هذه الفكرة ونقلتها إلى مانشيتاتها، وإذا رجعتم إلى الأرشيفات فسترون كل ما كُتِب وقيل في تلك الأيام.
في هذا الصدد، نبّهتُ السيد “نجاتي جليك (Necati Çelik)” وزير العمل في تلك الأيام إلى بوادر قدوم الانقلاب، وحذرته من المناخ الانقلابي الذي بدأ يتشكّل في البلاد، ولديّ شهود على ذلك، فالسيد “علاء الدين كايا (Alaaddin Kaya)”، و”مليح نورال (Melih Nural)” كانا حاضرين في ذلك اللقاء. قلتُ له “يخططون لإحداث انقلاب ضد الحكومة…”. كنتُ أبذل قصارى جهدي لمنع وقوع ضربة مقوّضة للديمقراطية. السيد نجاتي استمع إلى مخاوفي بحماس وانفعال ثم قام وذهب. نقل الأمرَ إلى الأستاذ المرحوم أربكان، ولكن لم تأت أيُّ مبادرة تشير إلى نيةٍ للحيلولة دون وقوع الكارثة.
كذلك حاولتُ أن أحذّر السيدة “تانصو تشلّر (Tansu Çiller)”[6] من الخطر القادم أيضًا، ونبهتُها إلى التطورات السيئة، لكنها قالت “يا أستاذ، أدعوك إلى الاتزان أكثر”، تألمتُ كثيرًا وحزنتُ.. لذلك لم أدخل معها في التفاصيل. عندما رأيت أنني لم أستطع إقناع أحد، شعرتُ بضرورة قول شيء ما يمنع التدخل في المسيرة الديمقراطية، كما يقع في المناطق المجاورة لنا.
ليس من أدبي أن أقول لأحد “فشلتم”. والكلّ يشهد أنني أكنّ احترامًا للجميع، وبخاصة لمن يشغل مناصب تمثيل الشعب. في تلك الأيام حاولتُ من خلال التذكير بنماذج سابقة في تاريخنا كسيدنا أبي بكر وعمر رضي الله عنه، أنْ أشرح أنّ الانسحاب من السلطة في مثل هذه الظروف الحرجة ليس مذلّة وليس مَدعًى لمذمّة، أي إذا كان الرجوع إلى الشعب سيمنع وقوع كوارث أكثر فظاعة، فمن الحكمة اختيارُ ذلك. الأمر نفسه ينطبق على انقلاب 27 مايو 1960، وانقلاب 12 سبتمبر 1980م كذلك. وقد لجأت حكومةُ العدالة والتنمية إثر المذكرة العسكرية في 27 أبريل 2007م إلى هذا النهج، حيث اتخذت -خلال أسبوع واحد- قرارًا بالخوض في انتخابات مبكِّرة، ومن ثم تمكّنت من اجتياز هذه العقبة. أي إن الحكومة عندما قررت الرجوع إلى الشعب، وأحالت الأمر إلى صناديق الاقتراع، أفشلت اللعبة التي أسقطوا بمثلها حكومة فبراير 1997م. هذا ما كنتُ أقوله: “غيّروا قانون الانتخابات، واذهبوا بالبلد إلى انتخابات مبكرة”.
ولا بد أن ألفت الانتباه هنا إلى نقطة غاية في الأهمية.. وهي أنه إذا أمعنتم النظر في “تقرير فضيحة صُوصُورْلُق” و”قرارات 28 فبراير”، ستجدون أن الطغمة العسكرية آنذاك، استهدفت بالدرجة الأولى حركة “الخدمة”. وما عشناه لاحقًا من مآسٍ، كان تنفيذا لتلك المخططات السوداوية. وكلّ ادعاء يناقض ذلك بعيد عن الإنصاف، بعيد عن الحقيقة، بل هو الظلم بعينه.
[button color=”blue” size=”big” link=”http://www.zamanarabic.com/%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%83%D9%88%D9%84%D9%86-%D9%8A%D8%B1%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D8%AF%D8%B9%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86/” target=”blank” ]بالفيديو: فتح الله كولن يرد على ادعاءات أردوغان[/button]
س: في لقاءاتنا السابقة كنتم قد بيّنتم استغرابكم حيال من يدعي أن “الجماعة تسيطر على نادي فريق فنرباخجه (Fenerbahçe)”[7] وذكرتم أنكم واجهتم صعوبة في فهم ذلك. كيف تقيّمون هذه الادعاءات في إطار المعلومات الجديدة التي ظهرت مؤخرًا؟
ج: نعم، فريق “فنرباخجه” من النوادي الرياضية المتميزة في تركيا. وحسب ما أشاهده، فإن إدارته ومشجعيه ملتحمون فيما بينهم التحاما محكما. وهي حالة يُحسَدون عليها. ومَن ينزعج من هذا أصلًا؟ أنا شخصيا عندما فاز نادِي “غلطه سراي (Galatasaray)Melih Nuralyarn تركيا لعضويّته. ت” بالكأس الأوروبي فرحتُ كثيرًا وامتلأت فخرا. القلب يرجو أيضًا أن يضيف نادي “بشكتاش (Beşiktaş)”، و”طرابزون سيبور (Trabzonspor)” ونوادينا الأخرى نجاحات جديدة إلى نجاحاتهم، وينتشر صيتهم في العالم كافة. والآن، إذا نظرنا إلى الموضوع من هذه الزاوية، هل يمكننا أن نفسر تلفيق مثل هذه الادعاءات ضدنا إلا بأغراض سياسية. يبدو أن كل مخالفة يعجزون عن شرحها للرأي العام يبادرون إلى إلصاقها بـ”الحركة” كرد فعل تلقائي. وقد ظهر في ضوء التطورات الأخيرة أن ادعاء “فَنَرْبَاخْجَه” كان افتراء كذلك.
س: تم إخلاء معتقلين على نطاق واسع في قضايا مهمة يتابعها الرأي العام عن كثب، وأهمها قضية “أرجنكون (Ergenekon)”[8] الانقلابية. كيف تقيّمون ذلك؟
ج: ما يقوله القانون وما يقتضيه نظام البلد وأمنه من واجبنا أن نقف إلى جانبه. وعندما ادعوا أن “الخدمة تآمرت على الجيش”، كانوا يخططون لأمر آخر في الحقيقة. كانت تلك مؤامرة منهم. أرادوا أن يحمّلوا الخدمةَ أوزارهم، لتدفع هي فاتورة أوزارهم. ها قد جمعوا البرلمان وأصدروا قانونًا من أجل شخص واحد فقط[9]. ليتهم أبدوا الحساسية نفسها لهؤلاء الناس. فالإخلاء شيء، ومرحلة المحاكمة شيء آخر. ما زالت المحاكمة مستمرة. ينبغي احترام القانون في قراره. ونحن وقفنا دائمًا إلى جانب القانون والقيم الإنسانية السامية. وسنبقى كذلك. ففي أحلك الظروف، حتى وإن تعرّضنا لأشد الاعتداءات شراسة، ينبغي أن لا نقصّر في احترام القانون.
الفساد جريمة أيًّا كان مرتكبها
س: لقد وردت مزاعمُ في بعض وسائل الإعلام المحسوبة على الحكومة، بأن الخدمة هي التي نفّذت عمليات الفساد في ١٧ ديسمبر ٢٠١٣م. كيف تقيّمون ذلك؟
ج: إن البعض يصرّ على اتهام “الخدمة” على الرغم من أننا نشرنا مرارًا العديد من البيانات للتكذيب والتوضيح والتصحيح. وكما قلتُ سابقًا، فإن بعض النوابِ العامّين وقواتِ الشرطة المكلّفة بتنفيذ القانون، قد أدّوا المهمة التي يطلبها القانونُ منهم دون أن يعلموا أن ترصّد ومطاردة المجرمين صار يُعتبر جريمة! أي إنهم لم يتخيّلوا أن أضرارًا ستلحق بهم جراء أداء وظائفهم! وكان كاتب عمودٍ في جريدةٍ -أظنُّه السيد “يافوز سمرجي (Yavuz Semerci)”- قال مؤخّرًا “سيأتي يوم يُكافَأ فيه هؤلاء الرجال بميداليات تقديرية”. بالرغم من ذلك، فإن الذين أشرفوا على تحقيقات 17 ديسمبر، بل الآلاف من الموظفين الذين لم يكن لهم أيّ صلة بتلك التحقيقات، تعرّضوا للنفي والتشريد دون مراعاة حقوقهم وحقوق أفراد عائلاتهم قط. ثم بادر أعضاء الحكومة إلى اتهام “الخدمة” ومهاجتمها وكأنّ شيئًا لم يحدث وكأن فسادًا لم يقع. وعمدوا إلى اختلاق أكاذيبَ ونشرها واحدة تلو الأخرى، وما زالوا يفعلون ذلك.
قبل كلّ شيء، فإن تحقيقات الفساد والرشوة لم تأت فجأة، فجهاز المخابرات قد أعدّ قبل نحو 8 أو 9 أشهر تقريرًا قدمه لرئيس الوزراء، وأكد فيه أن بعضًا ممن يحتمل أن يكونوا جواسيس لإيران، قد سيطروا على وزراء في الدولة وبعضٍ من أبناء الوزراء، بل حتى تسلّلوا إلى مجلس الوزراء للقيام ببعض الأشغال الغامضة، ولكنه تم التجاهل والتغاضي عن هذا التقرير تمامًا. فضلًا عن ذلك، فإن وسائل الإعلام المقربة من الحكومة قد نشرت أخبارًا في صفحاتها بهذا الشأن، إلا أنها لم تلقَ اهتمامًا كذلك. لم يفكّروا في منع وقوع أعمال الفساد. ولما بدأت تحقيقات الـ17من ديسمبر، لم يجدوا مخرجًا من هذا المأزق، فقرّروا التخلّص منها عن طريق كيل الاتهامات واختلاق الجرائم لأناس أبرياء.
وكما بيّنتُ سلفًا، فإن هؤلاء المشرفين على هذه التحقيقات لا أعرفهم شخصيًّا، ولم يكن لي أيّ صلة بهم. وقد ردّدتُ ذلك مرارًا وقلتُ “لا أعرف واحدًا في الألف منهم…” ، إلا أنهم استمروا في ربط هؤلاء بشخصي.
أما الذي حزّ في نفسي وأشعرني بالإحباط أصلًا، فَهو صمت السياسيين الذين عرفتُهم شرفاءَ صادقين. إذ كنتُ أتوقّع من هؤلاء الذين أعرفهم منذ القديم، وأعتقد بصلاحهم وعدم مخالفتهم لضمائرهم، أن لا يبقوا صامتين أمام أعمال الفساد والعلاقات المبنية على الرشوة. كنتُ أظنّهم هكذا. كنتُ أنتظر منهم ردّ الفعل الذي أبداه المرحوم “تورغوت أوزال” الرئيس التركي الأسبق -أسكنه الله فسيح جناته- إزاء مثل هذه الأعمال القبيحة، ولكنهم لم يفعلوا. ولما سكتَ هؤلاء لم يتجنّب مَنْ ارتكبوا “جريمة واحدة” ارتكابَ “ألف جريمة” أخرى، وابتدعوا طريقة لم يُسبَق إليها طوال تاريخ الجمهورية التركية. فبدلًا من إطلاق حملة ضد الضالعين في ممارسات الفساد، أطلقوا حملة ضد أولئك القائمين على تحقيقات الفساد.
إن الإسلام حرّم أعمال الفساد وفرض عليها عقوبات زاجرة، واعتبرها من مساوئ الأخلاق وحضّ على الابتعاد عنها. فلا يمكن تسويغ وتصويب أيّ نوع من أنواع الفساد، ولا يمكن أن يُترك مرتكبُه دون عقاب. فالذنب أو الخطأ إن كان فرديًّا، ولم تكن أضرارُه راجعة إلى المجتمع، فالإسلام في هذه الحالة يَطلب التجاوزَ والصفح عن ذلك الإنسان، ولا يَسمح أبدًا بالتلاعب بكرامته وشرفه. لذا ينبغي عدم الخلط بين هاتين النقطتين؛ أيْ إن الإسلام يحثّ على إبداء حساسية فائقة للغاية، ويضع عقوبات محددة إن كانت المسألة متعلقة بأكل حقوق الناس أو متعلقة بأعمال فساد مختلفة.. فعلى سبيل المثال، عزل عمر بن خطاب رضي الله عنه عياض بن غَنم، مع أنه كان واليًا وحاكمَ إقليمٍ، كذلك عزل واحدًا من الولاة المشهورين، وكان غازيًا وفاتحًا في غزوة القادسية ضد الفرس، عزله ثم استدعاه إلى المدينة المنوّرة. في الحقيقة، لم يكنْ له أيّ ذنب، ولكن ذاعت في حقه إشاعات.. ولا يمكن لإنسانٍ انتشرت في حقه إشاعات أن يكون واليًا، لأن الناس لن يسمعوا له ولن يطيعوه. لذلك رأى عمر رضي الله عنه أن إنسانًا تعرّضتْ سمعته لإساءة على هذا النحو لا يمكن أن يكون واليا هناك، فدعاه إلى المدينة المنورة. وعلى نفس المنوال، استدعى إلى المدينة خالدَ بن الوليد رضي الله عنه جراء مزاعم حول ممارسته الفساد -حاشاه- مع أنه كان يخوض أخطر المعارك مثل معركة اليرموك. عزله ودعاه إلى المدينة في وقت كانت فيه المعركة على أشدّها، فعاد إلى المدينة وعمامته على رأسه. ولا يخطرنّ على بالكم شيء سلبي عن خالد بن الوليد رضي الله عنه. فذلك القائد العظيم لم يكنْ يملك شيئا سوى خيله وسيفه عندما وافته المنية. هو قائد عملاق بذلك المستوى، بالإضافة إلى أنه عابد وزاهد، إلا أن عمر رضي الله عنه لم يغلق أذنيه وعينيه تجاه مزاعم ممارسته الفساد، وإنما تابع القضية عن كثب وفعل ما ينبغي فعله. وعَزل أيضًا سيدُنا عثمان بن عفان رضي الله عنه عمرو بن العاص رضي الله عنه من منصبه.
بناء على ذلك، فإن كانت هناك رشوة وجرائم ترتكب، ومحسوبية، وممارسة فساد في المناقصات، وأمور أخرى تتعارض مع مصالح الأمة، ويتمّ التستّر عليها، فإن الله عز وجل سيحاسب عليها. لا أعرف ماذا كانوا يتوقّعون؟ وإن كان هناك مَنْ يتعاطف مع نشاطات الخدمة مِمَّنْ أشرفوا على تحقيقات الفساد، فهل كان يجب عليّ أنْ أقول لهم “غضّوا أبصاركم عن مزاعم الفساد”؟ لا أعرف، ولكن يبدو لي أن البعض كانوا يتوقعون شيئًا كذلك. أكان توقّعهم هكذا فعلًا؟ كيف لي أن أفعل شيئًا يدمّر آخرتي؟ كيف لي أن أتصرّف غير ما تصرّفتُ؟
وكما ذكرتُ في وقت سابق، لو كان هؤلاء الرجال الذين يُوصَمون بانتمائهم إلى “الدولة الموازية” يتحركون بصورة مخالفة للقوانين واللوائح المتبعة، فلماذا لم يُعاقَبوا حتى اليوم؟ ولقد سمعتُ أن عمليات النقل والنفي والتشريد طالت الآلاف منهم، ولكنني لم أسمع قط أنه فُتِح تحقيق بحق أحدٍ لسوء سلوكه أو خرْقه للقوانين ولوائح العمل في تلك المؤسسات. لا أعرف، فهل سمعتم أنتم؟
منذ ما يقرب من ستين عامًا، وأنا أُلقي دروسًا دينية في شتى المواضيع، وأردد المبادئ عينها دائما، ووصيتي لإخواني الذين يكنّون حبًّا لي -أنا الفقير الذي لا أستحقّ هذا الحب- هي ألا يقتربوا حتى من أطراف مثل هذه الأعمال القذرة؛ وفي الوقت ذاته، لا يغضّوا أبصارهم بتاتًا عن مثل هذه الممارسات الفاسدة عند اطلاعهم عليها، بل ليفعلوا ما يقتضيه القانون وتمليه العدالة.
إن القرآن الكريم يسمّي مثل هذه الممارسات الفاسدة بـ”الغُلُول”[10]. وهو يأتي بمعنى الاستيلاء على شيء دون وجه حق، والانتفاع به، واختلاس شيء من المال العامّ، وخيانة الأمانة وما إلى ذلك. كما تُعَدّ إساءة استعمال أموال الدولة ذنبًا وجريمة من هذا النوع. وقد تكون إساءة الاستعمال هذه ببضعة قروش حينًا، وبأكياس مليئة بالنقود المملوكة لخزينة الدولة أحيانًا أخرى… وقد تكون عن طريق الحصول على منصبٍ عبر الوساطة والمحسوبية لا بالكفاءة والجدارة والأهلية. فكل شيء تملّكه الإنسان دون وجه حق، وكذلك كل إمكان حصل عليه من خلال وسائل غير مشروعة، فهو غلول.
والطامة الكبرى هي أننا بأحوالنا هذه نفتح جرحًا غائرًا في قلب الإسلام دون أن نشعر. فإذا ما خرقنا قيم الصدق والإخلاص في حياتنا الشخصية، نكون قد أحدثنا شرخا في الدين وفي فكر من يشكّل قناعته عن الإسلام من خلال سلوكنا ومواقفنا. أظنّ أن الرغبة في المناصب السياسية تزداد نظرًا لأنها تشكّل مصدرًا لمثل هذه الغنائم والعمولات. ونتيجة لذلك، فإن المقاول أو رجل الأعمال الذي حصل على مناقصة عامة عبر هذه الطريقة، يبحث عن وسيلة ما لتعويض ما خسره من خزينة الدولة. إن الحق العام هو حقّ الله تعالى في الوقت ذاته. لذا فإن الفقه الإسلامي والنظام القانوني الحديث على حد سواء لا يسمحان أبدًا بمثل هذه الانتهاكات للحقوق. بناء على ذلك، فإن كان هناك شيء من قبيل سرقة الأموال العامة، فلا يمكن تبريرها لا من خلال الإشارة إلى المبادئ الواردة في “المجلة” (مجلة الأحكام العدلية)[11]، ولا من خلال الانغماس في جدال صاخب وضوضاء مفرطة. أجل، إذا لم تنتبهوا إلى تزكية قلوبكم على الدوام، فقد تجدون أنفسكم تائهين في متاهات مظلمة حتى لو انتشرتم -أصلًا- مع إخوانكم في أنحاء العالم بقصد نشر قيم الإسلام السامية من صدق وإخلاص. والأدهى من ذلك والأمرّ هو خيبة الأمل التي سيصاب بها هؤلاء الذين علّقوا آمالهم عليكم.
اسمحوا لي أن أقول أيضًا: ينبغي أن نعامل الناس بالرحمة والعطف، فنبينا صلى الله عليه وسلم يقول: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ»[12] التوصية الواردة في الحديث هي الاعتراض على الظلم والتجاوزات وارتكاب الجرائم والجنايات. لذلك يجب الحديثُ عن سوء هذه الأعمال وشرح خطورتها على الدوام لكي يبتعد الناس عن ارتكابها. ولا ينبغي أن تؤدّي هذه الطريقةُ من التصرّف إلى الانقسام أو الصراع، وإنما يجب أن تؤدّي إلى الاتحاد والمحبة المتبادلة.
س: لقد شَوّهتْ فئةٌ معينة من وسائل الإعلام الحقائقَ، وتسبّبت فى حالة من اللغط بخصوص دعائكم. قالوا “إنه دعا علينا”، ثم شكّلوا فكرة خاطئة في أذهان الناس أثناء الخطابات الجماهيرية في الميادين. فهل دعوتم عليهم حقًا؟[13]
ج: إنهم أصرّوا على سوء فهمهم هذا. اسمحوا لي أن أشرح الموضوع بمثال. لو هجم عليكم أحد بالأكاذيب ذاتها وبالأساليب القبيحة نفسها مرارا وتكرارًا، فسوف تتطوّر الأمور مع ذلك إلى نقطة ينفد فيها صبركم وتقولون: “إن كنتُ كما تَصِف فليُنزلِ اللهُ عليّ من البلاء ما أستحقّه، وإن لم أكنْ كما قلتَ فلينزل الله عليك من البلاء ما تستحقّه”. هذا هو الدعاء الذي تلوتُه في ذلك اليوم. وأنا لم أذكر اسم أي شخص أو حزب أو جماعة على وجه التحديد. وإنما ذكرتُ بعض الصفات والأفعال بصورة عامة ومطلقة. قلتُ من يفعل هذا وذاك… فإن لم يكنْ فيهم تلك الصفات، وإن لم يقترفوا تلك الأفعال فلماذا ينزعجون إلى هذه الدرجة ويحملونها على أنفسهم؟! كُنتُ أنتظر مِمّنْ يتفوّهون بهذه الافتراءات المبنية على سيناريوهات وهمية، ومِمّنْ ينشرونها في الصفحات المختلفة عبر جرائدهم أن يتجرّؤوا على التأمين على دعائي. ولكنهم لم يستطيعوا أن يقولوا “آمين”. بدلًا من ذلك عمدوا إلى استغلال الدعاء. ولكنني ما زلتُ في النقطة ذاتها، ولم يتغيّر موقفي من هذا الأمر، ولا أزال أقول “إذا كنا عصابة جريمة أو منظمة سرية أو دولة موازية داخل الدولة فلينزل الله علينا من البلاء ما نستحقه، وإن لم نكن كما تصف ألسنتهم فأسأل الله أن ينزل ذلك البلاء على من يُسندون هذه الجرائم إلى هؤلاء الناس البرآء!”، والذين يتجنبون “التأمين” على هذا الدعاء، ويتمادون فيما هم عليه، فعليهم أن يخافوا من سوء عاقبتهم.
[button color=”blue” size=”big” link=”http://www.zamanarabic.com/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D8%B0-%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%83%D9%88%D9%84%D9%86-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%AA%D9%87-%D9%88%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%AA%D9%87/” target=”blank” ]الأستاذ فتح الله كولن.. حياته ومعاناته[/button]
س: ادعى نائب رئيس الوزراء والمتحدّث باسم الحكومة “بولند أرينج (Bülent Arınç)” أن البعض هدّد رئيس الوزراء بخصوص المعاهد التحضيرية الخاصة ونقل عنه قولَه: “قالوا لي إما أن تُقلعوا عن قرار إغلاق المعاهد أو نطيح بكم. أما أنا فتحدّيتُهم وقلتُ لهم لا تدّخروا ما في وسعكم، فإنني لن أتراجع عن قراري”، فماذا تقولون في هذا الصدد؟
ج: أقول بداية يجب على من يدعي ذلك أن يثبته بدليله ويرفع دعوى لدى المحكمة. كما ينبغي الإعلان للرأي العام أن شخصًا فلانيًا أو أشخاصًا فلانيين جاؤوا إلينا وهدّدونا، أي ينبغي أن يحدد الأشخاص بأسمائهم. ذلك أن ابتزاز الحكومة جريمة كبيرة. ولكن إن كانوا يقولون ذلك استنادًا إلى أوهام مختلقة فلا داعي للردّ والإجابة عليهم.
س: اتخذت الحكومة التركية قرارًا بإغلاق المعاهد التحضيرية للخدمة؟ فهل تعتقدون أن خطة الإغلاق جديدة أم كان يخطط لها من قبل؟
ج: بدا واضحًا -بعد البيانات التي صدرت على لسان رئيس الحكومة- أن جذور قضية إغلاق المعاهد التحضيرية لا تعود إلى ما قبل شهرين أو ثلاثة أشهر؛ حيث قالوا في تلك الأيام مع ذكر أسماء وزراء التربية والتعليم: هذا لم يستطع إغلاقها، وهذا لم يستطع، وذلك لم يستطع… أما الوزير الجديد فسيحقِّق ذلك. وما إلى هذا من الأقوال المشابهة، مما يعني أن هذه القضية تمّ التخطيط لها منذ فترة طويلة، ولعلها وعد قطعوه على أنفسهم لحساب جهات معيّنة. إذ وردت في وسائل الإعلام مزاعم بوجود مثل هذا الوعد لحساب جهات معينة، ولا بد أن التسجيلات المتعلقة بهذا الوعد موجودة في الغرف السرية للدولة. لقد تبيّن اليوم بصورة أكثر من السابق، أنهم لم يغلقوا تلك المعاهد انطلاقًا من نية رفع مستوى التعليم في المدارس إلى مستويات أعلى؛ إذ ظهر بشكل جلي أن النية هي منْع النشاطات التعليمية للخدمة. ها هم ينادون في الميادين أنْ “لا ترسلوا أولادكم إلى مدارسهم ومعاهدهم، بل قاطعوها”،[14] أيْ إن نيتهم كانت البدءَ من إغلاق المعاهد ثم الانتقال إلى المدارس، ثم الانتهاء بالسعي إلى إغلاق المدارس الموجودة في كافة أنحاء العالم. والملاحظات التي أبدتها السيدة “نازلي إيليجاك (Nazlı Ilıcak)” في هذا المضمار، يبدو أنها تفسير منطقي لهذ الأمر؛ حيث قالت إنه من الممكن أن تكون الحكومة قد اطلعت على التحضيرات الجارية لإجراء تحقيقات الفساد تلك، وبحكم مسبق من عندها فكّرت بأنه يمكن لحركة الخدمة أن تَحول دون ذلك، فخطّطت لوضْعها كحائلٍ أمام الأمواج القادمة إليها عبر ابتزازها عن طريق المعاهد التحضيرية وشنِّ حرب نفسية ضدها.
ليتهم أعلنوا عن نيتهم هذه وقالوا: “لا نريد أن تعملوا في مجال المعاهد التحضيرية” حتى لا يظلموا المعاهد الأخرى التي لا صلة لها بـ”الخدمة”. لأن الإنسان يحزن من أجل هؤلاء الناس الذين بنوا تلك المعاهد بعرق جبينهم ومحض أموالهم. يا للعار ويا أسفا… وكما تعلمون أن ثلاثة آلاف من تلك المعاهد البالغ مجموع عددها حوالي 3800 ليس لها أي علاقة مع الخدمة. لو قالوا ذلك صراحة لقلنا: “طيب، ما دامت هذه المسألة بالنسبة لكم بمثابة حياة أو موت، نطلب من إخواننا إغلاق معاهدهم في هذه المرحلة بصورة مؤقتة”، ولما كانوا أحرقوا الأخضر إلى جانب اليابس.
واسمحوا لي أن أستطرد قليلا.. يتعيّن على وزارة التربية والتعليم، بل حتى على الحكومة أن تركّز على مشاكل وقضايا أكثر جديةً وخطورةً. فنحن نعيش في مرحلة زمنية قد وقع الأفراد والعائلاتُ فيها أسرى للأزمات الاجتماعية والتآكل الثقافي. لقد قرأتُ منذ مدة مقالًا لواحد من الأكاديميين يقول فيه إن حالات الانتحار زادت بنسبة 36% خلال 12 عامًا. كما أن انتشار عدوى تعاطي المخدرات على نطاق واسع في المدارس الثانوية آخذ في التزايد، حيث بلغت نسبة من يشربون الكحول من الطلاب 32%. ووفقًا لتصريحات طبية نفسية، ارتفع عددُ مَنْ يتلقون العلاج جراء تعاطي المخدرات 17 ضعفًا في 10 أعوام. هذه المعطيات مخيفة جدًّا تهدد أخلاقَ المجتمع وقيمَه. وإن كان الواقع هكذا، فَبأيّ شيء يمكنكم أن تفسّروا وتبرّروا إنقاذ التعليم بإغلاق المعاهد التحضيرية، بينما تشكّل هذه المشاكل الضخمة مخاطر كبيرة تهدّد نظام التعليم وحتى مستقبل البلاد؟ هل سيمنعون -بإغلاق المعاهد التحضيرية- حدوثَ هذا التشوّه والتحلّل؟
وإن هذه المعاهد، مؤسساتٌ تعليمية تمارس إلى جانب دورها التعليمي دورًا في مكافحة هذا التشوّه والتحلّل أيضًا؛ فضلًا عن ذلك، فإن قلبي يتفطّر عندما أفكّر في الفراغ المحتمل الذي يمكن أن يحدث نتيجة إغلاق تلك المعاهد في المناطق الجنوبية الشرقية من البلاد. ويصعب عليّ أن أفهم إقبال المسؤولين بهذه السهولة على تعريض وحدة البلاد للخطر في سبيل تحقيق مصالح صغيرة جدًّا.
س: تمّ تسريب كثير من التسجيلات الصوتية في الآونة الأخيرة. وبعض الأوساط على وجه الخصوص تتهم حركة الخدمة بهذه التسريبات؟
ج: تتعرّض “الخدمة” منذ القديم لمثل هذه الاتهامات، إلا أن أصحاب هذه الاتهامات لم يقدّموا حتى اليوم أي دليل في صدد إثبات مدّعاهم. وعدم إبراز أي دليل ملموس في هذه المسألة -التي أصبحت وسيلة للاستغلال دائما- يدلّ على وجود غاية أخرى من وراءها.
الجميع يتكلّم في هذا الموضوع. ولكنه موضوع معقّد على ما أعتقد. فهناك نوعان من عمليات التنصّت؛ النوع الأول يتمّ فيه التنصّت بناء على قرار صادر من المحكمة، أما الثاني فيتمّ بطرق غير قانونية. لذلك يجب الكشفُ عمّنْ يتنصّتون خارجين عن إطار القانون، ومعاقبتُهم، مهما كان الثمن، وبغضّ النظر عن هوياتهم وانتماءاتهم ومع مَنْ يتعاطفون. أنا والعديد من إخواني من ضحايا التنصّت غير القانوني. هناك حملة منذ القديم تسعى لخلق تصوّر عنا من خلال الدعاية السوداء وكَيلِ الاتهمات وإلصاقِ الجرائم بصورة علنية عبر وسائل الإعلام. ولا يتأتى لنا مكافحة هذا إلا بالقانون. فإذا كان هناك من يتنصّتون بطرق غير قانونية أو حتى من يتجاوزون حدودهم القانونية في ذلك، فلا بدّ من محاسبتهم. وبالمقابل، فإنه من الضروري أيضًا محاسبةُ مَنْ يزعمون أن “الخدمة تقوم بذلك”، ومن ثم يستهدفون شريحة كبيرة من الأبرياء في المجتمع دون الاستناد إلى أي دليلٍ يثبت مدّعاهم. لا بد أن يقول العدلُ لهم “مِنْ أين لك هذا العلم وما دليلك على هذا؟” ويحاسبَهم. فإنه من غير الممكن الحيلولة دون حدوث أعمال غير قانونية عبر اتباع أساليب غير قانوينة. وأعتقد أن الشكوى من عمليات التنصّت حال كونها ضدك، واستغلالها إن كانت لصالحك أمر لا يمكن الموافقة عليه، لا من الناحية القانونية ولا من الناحية الأخلاقية.
صراع بين العدالة والتنمية وبين الخدمة، أم انكماش في الحقوق والحريات؟
س: عند النظر من الخارج، يبدو وكأن ثمة صراعا بين الحكومة والخدمة. كُتبت المقالات ودارت التحليلات في هذا الفلك. ويردد البعضُ مقولة “عن طريق الصندوق بإمكاننا أن نغير الحزب الذي لا يعجبنا، ولكن كيف سنغير هذه الحركة؟“، ماذا تقولون عن ذلك؟
ج: المسألة ليست قضية صراع بين حزب العدالة والتنمية والخدمة. في السنوات الأخيرة بدأ موضوع الحقوق والحريات الأساسية في تركيا يتقلص بشكل خطير. فلغة السياسة الهدامة المفتِّتة باتت تهدد وحدة المجتمع وتدفعه نحو الاستقطاب بكل حدّة. وخلال أحداث “كيزي (Gezi)”[15] اعترضتُ على تسمية المتظاهرين بـ”الأوباش” وقلتُ “ينبغي ألا يُتلفَّظ بذلك”. ونفس الشيء ينطبق على العَلويين أيضًا، وهذا طبيعي في ظل عدم السعي إلى إيجاد حلول ديمقراطية تدافع عن حقوقهم الطبيعية، بل وربما عدم الرغبة في إيجاد تلك الحقوق. لقد أيّدنا “مشروع المسجد وبيت الجمع جنبا إلى جنب”[16]، ولكنه لاقى انتقادات حادّة مِن جهات غير متوقَّعة.
من ناحية أخرى، نحن لسنا حزبًا سياسيًّا ولن نكون أبدًا. بناء على ذلك فلسنا بصدد منافسةٍ مع أيّ حزب، ونقف من الجميع على مسافة واحدة. وعلى الرغم من ذلك، نتشاطر مع الرأي العام قلقَنا وآمالنا فيما يتعلق بمستقبل بلادنا. أعتقد أن هذا أمر طبيعي نمارسه بموجب حقوقنا الطبيعية والديمقراطية. ولذلك أجد غرابة فيمن ينزعجون من ذلك، فهل صار القول للمسؤولين “لديّ فكرة كذا…” تهمة؟ إن الأفراد في الديمقراطيات المتقدمة وكذلك مؤسسات المجتمع المدني التي تتشكل من هؤلاء الأفراد، يحق لهم توجيه الانتقادات وإبداء الآراء وتبادلها مع الرأي العام دون أن يسبب ذلك إزعاجًا لأي أحد.
إضافة إلى أن كل المؤسسات التي أقامها إخواننا تعمل وفق القوانين، وهي خاضعة لرقابة الدولة وتفتيشها، مما يعني أننا نتحدث عن عمل شفاف بكل معنى الكلمة. أما المؤسسات غير الشفافة أساسًا، فهي التي ظهرت وبكل وضوح رغم الأكاذيب التي تم تلفيقها للتستر عليها في الأشهر الأخيرة. مشروع الخدمة عماده التطوع، وإنّ اتهام أناس لم يؤذوا في حياتهم أحدًا ولو نملة واحدة، ويراعون القوانين رعاية كاملة، بـأنهم “منظمة سرية” أمر باعث على الأسف.
ولا يخفى عليكم أن مؤسسات الدولة فيها كل الأطياف والأفكار؛ يميني ويساري، علَوي وسُنّي، مسلم وغير مسلم، كردي وتركي… كلٌّ يقوم بوظيفته التي كُلّف بها من قِبل الدولة. والأصل في ذلك أن يؤدي الموظفُ مهامه في إطار القانون. وأيًّا كانت الأفكار التي يعتنقونها، فإن تصنيف هؤلاء الموظفين أثناء عملهم في مؤسسة الدولة حسب أفكارهم وانتماءاتهم في قوائم سوداء، واتهامهم دون دليل، يمثل تجاوزًا في حقهم واعتداء على حقوقهم. وفي حال عدم وجود أي جريمة ثابتة، إن ادعيتم وجود دولة موازية، فإن أوهامكم هذه ستضع أمامكم ألف دولة موازية. وفي هذه الحال ستعرّضون كثيرًا من الأبرياء للظلم.
س: يقولون لماذا تعارضون الآن حزبًا تحالفتم معه طيلة 12 سنة؟ ألم يكن بينكما مصلحة مشتركة؟
ج: لم نتحالف مع أي حزب سياسي على أساس مصلحي قط. حافظنا دائمًا على استغنائنا، لأن الدروس التي استفدناها من القرآن والسنة كانت تقتضي ذلك. دائمًا ما اعتبرتُ السعي إلى المناصب والمساومة من أجلها خيانة للمبادئ التي آمنا بها. لا أقول شيئًا حول اجتهادات الآخرين وأفكارهم، فلكلٍّ رأيه واجتهاده، ولكن دائمًا نظرت إلى طلب الدنيا ورغبة الحصول على الإعجاب والشهرة على أنها خطر على آخرتي، وكذلك إخواني. نحن لم نطلب قط إدارة عامة، ولا منصبَ محافظ، ولا وزارة… وإذا كان بيننا من طلبوا ذلك -إلا أني لا أتذكر شيئًا من هذا القبيل- فليسوا منّا، وإنْ وُجدوا سابقًا فلم يبق أحد منهم بيننا اليوم، وقد بيّنتُ رؤيتي هذه لرجال الدولة مرارًا. نحن حاولنا وبإخلاص تقديم الدعم اللازم لتطوير الديمقراطية، والحقوق والحريات الأساسية وما شاكل ذلك، علمًا بأننا ندعم كل حزب يسعى إلى إنهاء الممارسات غير الديمقراطية وإحلال ثقافة الديمقراطية التعددية. من هذا المنطلق نقول، إن التحزّب الأعمى شيء، ومؤازرة الإجراءات الديمقراطية شيء آخر. نحن نقف اليوم في المكان نفسه الذي وقفنا فيه بالأمس.
أما من بدّل مكانه فهو من يجب النظر إليه.. فهل يعقل أن نستمر في دعم حزب سياسي قام قبل بضع سنوات بخطوات إيجابية حول مسألة الحقوق والحريات الأساسية، ثم هو اليوم يمنع الإنترنت، ويصدر قوانين تكاد تجعل الدولة “دولة استخباراتية”، ثم يسعى جاهدا إلى طرح الممارسات الديمقراطية جانبًا، ويحاول إفساد التناغم والسلام المجتمعي بلغته الحادة والجارحة؟ لو كان التضرر -مثلا- يقف على حد حركة الخدمة لكان من الممكن استساغة ذلك بشكل أو آخر، ولكن الحالة التي توصّلنا إليها اليوم يجب أن تُقيَّم من منظور أوسع. تركيا مع الأسف، بدأت تنفصم عن العالم، وتنعزل. إن دولةً كتركيا إذا فقدت ثراءها الديمقراطي وانكفأت على ذاتها، لا تضرُّ شعبها فقط؛ بل تضرُّ كلَّ مَن اعتبرها نموذجًا حسنا له، وعلّق عليها آماله.
س: منذ زمن طويل داخل تركيا وخارجها، كانت المصادر الحكومية تنسب كل ما تراه إيجابيا وديمقراطيا إلى نفسها، وكل السلبيات تنسبها إلى حركة الخدمة… والآن مع إخلاء سجناء “أرجنكون“ يلجؤون بطريقة مماثلة إلى اتهام الخدمة أيضًا، أيْ إن الخدمة تدفع فاتورة أوزار لم ترتكبها. وشيئا فشيئا تكون لهذه الأكاذيب تأثير.. ما رأيكم؟
ج: لقد حاولوا استغفال شرائح كبيرة في المجتمع بهذه الافتراءات. مثلًا قالوا لبعض مجموعات وسائل الإعلام: “مشكلتنا ليست معكم، ولكن الجماعة تتحرّش بكم”، إلا أن التسجيلات التي نُشرت في الإنترنت مؤخرًا، كشفت عن أن حكام هذا البلد قد نحّوا مسؤولياتهم جانبًا وراحوا يبذلون قصارى جهودهم لإدانة هؤلاء الناس. حتى إنهم تدخلوا في عالم التجارة بطرق غير قانونية وسلبوا المناقصات من الذين ربحوها بحقٍّ وبطرق شرعية. والمؤسف هو سقوطهم في هذا الوبال المريع عبر إلقاء كل هذه الآثام على عاتق شريحة بريئة في المجتمع. طبعًا، لا نستطيع أن نمنع أنفسنا من الأسى والتألم حيال هذا الكمّ الهائل من الافتراءات، والغيبة.
والأشد أسفًا، ما يتعلق بالجيش. فالذين قالوا خلف الأبواب المغلقة: “أَرْكَعْنا الجيشَ، وجعلناه يؤدي التحية في حضرتنا، وقضينا على الوصاية العسكرية” ونحو ذلك من العبارات هم أيضا من قالوا للمسؤولين العسكريين: “نحن على استعداد لحلّ هذا الإشكال، ولكن الجماعة تقف عائقا أمام ذلك”. ومع أنهم قاموا بإصدار قانون في بضعة أيام من أجل رئيس جهاز المخابرات التركية[17]، فلو أرادوا، إن كانوا صادقين، لقاموا بإصدار قانون أيضًا بين ليلة وضحاها من أجل رئيس أركان الجيش ومن أجل الآخرين.
وهنا، أريد أن أفصح لكم عن مشاعري بهذا الخصوص. إخواني هنا شهود على ذلك، فكم من المرات آلمني فيها مشهد هؤلاء الجنود المتقاعدين وهم يُقتادون إلى السجون واغرورقت عيني بالدموع من ذلك المشهد، وقلتُ “كم كنت أتمنى أن لا يسقط هؤلاء الناس الذين ارتدوا هذه البزة العسكرية المشرّفة في هذه الحالة…”. ولكن ليس بإمكان أحد أن يتدخل في أحكام القضاء أو يقترح شيئًا حول هذا الخصوص. فالاتهام بتدبير انقلاب عسكري من الخطورة بمكان، والقانون يجب أن يتخذ إجراءاته حيال ذلك، ولكني كنتُ آمل أن يجدوا مخرجا قانونيا، يأخذ بعين الاعتبار، الحالة الصحية لهؤلاء الناس، وتَقدُّمهم في السن، وما قدّموه من خدمات لوطنهم طوال شغلهم لمناصبهم سنين عديدة.
هذه هي نظرتنا. وكانت دائمًا كذلك. أما العمل على نحو أن أهل الخدمة هم الذين أوقعوهم في مأزق، فمنافٍ للحقيقة تمامًا. قبل أيام تحدث ضابط متقاعد من استخبارات الشرطة إلى صحفي، وإخواني قرؤوا لي ما قاله من الإنترنت، كان يقول: “كل عملية قمنا بها كانت ضمن علم السيد رئيس الوزراء”. وأعتقد أن هذه البيانات التي تناولتها مقالة عمود في إحدى الجرائد، لم تُفنَّد من قِبل أي جهة رسمية. وهنا، ألا يحق لنا أن نسأل: ما دمتم تعلمون كل هذه العمليات، وإذا كانت هذه الإجراءات تتم ضمن علمكم، فلماذا تتحدثون اليوم عن “المؤامرة”[18] وتتركون الناس تحت الشبهات، أليس هذا من أكبر الآثام؟ إذا كان هناك مؤامرة، فلماذا لم تتدخّلوا حينها؟ إذا كنتم تعلمون ولم تتدخلوا، ألا تعدّون بذلك شركاء في المؤامرة؟
س: يتهمون حركة الخدمة بأنها عصابة إجرامية، بل هناك ادعاءات بأن المسؤولين يستعدون للقيام بتحقيقات ومداهمات ضد مؤسسات الخدمة؟
ج: مع الأسف، تقال أشياء كثيرة ضد الخدمة بغضب وعنف وكراهية. أعتقد، لم تبق إهانة في هذا الصدد إلا وقيلت، وفي الوقت نفسه، تم توجيه اتهامات جائرة وغير منصفة على شاكلة تنظيم، عصابة، ثم بعدها تُعطَى التوجيهات في محاولة للتأثير على القضاء. وقد صار هذا من الوضوح بحيث تم التصريح في الميادين الانتخابية بتحضيرات لفتح دعوى قضائية. حسنًا، إذا لم يكن هناك جريمة أصلًا، وإذا لم يثبت وجود جريمة رغم لجوئهم إلى كافة الوسائل للكشف عنها، فهل يمكن أن نتوقع عدالة في ظل حالة من التعسف الجائر لدفع سلطة القانون إلى اختلاق جريمة وأدلة لجريمة؟ إن الادعاء الوهمي الغامض بوجود “دولة موازية”، يمكن أن يوجَّه إلى كل شريحة أو طبقة في المجتمع. أعني، أن توجيه الاتهام إلى أفراد يعملون في أجهزة الدولة بسبب انتمائهم العقدي، أو الأيدولوجي، أو الطرائقي، أو الحزبي، عملٌ لا نهاية له. فإن أعلنتم اليوم جماعةً من الجماعات أنها “موازية” ووصمتموها بـ”العصابة”، فسيظهر في يوم آخر شخص آخر، ويدعي نفس الادعاءات على شرائح أخرى من المجتمع. نعم، يُحتمَل أن يُتَّهَم يومًا جميعُ الموظفين في الدولة بـ”الدولة الموازية”، بسبب تعاطفهم مع مجموعة اجتماعية، سياسية أو دينية. حتى هؤلاء الذين تلوك ألسنتُهم هذا الموضوعَ بكثرة اليوم، ربما غدًا سيتعرّضون إلى اتهامات مماثلة، لا ضمان لذلك. إذا تُرك الناس تحت الشبهة بمثل هذه الاتهامات، فعند ذلك لن يبقى نظام، ولن تبقى عدالة.
وأؤكد وأقول إذا لم يُصغِ الموظَّف في الدولة إلى كلام مديره، فإن جزاء ذلك معلوم في القانون، إذ يعاقَب ضمن نطاق القانون. ولكن إذا حُرِّف الموضوع عن مجراه القانوني، وتم تصنيف آلاف الناس ونَفْيُهم إلى هنا وهناك بناء على قوائم سوداء زائفة، ثم رُفعت قضايا ضدهم ظلمًا، فهذا أمر لا يغفره التاريخ ولا يغفره الله.
إن الضغط على القضاء، وفتح الدعاوى قسرًا، ظلم مضاعف لن يتركه الضمير المجتمعي بدون حساب. ثم إنه لَمن الواضح جدًّا، أنه لا يمكن الحصول على نتيجة قانونية من قضية ملفّقة. أضف إلى ذلك، إذا اتهمتم أبناء هذا الوطن -الذين جعلوا احترام القانون نمط حياتهم- بالعصابة، حينئذ تُسألون: منذ 12 سنة وأنتم تعملون مع هؤلاء الناس وتَصِفونهم بالطيبين.. طيلة هذه السنوات ظلوا يعملون تحت إمرتكم.. فماذا حصل حتى انقلبوا في نظركم فجأة بعد تحقيقات الفساد والرشوة إلى أناس مجرمين؟ يجب أن لا ننسى قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾(النَّحْل:90)، أيْ يأمر بأن لا يؤكَل حقُّ العباد، يأمر بأن لا يُعتدى على حقوق الناس.
“محاولات تشويه سمعة مدارس الخدمة في العالم آلمتني كثيرا”
س: في مؤتمر عقده رئيس الوزراء في أنقرة مع السفراء الأتراك خاطبهم قائلًا: “اذهبوا وبيّنوا حقيقة هذه العصابة للعالم”، وصدرت أوامر للقيام بتشويه صورة مدارس الخدمة المنتشرة خارج تركيا. فما تعليقكم؟
ج: كلما تردد إلى مسامعي شيء من محاولات تشويه صورة الخدمة في كافة أرجاء العالم، تفطّر قلبي ألمًا، وتوجّهتُ إلى الحق جل جلاله بالاستغاثة. مع الأسف، شهوة التخريب تجاوزت حدود الإنصاف. هذه المؤسسات أنشئت بتضحيات أهالي الأناضول الجسيمة وأهالي البلدان المختلفة من أصحاب الغيرة لأوطانهم. وقد شاهد معظم فئات الشعب التركي هذه المدارس؛ اليميني واليساري والقومي والمتدين واللاديني… معظم شرائح المجتمع… تابعوها بأم أعينهم، ولم أسمع يومًا مَن يقول مِن هؤلاء: “هذه المدارس مضرّة، ويجب إغلاقها”. إن محاربة هذه المدارس لا يمتّ إلى المنطق بشيء لا من حيث المعايير السياسية ولا الوطنية.
إن الذين أسسوا تلك المدارس، أسسوها دون رغبة في منفعة مادية أو معنوية. استصحبوا معهم إلى تلك البلاد حبَّ أهل الأناضول وسخاءهم.. استصحبوا تسامحهم.. استصحبوا قيمنا الإنسانية وأخلاقنا السامية. لذا فإن تجاهُل خدمات هؤلاء الناس الذين حملوا قيمنا، وإيماننا، ولغتنا، وثقافتنا إلى كل أرجاء العالم، ليس إلا جحودا للمعروف وإنكارا للجميل. إن الشمس لا تُحجَب بالغِربال. وإن شعبنا الحكيم يرى ويدرك كل مؤامرة مهما حاولوا إخفاءها. ولعل حالة الهذيان والتخبط الحاصلة الآن تعكس مدى فشلهم في القضاء على هذه الأعمال الطيبة، وعدم قدرتهم على إطفاء نورها. إنهم يتخبطون خَبط عشواء. وينبغي على الجميع أن يدرك هذا أيضًا.
أضف إلى أنكم إذا لم تسعوا إلى توفير تجاوب خارجي إيجابي لتركيا عبر مؤسسات إنسانية حضارية تطوّعية، فعندها يتعذر عليها بمفردها -داخل دنيا معولمة- أن تحقق نهضة بمعزل عن العالم دون علاقات تفاعلية إيجابية مع الدول الأخرى. وهذه الحاجة لا تنطبق على تركيا فحسب، بل تنطبق على كل دولة من دول العالم كذلك. من هذا المنطلق، لا بد أن تبحثوا عن مَسانِد لهذا البلد الطيب وتصلوا إلى الناس الذين يحبونه ويتعاطفون معه في كل أرجاء العالم، لأن السلام العالمي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تعارف الشعوب وفهم بعضها البعض.
إنه لَيحزنني أن أرى المساعي الملحَّة للقضاء على هذه الخدمات الطيبة، أو تشويه صورة هذه الخدمات أمام العالم. ولكن رغم كل شيء سنستمر في احترامنا للجميع، لأن هذا هو أدبنا وهذه هي أخلاقنا، هكذا كنا، وهكذا سنبقى. لن نؤذي أحدًا ابتغاء مكاسب دنيوية فانية ولن نجرح قلب أحد، بل سندعو الجميع إلى رحاب المحبة؛ سندعو، وسنبقى متمسكين في علاقتنا مع أمتنا بكلام الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي الذي يقول: “لقد سامحتُ وصفحتُ عن كل من كان سببًا فيما عانيت منه من أذى وإهانة وتعذيب. لم أذق طوال عمري البالغ نيفًا وثمانين سنة شيئًا من لذائذ الدنيا. قضيت حياتي في ميادين الحروب وزنزانات الأسر، أو سجون الوطن ومحاكم البلاد. لم يبق صنف من الآلام والمصاعب لم أتجرعه. عوملت معاملة المجرمين في المحاكم العسكرية العرفية، ونُفيتُ وشُرّدتُ في أرجاء البلاد كالمجرمين. وحُرمت من مخالطة الناس شهورًا في زنزانات البلاد.. تعرضتُ لإهانات متنوعة. مع ذلك أعلن أنني سامحت وصفحت عمن فعل بي ذلك”[19].
نعم، لقد عاهدتُ نفسي كمؤمنٍ، أن أحمل هذه المشاعر؛ لن أقاطع أحدًا، ولن أحمل ضغينة في قلبي لأحد.. عاهدت أن أستقبل الموت باسمًا، عاهدت نفسي أن أعتبر الجفاء الصادر من الجلال، والوفاء الوارد من الجمال شيئًا واحدًا.
ووصيتي لجميع إخواني الذين يبذلون الغالي والنفيس في المدارس المنتشرة في كل أنحاء العالم ألا يهِنوا، ولا يحزنوا، ولا يخالط اليأسُ قلوبهم. وإن هذه الخدمات الحيوية التي يقدمونها في سبيل هذه الأمة، في سبيل راهنها ومستقبلها، بل في سبيل كافة الإنسانية، سوف تواصل تقدّمها بإذن الله وعنايته، وسوف تستمر القافلة في مسيرتها إلى الأمام. ولا يمكن أن يوقف قافلةَ الأخيار -التي تسير بلطف الله وكرمه- لا الافتراءات ولا محاولات التشويه. وكل إنسان يحمل قلبًا صافيًا وضميرًا نقيًّا في أعماقه سوف يرى ببصيرته حقيقة تلك الافتراءات.
وكما أوضحت في مناسبة أخرى أقول، رغم جميع التصرفات المتزمّتة التي تسعى إلى تخريب دربنا الذي نسير فيه، فإن الأرواح المنفتحة على الحوار والتواصل، وأرباب القلوب الرحيمة المتبسمة، والضمائر المنصفة والمعترفة بذنوبها، والأنفس اللوامة النادمة على أخطائها، والعقول الراغبة في بناء المستقبل على أساس من المنطق والحكمة، ما دامت حية، فإننا سنلملم أجزاء روحنا المهتزّة ونصلحها من جديد ونجدد محبتنا للجميع مرة أخرى، ونبقى مخلصين لهذه المشاعر. هذا ما سنفعله نحن على الدوام.
أما فيما يتعلق بالطرف الآخر، فإني أرى خطورة كبيرة في الخطاب الذي يُستخدَم حيث يؤدي إلى التفريق بين شرائح المجتمع حسب انتماءاتها وزرع الكراهية فيما بينها. فهذا لعب بالنار.. فهل يعقل أن يحرّض الأب أفراد أسرته ضد بعضهم بسبب رؤاهم المختلفة؟ نحن أسرة كبيرة تمتد جذورها إلى مئات السنين، لا يليق بنا أن نتخذ من أفكارنا المتعددة وانتماءاتنا المتنوعة ذريعة لتفجير صراعات فيما بيننا. ينبغي على الجميع أن يحترم آراء الآخرين. لا يصح أبدًا احتكار حرية الرأي والتعبير في فئة بعينها لأنها تمتلك السلطة. فكما يحظى صوت الأغلبية بالاحترام والتقدير، فكذلك يجب أن تنال كل فئة شعبية -مهما كان عددها- نصيبها من الاحترام عينه. وإذا ضيّقتم الخناق على المجتمع، فهذا يعني أنكم تعملون على تفجير أحزمة الزلازل المجتمعية وتغتالون وحدة المجتمع، وهذا ثمن باهظ، يعزّ علينا انجرار البعض إليه مقابل مصالح سياسية آنية.
هذا مع الأسف ما وقع في أحداث “كيزي”، فقد كانت هناك مطالب ديمقراطية، وبدأت المسيرة بنوايا صافية، وبدافع من حساسيات تتعلق بالحفاظ على البيئة. كان بالإمكان احتواؤها بالتسامح والتفاهم، وعن طريق الالتقاء بهم والاستماع إلى آرائهم. ولكن حدث العكس، وتم قمعُهم بعنف. فهل هناك ما يسوّغ إهدار قطرة دم واحدة من أجل إنشاء مركز تسوق هناك؟ وهل يساوي ثمن مركز تسوق قيمة نفس بريئة تزهق؟ تلك المواجهات العنيفة ولّدت بطبيعة الحال حالة من العنف، وأدت إلى تحوّل القضية من مسألة جزئية إلى قضية أمن قومي. ولقد قلقنا كثيرًا في تلك الأيام، عندما شاهدنا شبكات الإجرام انتهزت تلك الفرصةَ ودفعت بعناصرها إلى الشارع لإحداث تخريبات كبيرة. أثناءها لاذ إخواننا في كل أرجاء العالم بالدعاء من أجل تركيا، وراحوا يصلّون صلاة الحاجة. ولكن -مع الأسف- وُجّهت افتراءات شتى بأن الخدمة لها أصابع في هذه الأحداث أيضا. نسأل الله أن يمنحهم شيئا من الروية والإنصاف.
س: في الأيام الأخيرة طَرحت بعض الأوساط عبارةَ “عقل مدبّر أعلى” من أجل تشويه حركة الخدمة، في إشارة منهم إلى التبعية الخارجية.
ج: هذا بهتان عظيم، ووبالُه على صاحبه كبير. أعتقد أن أحدا لم يشهد عبر مراحل التاريخ مثيلًا لمثل هذه الافتراءات والأكاذيب التي عجزنا عن إحصاء عددها. إن كانوا قد عثروا فعلًا على معلومات لا نعرفها، فعليهم أن يتقاسموها مع الرأي العام فورا، وإلا فهو محض افتراء على أهل الإيمان. لقد بلغ التشويه حدا أننا أصبحنا نسمع كل يوم كذبة جديدة وافتراءًا جديدًا… إن طول الأمل مَدعاة لقسوة القلب، وإذا وقعتم في شِباكه تفقدون الإحساسَ بكل شيء جديد وجميل. ثم تتجاهلون الوجدانيات، وتستخفّون بالمحرّمات، وتهزأون منها. وإذا القلب قَسَا، وعانق الدنيا بطول الأمل، يسوقكم إلى الاعتقاد أن كل شيء عبارة عن هذا العالم الفاني. وفجأة ودون تفكير أو روية، ودون خوف من الغرق في بحر من الخطايا والذنوب تجدون أنفسكم تقولون ما يخطر ببالكم مباشرة دون تمحيصه -صدقا كان أو كذبا-. ولكن القرآن يحذرنا من قسوة القلب، ويحثنا على أن تكون قلوبنا حية نابضة، وأن تكون نفوسنا رقيقة ناعمة. ومن ثم فإن القسوة إذا هيمنت على المرء، فلا مانع لديه -عندئذ- من أن يلجأ إلى كل الطرق -مشروعة كانت أو غير مشروعة- من أجل تحقيق غرض دنيوي. وللأسف، فإن قسوة القلوب، هي سبب هذه المأساة التي نعيشها.
ولكن إذا كانوا يلحّون على البحث عن “عقل مدبر أعلى” لهذه الخدمة المباركة، أقول لهم: أجل، إنه الرعاية الربانية والحماية الإلهية اللتان جاءتا منحةً من الله تعالى تكريما لروح الأخوّة وتتويجا لروح الاستشارة. إن هذه الخدمة التي لم تتّكل قط على قوة زائلة، قطعت المسافات بعناية الله ورعايته. وما دامت حمايته جل وعلا تظلل هذه الخدمة، فلن يتمكن أحد من إيقاع الضرر بها مهما حاول. والمؤمن رجل محاسبة ويقظة، لا يسرع إلى اغتياب إخوانه فور سماعه أكاذيب وافتراءات من هنا أو هناك، ولا يسيء الظن بهم، ولا يعمل على نقل الافتراءات التي سمعها من مجلس إلى مجلس آخر.
ولكن ما باليد من حيلة، فحساب الآخرة -مع الأسف- لا يوجد على أجندة أولئك الذين يمجّدون “الدنيا” ويلهثون وراءها أيا كانت الوسائل. وقد يجرهم هذا إلى انحراف عقائدي لا قدّر الله. في أيامنا هذه، سمعناهم يطلقون عبارات خطيرة تناقض صميم العقيدة، من شأنها أن تُوقع صاحبها في أوضاع عقدية حرجة. والمؤسف أنهم أفردوا لها مساحة واسعة في وسائل الإعلام. إنها أقاويل مخالفة للدين والعقيدة[20]، ولكن المؤسف هو سكوت من يجب عليهم أن يتكلموا من أهل الاختصاص.
والحقيقة أنه لا يمكننا تصفيةُ أرواحنا من رواسب الفتنة والفساد المحيط بنا إلا عن طريق تجديد أفكارنا وأرواحنا كل يوم. ولكن إذا انحصر فهمُنا للإسلام وتفاعُلنا معه على المستوى النظري فقط، فسوف يقسو القلب، وسوف يستمر الإنسان -ناسيا نفسه ويوم الحساب معه- في الإساءة إلى أهل الإيمان دائمًا. أنا على يقين بأن المياه التي تعكرت ستستعيد صفاءها يومًا، وسيعاود الأشقاء النظر في وجوه بعضهم البعض، لذا، يجب أن يتجنب أهل الإيمان -مهما كان السبب- من إطلاق كلمات جارحة تُخجِلهم في المستقبل أمام مَن كانوا يشاركونهم التوجه إلى القبلة نفسها أثناء الصلاة.
س: ما رأيكم حول “مسار حل المشكلة الكردية” والنقطة التي تم الوصول إليها؟
ج: لقد أكدتُ مرارًا وتكرارًا، أن المسلم يقف إلى جانب الصلح دائما، ويتصرف بما ينسجم مع روح الصلح والسلام. فيما يتعلق بسؤالكم فهناك -في تلك المنطقة- مشاكل قد تراكمت عبر عقود، وقد كان السعي لحلها يتم بالسلاح دائمًا. وبطبيعة الحال، كبُرت المشكلة وتفاقمت. أما الآن، فقد دخلنا في مرحلة صلحٍ وتهدئة، ويجب أن لا نعطل هذه المرحلة. لأنها فرصة كبيرة لكي يعيد الطرفان النظر في الأخطاء التي ارتُكبت، وينسوا العداوة والبغضاء فيما بينهم. يجب أن تكون الدولة عادلة تجاه شعبها قبل كل شيء، ويجب بالتالي أن لا تتخذ موضوع الحقوق والحريات الأساسية أداة مساومةٍ مقابلَ مآرب سياسية أخرى.
قبل أن تبدأ مفاوضات الحل هذه، كنت -أنا الفقير- قد بينتُ قناعتي وأكدت على ضرورة الاهتمام بالتعليم بلغة الأم (اللغة الكردية). ولكن لم تتم أية خطوة في هذا الاتجاه، وما زالت المماطلة مستمرة. وقبل ذلك، من الضروري تكوين معلِّمين قادرين على التعليم باللغة الكردية. وهذا الدور لا يمكن أن يقوم به الشعب، بل يجب على الدولة أن تأخذ بالمبادرة. وحينما تقوم الدولة بذلك، عليها أن تبتعد في أفعالها وتصرفاتها عن كل ما يوحي بالمنّة والتفضّل عليهم. لأن هذه المنطقة، كانت مهدًا لحضارات عريقة، وموطنا لعلماء وعباقرة طوال التاريخ. وبينما تقوم تركيا بذلك، أي بينما تعترف بالحقوق والحريات الأساسية لمواطنيها الأكراد، عليها أيضًا أن لا تتوانى عن مدّ يدِ التعاون إلى أشقائها الأكراد القاطنين في البلدان المجاورة، بل ويجب أن تعزّز الروابط التاريخية والثقافية معهم من جديد، وبشكل غير قابل للانقطاع.
نحن نعاني من ثلاث مشاكل كبرى، وقد أشار إليها الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي قبل قرن من الزمان، وهي: الجهل، والفقر، والتفرقة. وقد نتج عن هذه المشاكل؛ اليأس، والحيلة، والغدر، وعدم الثقة. وبالتالي يجب أن نتناول كل هذه المشاكل في منتدى مشترك وأرضية توافقية، ولا يمكن للمعالجات التكبّرية أو النظر من عَلٍ أن تحل هذه المشاكل أبدا. وإذا كانت هناك رغبة في إيجاد حل وسط، فلن يتأتى ذلك إلا عبر مقاربة توافقية تشمل برعايتها كافة أجزاء المنطقة وكافة أبنائها مهما كانت أفكارهم واتجاهاتهم وانتماءاتهم. يجب ألا نمارس الإقصاء على أحد. ينبغي أن نلتقي على أرضية توافقية مشتركة مع الجميع، السياسي منهم وغير السياسي. علينا أن نتيح الفرصة -لأبناء تلك المنطقة- لكي يتمكنوا من حلّ مشاكلهم بأنفسهم. وإذا ما وقع تباطؤ أو تهاون في هذه الأمور فأخشى أن تتوقف مسيرة الحل وتثور المشاكل من جديد. أجل، جيد أن نواسي أنفسنا بالقول “ألا يكفي؟ ها قد وقفت الدماء”. ولكن أليس في هذا القول شيء من البراغماتية كذلك؟ ينبغي أن نسعى إلى أبعد من ذلك. ينبغي أن نعمل على إدخال الطمأنينة والأمن والسعادة والاستقرار في نفوس أبناء المنطقة. ينبغي أن نسعى إلى توفير مناخ آمن يتيح إمكانية التعايش السلمي لجميع أبناء المنطقة بكرديّها وسنيّها وعلويّها وعربيّها وسريانيّها كأنهم أعضاء أسرة واحدة.
[button color=”blue” size=”big” link=”http://www.zamanarabic.com/%D9%88%D9%82%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D9%8A%D9%85-%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%85-%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82%D9%8A-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D8%B0-%D9%85%D8%AD%D9%85/” target=”blank” ]“وقت المخيم” فيلم وثائقي عن الأستاذ محمد فتح الله كولن[/button]
لا أُكره أحدا على أن يصوّت لحزب بعينه
س: بقيتْ أيام معدودات إلى الانتخابات[21]، وهناك نقاشات تدور وتساؤلات تطرح حول موضوع “إلى من ستصوّت الخدمة”؟
ج: الحديث حول هذا الموضوع -دائما- إلى حد الهوس، واختزال معنى الحياة في صندوق الاقتراع، حالة -في الحقيقة- لا أراها لائقة بأهل الإيمان. بالتأكيد صندوق الاقتراع مهم من أجل مستقبل البلد، ولكنه ليس كل شيء. إن إلقاء “صندوق العمل” جانبًا، والانشغال بصندوق الاقتراع فقط، مآله خروج البعض عن الجادة وانحرافهم عن الطريق، وهذا ما نشاهده اليوم في الأكاذيب والافتراءات التي تطلق وكأنها شيء عادي. هذه حالة مؤسفة للغاية.
أما موضوع التصويت في الانتخابات فمنذ القديم وهذا الفقير يقول: “صوِّتوا حسب قناعتكم الوجدانية”. ذلك لأني أعتبر قولَ “لا بد أن تصوِّتوا للحزب الفلاني” نوعا من ممارسة الإكراه والضغط النفسي، كما أعتبر الارتباط بحزب معين نوعا من الانفصال والابتعاد عن شرائح المجتمع الأخرى. أما موقفنا الواضح الصريح الذي أبديناه في استفتاء 12 سبتمبر 2010م، فلم يكن انحيازا لحزب بعينه، إنما كان دعما للمكتسبات الديمقراطية التي كان ينص عليها الاستفتاء. ولكن ما يحدث في هذه الأيام من تجاوزات وانتهاكات، يؤكد أن تلك المكتسبات ليست ذات قيمة أصلا بالنسبة للمسؤولين.
الواقع أن هناك رئيس حزب يمطر علينا إهانات صباح مساء، والمؤسف أن عقلاء ذلك الحزب غارقون في صمت عميق. وإذا ما استثنينا فئة من المتطرفين، فقد رأيت مرارًا مدى تأسّف قاعدة حزب العدالة والتنمية لهذه الحال. ولكن رغم ذلك، إذا وُجد مَن يستسيغ هذه الافتراءات الجارحة، فيمكنه أن يذهب ويصوّت لذلك الحزب؛ أعتقد أن تلك الإهانات التي تُدمي ضمير كل من يحمل ذرة من إنصاف، وتمزق قلبه، صدمت أيضًا إخواننا وتركت في أعماقهم جروحا غائرة. لا شك أن الجميع سينظر إلى حيه أو مدينته ثم يقيّم المرشَّحين لرئاسة البلدية. ثم إن هذه الانتخابات ليست انتخابات برلمانية، لذلك غالبا ما ينظر الناخبون إلى المرشح نفسه، وليس إلى الحزب، أي قد يكون المرشح أهم من الحزب نفسه، وهناك مرشّحون أكفاء في كل الأحزاب. وفي حال لم تحددوا حزبا بعينه، بل اتجهتم إلى اختيار مرشح توسمتم فيه خيرا، فإنكم لا تأثمون.
س: سبق أن وُجهت إليكم دعوة من رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء آنذاك لكي تعودوا إلى تركيا[22]، فهل كنتم تتوجسون من الدعوة؟
ج: حاولت أن أحسن الظن بمن طلب مني أن أعود. وقد طُلب ذلك مرارًا من قبلُ. يومها لم أكنْ غافلًا عن النوايا الحقيقية لهؤلاء الطالبين. ولكن لم أتخل يومًا عن أدب اللياقة وحسن الظن بأهل الإيمان. قبل كل شيء، أنا فرد من الناس، مؤمن من المؤمنين. لم أحلّق عاليًا قط، بل كنت أمشي -كأي إنسان عادي- على الأرض بتواضع. أمضيت جميع حياتي على هذا النحو. حاولت أن أكون عبدا لله. ولا أستبدل مقامَ العبودية بأي مقام آخر، وأرجو أن ألقى الله على هذه الحال. ليس لي أدنى علاقة مع أي جهة خارجية، ويستحيل أن يكون ذلك. ولكن الذين يلهثون وراء الجاه والسلطة والمقام والمناصب الدنيوية الفانية هم الواقعون في شباك القوى الخارجية أصلًا. هؤلاء الذين يحملون في دواخلهم روح الاستبداد وهوس الهيمنة على الدولة والتشبّث بالسلطة إلى حد الجنون، عندما قويت شوكتهم وازدادت سطوتهم، بدؤوا يرون في كلّ مجموعة -ليس لها حسابات سلطوية، بل تفر من تلك الحسابات إلى التفكير بكسب مرضاة الله والفوز بالآخرة- خطرًا على أنفسهم وعلى سلطانهم. وهم حاولوا أن يقنعوا الرأي العام بأن تلك المجموعات خطر على الدولة، ولكن غرضهم الأساسي أنهم يرونها تهديدًا لمخططاتهم الشخصية.
إنه حتى في أشد البلدان تخلّفًا عندما يُحكَم على الناس فإنما يحكم عليهم بناء على أقوالهم وأفعالهم. وجميع ما قلتُه وما فعلتُه طيلة خمسين عامًا قد تم على مرأى ومسمع من المجتمع والدولة. فلو كان لدى إنسان حسابات سرية، فهل يستطيع إخفاءها طيلة خمسين عامًا من دون أن تتسرب ولو عن طريق الإيماء والإشارة والتعبير الضمني؟
وفيما يتعلق بموضوع عودتي، فإنني سأقرر ذلك بعد التشاور مع إخواني الذين أثق بصدقهم وأمانتهم، وليس بناءً على أفكارِ مَن كان بالأمس شيئًا، وأصبح اليوم شيئًا آخر. وكما قلتُ سابقًا، إذا قررتُ العودة، فلن تكون عودتي مثل فلان أو علّان[23]، بل ستكون عودة تليق بابن رامز أفندي.. ابنه البسيط الذي كان يعمل إمامًا في مسجد “أُوجْ شَرَفَلِي”[24].
س: منذ فترة طويلة ونحن لم نسمع شيئا من دروسكم التي ألفناها عبر الإنترنت[25]. فمحبّوكم يرغبون في معرفة مشاعركم حيال تلك الافتراءات والمضايقات، فهل يمكنكم أن تقولوا لهم شيئًا؟
ج: علينا أن نلتزم بالصبر إزاء ما حلّ بنا من ابتلاءات، وعلينا أن لا نتخلى عن نزاهة أسلوبنا مهما حصل. كثيرون هم من تعرضوا لألوان شتى من المحن في فترات مختلفة من التاريخ. الإمام الرباني، أبو الحسن الشاذلي، مولانا خالد البغدادي وأمثالهم من الأفذاذ تعرضوا لمحن كبيرة، ومحنة الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي ملحمة من ملاحم التاريخ. لم يبق أذى إلا ذاقه ولا مرارة إلا عانى منها. مقارنة مع هؤلاء العظام، لا نستحق أصلًا إلا أن نكون “قطميرًا” لهم. وبما أنكم اتخذتم سبيلهم سبيلًا لكم، ومنهجهم منهجًا لكم، فعليكم أن تستعدوا لكافة ألوان المحن والابتلاءات. لا يحق لنا أن نشكو أو نتذمر.. بل علينا أن نهتف ليل نهار ونقول: «رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا».. علينا أن لا نشكو ولا نعاتب القدَر في قرارة نفوسنا لما ألمّ بنا، بل علينا أن نتحرى مرضاة الله في قيامنا وقعودنا على الدوام. والمصائب مؤقتة تمضي وتزول. ولكن حتى لو جاءت المحنُ وجرفتنا مثل تسونامي وأودت بحياتنا، فإذا كانت علاقتنا مع الله وثيقة، فسنكون قد فزنا بآخرتنا في نهاية المطاف. ولا شك أن عشّاق هذه الدعوة المباركة، ما لم يكونوا قد استهدفوا منها غرضًا دنيويًّا، فسينالون ملكًا أبديًّا في العالم الآخر. لذا يجب على الجميع أن يثبت مكانه، ويراعوا الأوضاع والظروف، وأن لا يُلحّوا على السير في درب بعينه؛ بل حتى إذا سُدّت الطرق الرئيسة، عليهم أن يعملوا من أجل الوصول إلى المرتجى عبر طرق أخرى. أما المرتجى فهو خدمة القيم الإنسانية السامية وغرسها في القلوب. هؤلاء الرواد لم يقعوا في اليأس قط، وعلينا أن لا نقع كذلك، علينا أن لا نفقد الأمل أبدا. يقول الشاعر محمد عاكف:
إن اليأس مستنقع، إذا وقعتَ فيه اختنقتَ،
وإذا اعتصمتَ بالعزيمة على الخروج منه انتصرتَ…
الأحياء مبعث حياتهم الأمل دائما،
أما اليائسون فهم سجناء الروح والوجدان.
نحن على يقين بأن هذه الأجواء الكئيبة سوف تزول وتمضي بإذن الله وعنايته، وهذا هو الأمل الذي نحمله في قلوبنا.
المحن التي اعترضتنا حتى الآن ذكرتموها أنتم كذلك. فقبل التحاقي بخدمة الجيش، عشتُ محنة 27 مايو 1960م[26] وعانيت من ويلاتها، وعشتُ محنة 12 مارس 1971م[27]، ولقيت فيها ما لقيت. وفي 12 سبتمبر 1980م[28] لاحقوني كما يلاحَق المجرمون لمدة 6 سنوات. ولكن المرحوم تُورْغُوت أوزال استلم زمام السلطة وقتها، وصمد صمودا قويا، فرفعوا عني أيديهم. ولكن استمرت المحنة بعد ذلك أيضًا. ذهبت إلى الحج، وأثناء العودة انسدت الطرق أمامي من جديد، وأيضًا نوديتُ للاستجواب في المحكمة الأمنية. وبعد قرارات 28 فبراير 1997م، قام النائب العام “نوح مته يوكسل (Nuh Mete Yüksel)” بفتح قضية ضدي استمرت سنوات. فالإساءة والأذى والدناءة التي لاقيتُها هناك في تركيا، لم أتعرّض لها حتى في نيو جيرسي؛ صدّقوني وجدتُ هنا احترامًا من قِبل النائب العام. إذ استقبلني في المدخل، ولكي لا تختل معنوياتي، سحب الكرسي لطفا لأقعد عليه، ثم ذهب فَغَسل كوبَه ثم ملأه بالماء ووضعه أمامي، وقال: “أنتم في حالة استجواب، وقد تجفّ شفتاكم”. هذه هي المعاملة التي لقيتها هنا في أمريكا. شخص لا يعرفنا ولا يعرف عنا شيئًا. ثم بعد ذلك فكّرنا أن نقدِّم له هدية إكراما للمعاملة الرقيقة التي أبداها لنا. والسيد كمال -وهو ما زال على قيد الحياة- عندما قدّم الهدية قال له النائب: “أنا لا أقبل هدية من شخص أشرفتُ على قضيته”. نعم، عندها قلتُ: لعل سبب قيام هذه الدولة رغم كل السلبيات، هو هذا السلوك إزاء القانون وهذه المقاربة حيال القضايا الحقوقية. ولعل هذه الميزة تساعدهم على البقاء كعامل مؤثر في الموازنات الدولية.
أريد أن أذكر شيئًا آخر؛ أثناء خدمة الجيش سُجنتُ كذلك بسبب المواعظ التي كنت ألقيها. كنتُ أقدم دروس الوعظ تحت حماية أحد الضباط وبإذنٍ منه، وكان هو الآخر يحضر الموعظة. ولكن عندما نُقِل تعيِينه إلى مكان آخر، عانقني باكيًا وقال: “سيعرّضونك للأذى من بعدي”. وفعلًا حدث كما قال، إذ قاموا بسجني هناك. ثم تعرّضتُ إلى مختلف المضايقات، والتهديدات، والإهانات، والتحريضات عليّ في أزمنة مختلفة. ولكن ما عشته في تلك الأيام، لا يساوي واحدا بالمائة مما أعانيه وما ألاقيه اليوم. تلك الكلمات المهينة، والعبارات السيئة، والتصريحات الطاعنة… ولكن كل إنسان يقول ويعمل على شاكلته ويتصرف بما يناسب شخصيته. وليس بوسعنا أن نقول شيئا لأحد، والسلام.
“تركيا تحتاج إلى دستور مدني يحمي الحقوق والحريات الأساسية”
س: في هذه الأيام تركيا تمر بظروف صعبة. وبسبب هذه الظروف الصعبة يقع البعض في حالة من اليأس. برأيكم، كيف تخرج تركيا من الأزمة الحالية؟
ج: في مثل هذه الفترات، يجب اللجوء إلى المولى سبحانه وتعالى، وطرْقُ بابه، والتضرعُ إليه. فمَن لا يخشى عاقبتَه، يُخشَى من عاقبته. إن الذين يحسبون أنفسهم قد ضمنوا آخرتهم واطمأنوا إلى عاقبتهم بينما يشككون في إيمان غيرهم، إن هؤلاء قد أوقعوا أنفسهم في خطر كبير. فسيدنا عمر رضي الله عنه كان يرتجف خوفًا على عاقبته، وعندما كان يوازن بين حسناته وسيئاته كان يقول «وددتُ أني سلِمتُ من الخلافة كَفافًا، لا عليّ ولا لي»”. نحن أيضًا، خصوصًا في آخر الزمان، ينبغي أن نرتجف قلقا عندما نفكر في عاقبتنا؛ يجب أن نستغيث بعنايته وبرحمته تعالى فنقول: “خُذ بيدي يا رب، وإلا فسوف أهلك”. أجل، إن الإيمان والتوكل ليسا ملاذا للفرد فقط، بل للمجتمعات كذلك. وإن الذين يبتعدون عن ذلك الملاذ، تَسحقهم أنانيتهم سحقا، لا سمح الله.
إن تركيا اليوم في أمس الحاجة إلى مناخ جديد يساعدها على اجتياز الأزمة التي تعاني منها. وإنه لمن الضروري جدًّا إعداد دستور مدني جديد يضمن الحقوق والحريات الأساسية للجميع. ومن أجل تحقيق هذا الغرض، يجب أن تزداد المطالبات المجتمعية، كما يجب على الشخصيات المسؤولة والمؤسسات المعنية أن تزيد من إلحاحها في إخراج دستور يتوافق مع مبادئ الحقوق العالمية. ولكن مع الأسف الشديد يبدو أن مبادئ الدولة الديمقراطية وسيادة القانون اليوم قد أصيبت بجروح بالغة. وإن العديد من المثقفين والمفكرين ذهبوا في تحليلاتهم إلى ما ذهبت إليه. وإذا ما ابتعدت تركيا عن جوهرها وقيمها الذاتية وعن مجتمعها، فإن ذلك سيؤدي بها إلى عزلة فادحة عن العالم.
إن دور الأفراد والمجتمعات اليوم، لا يقل أهمية عن دور الدولة نفسها. وإنه لمن المستحيل أن تنفذوا مشروعًا بالإكراه من أعلى بتلقين فوقيّ أو بضغط سلطوي. ففي بداية القرن العشرين كان الأستاذ بديع الزمان يقول: “إن الظهور على المدنيّين والمثقّفين إنما هو بالإقناع وليس بالضعط والإجبار”. ومن ثم فإن الضغوطات التي تمارَس على المجتمعات لا يمكن أن تثمر نتائج باقية. علينا أن نعالج المشاكل بصبر وتروٍّ ويقظة وتبصّر وفراسة.
أقول لإخواني إنكم إذا تعاملتم مع الأزمة الراهنة بالرزانة والجدية التي تليق بأدبكم، وصمدتم أمام العواصف صابرين متوكلين، فلا بد أن يحل اليوم الذي ينتصر فيه العقل السليم. وحينئذ سيأتيكم بعضهم نادمًا لأنه اقترف إثم الغيبة في حقكم، والبعض الآخر خجِلًا لأنه كان مع المتورطين في الافتراء عليكم، ولكنكم ستقولون لهم ﴿لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾، وستفتحون لهم قلوبكم على مصاريعها، ولن تتركوهم يشعرون بخجل الذنب الذي ارتكبوه. لقد حصل هذا في التاريخ مرارا. فإذا ولّى أحدُهم ظهره إليكم وابتعد عنكم، ففعلتم مثله وسرتم في اتجاه معاكس له، فستتضاعف المسافة بينكم؛ ثم قد يأتي يوم تشعرون بمسيس الحاجة إلى الوفاق والاتفاق فيما بينكم، وتدركون بأنكم أخطأتم، لكنّ بُعد الشقة بينكم سيحول دون رغبتكم، وتنظرون فإذا بالأوان قد فات. ينبغي أن يكون شغلنا الشاغل -في هذه الفترة- أن نواصل في خدماتنا، وأن نزيد من سرعتنا، وألا نفكر بشيء آخر ونكتفي بالقول: “ستمضي هذه المحنة كما مضت شقيقاتها”. نعم، هذه هي قناعة هذا الفقير.
س: يزعم البعض أن المنحى الذي اتخذته “الخدمة“ اليوم يناقض فكرة “العمل الإيجابي“ التي طرحها بديع الزمان سعيد النورسي؟
ج: الأستاذ بديع الزمان، عندما يؤكد على أهمية هذا المفهوم في مؤلفاته يرسم إطارا له حيث يذكر: “التصرف وفق مرضاة الله تعالى، والقيام بالخدمة الإيمانية ثم عدم التدخل في المشيئة الربانية، والحفاظ على الأمن العام، والاعتصام بالصبر والشكر”. العمل الإيجابي، ليس هو السكوت أمام الظلم. فبديع الزمان لم يسكت قط أمام الظلم بحجة أن السلطة هي من ارتكبت ذلك، ولم يسكت أمام انتهاك الحقوق لأن السلطة هي من فعلت ذلك، بل وردّ على الافتراءات فورا، ودافع في المحاكم عن نفسه وعن قضيته ساعات طويلة. وكتابه “الملاحق” غنيٌّ بأمثلةٍ على ذلك.
ماذا فعل متطوعو الخدمة -حتى الآن- سوى الدفاع عن أنفسهم إزاء الاعتداءات القولية الشرسة بأسلوب متحضر لبق، والإعراب عن حقيقة الافتراءات الموجهة إليهم بالدليل الصحيح؟ ماذا فعلوا؟ قالوا فقط: “دعوا السيادة للقانون، دعوا المحاكم تشتغل، لا تتدخلوا في سيادة القانون وعمل المحاكم”. ثم إن وسائل الإعلام القريبة من الخدمة، لم تفعل شيئا سوى نشر أخبار حول ادعاءات تداولتها -أصلا- المحاكم، وأصبحت حديث الساعة لدى الرأي العام، مثل ادعاءات الفساد وسوء استغلال بعض المسؤولين لأموال الشعب، وحاولت أن تزوّد الرأي العام بمعلومات حول تلك الادعاءات. فبدل أن يتمّ الردُّ على ادعاءات الفساد ويتمّ توضيحُها بالتفصيل، وجدنا أنهم منذ أشهر يُمطرون أناسا أبرياء بألوان شتى من الافتراءات الجائرة والإهانات البشعة دون تقديم أي دليل ملموس، وبأسلوب لا يمتّ إلى الإنصاف بأي صلة.
س: ظهر في الآونة الأخيرة بعض من يقول إنه رافقكم ما يزيد عن 40 سنة، وينسب إليكم بعض الأقاويل الغريبة من أمثال أنكم “المسيح“ أو “المهدي“ أو قلتم “تكلمتُ مع الله“ أو أنكم “إمام الكائنات“. هلّا تكرمتم علينا بأفكاركم حول هذه الادعاءات؟
ج: مسألة المهدي والمسيح شغلت المجتمعات الإسلامية منذ القديم بطريقة أو بأخرى. أما معالجة المسألة من الناحية العلمية وتقييمها فذلك موضوع آخر. ولقد وُجِد طوال التاريخ من أثبت المسألة ومن نفاها. ولكن أسيء استغلالها من قِبل أصحاب النوايا السيئة على الدوام. ثم إن بعض الأوساط لفّقوا مثل هذه الافتراءات بالأستاذ بديع الزمان كذلك، واستغلوا التأويلات التي جاء بها في موضوع المهدي والمسيح أيما استغلال، وادعوا -بهتانا وزورا- أنه كان يظن نفسه المهدي أو المسيح.
لقد درس عندي العشرات من الطلبة حتى الآن؛ وجميعهم يشهدون -على اعتبارهم يعرفونني عن كثب- أنني أعُدّ القيامَ بمثل هذه الادعاءات كفرا وضلالا. إنهم سمعوني عشرات المرات أقول “تعرفون أمي وتعرفون أبي، ألا يكفينا أن نكون عبادا لله مخلصين، كن بين الناس فردا من الناس”. أضف إلى ذلك أنني ما رأيت عاقلًا -في البيئة التي نشأتُ فيها ولا في أماكن أخرى- توهّمَ في نفسه رتبة أو مقاما من هذا القبيل. لا يقول مثل هذا الكلام إلا من حُرِم نعمة العقل. ثم إني اعتبرتُ دائمًا هذا النوع من الاتهامات من أشنع الشتائم وأغلظ السِّباب. كما أن الذين يديرون ألسنتَهم بهذه الافتراءات لا يعون أنهم يسخرون من عقول هذه الأمة. هنا أعود لأقول كما قال مولانا جلال الدين الرومي:
لا المهدوية، ولا المسيحية، ولا أي شارة أخرى،
إنما أنا عبد بسيط من عباد الله.
أنا خادم القرآن ما حييتُ، وغبارُ قَدَم النبي صلى الله عليه وسلم،
وإذا نقل أحدُهم عني غير ذلك،
فإني أبرأ منه وأشكوه إلى الله”.
أما الفرية الأخرى، فإني أستغرب، كيف يقولون هذه الافتراءات بهذه السهولة؟ ومن يدّعي ذلك يعرف حق المعرفة حساسيتي تجاه هذا الأمر. والقرآن يقول بوضوح: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾(الشُّورَى:51). إن أبسط معلومة إيمانية يمتلكها الإنسان تعلّمه الأدبَ مع الله جل جلاله. نحن نشأنا في بيئة كانت قلوب الرجال فيها ترتجف بمجرد سماع اسم “الله”، وتنحني بانكسار وتذوب بإكبار للذات العلية. نعم، الفقير نشأ في بيئة ثقافية من هذا الطراز، لذا لا يمكن أن تجدوا لا في هذه البيئة ولا في غيرها مَن يدّعي مثل هذه الادعاءات البشعة أبدًا.
أما فرية “إمام الكائنات” فلا تستحق الوقوف عندها أصلًا. فأيّ إنصاف وأيّ وجدان يمكن أن يقبل مثل هذا البهتان. إنهم يدّعون هيكلا هرميا للخدمة زائفا وهميا، لم يخطر ببالي قط، ولم أر له مثيلًا طيلة حياتي التي قضيتها في سبيل الله والتي تناهز السبعين سنة. أيّ تلوّث هذا الذي أصاب تلك العقول، وأيّ عَفَن أصاب تلك الأرواح!؟ إنهم يضعون مخططات وهمية وكأنهم يهزؤون بعقول الآلاف بل ربما الملايين من الناس الذين ربطوا قلوبهم بهذه الخدمة المباركة.
فهؤلاء الذين يتحدثون عن بنية هرمية وينسبون المناصب والمقامات لرجالات هذا العمل الطيب، إما أنهم لم يفهموا هؤلاء الأبطال قط، أو ينفثون افتراءاتهم بناء على أحقاد دفينة أو نوايا مغرضة لديهم. يقول الأستاذ النورسي: “إن أساس مسلكنا ومنهجنا هو “الأخوّة” في الله، وأن العلاقات التي تربطنا هي الأخوة الحقيقية، وليست علاقة الأب مع الابن ولا علاقة الشيخ مع المريد”[29].
نعم، إن الذين يعرفونني، يعرفون جيدًا أنني أَعتبر الطالبَ الذي أدرِّسه زميلَ مُدارسة لي دائمًا، ولم أر نفسي أستاذًا عليه قط.
س: يدّعون أنكم تستهينون بحجاب المرأة وتعتبرونه من الفروع. ما تعليقكم؟
ج: الحقائق المتعلقة بالعقيدة وأفعال المكلفين في الإسلام تُصنَّف في قسمين اثنين؛ الأصول والفروع. الالتزامات المتعلقة بالعقيدة تُصنّف تحت قسم الأصول، أما المتعلقة بالأعمال والأفعال والمعاملات فتصنَّف تحت قسم الفروع. الأحكام المتعلقة بالعمل، بالمقارنة على الأسس المتعلقة بالعقيدة، تأتي بالدرجة الثانية وتُبنى دائمًا على الأصول. ولأن الحجاب موضوع عملي، فإنه من الفروع. ويجب أن لا ننسى أن الرؤية العامة لدى علماء الإسلام أن الحجاب من الفروع. بعض الصحفيين -بسبب قلة العلم- قد لا يراعون هذه التفاصيل الدقيقة في لغة الأخبار والصحافة، ولكن علماء الدين والدراسات الإسلامية بالتأكيد يعرفون هذه المسائل جيدًا، لأن الذي لا يعرف مفاهيم الفروع والأصول لا يُمنَح الإجازة الشرعية. ثم إن هذه المعلومة ليست من المعلومات المعقدة، بل هي معلومة تدرَّس في التعليم الابتدائي. وأعتقد أن الذين أداروا حملة إعلامية ضد هذا الفقير منذ البداية حتى اليوم واستغلوا وصفي للحجاب بـ”الفروع” استغلالا مغرضا، لا يعرفون معنى الفروع والأصول في العلوم الإسلامية. لذلك أداروا حملة تشويهية مقصودة. ثم إني استخدمت بالتركية مصطلح “فروعات”، ولكنهم -لضعف في العلم- نقلوها إلى جرائدهم بـ”تفرّعات”. كلمة “فروعات” و”تفرعات” وإن كانت من نفس الجذر إلا أن كلمة “تفرّعات” في اللغة التركية تعني “التافه” الذي لا أهمية له. فلا أدري هل سبب معاناتنا يعود إلى اللغة التركية نفسها، أم إلى من يخلطون بين المفاهيم والمصطلحات أم يعود إلى نوايا مغرضة يحملها الصديق ليضلل بها الرأي العام ويشوّه سمعتنا، لا أدري.
ولا بد أن ألفت الانتباه إلى أن كون الحجاب من “الفروعات” لا يعني أنه ليس فرضا. إن الحجاب فرض. وهناك أحكام عملية كثيرة هي من الفروع وهي فرض وواجب شرعي. ولو كنتُ -كما يدّعون- رجلًا لا يبالي بمشكلة الحجاب ويستخف به -حاشا لله- لَما كتبتُ رسالة إلى السيد رئيس الوزراء في عام 2006م أكدت فيها ضرورة حلّ هذه المسألة في أقرب وقت ممكن. ومَن يحبّ الاطلاع على تلك الرسالة فهي موجودة، وقد نشرتها الصحف قريبا[30].
س: هناك من يقول إن “الخدمة” خرقت الطاعة لولي الأمر، فما تعليقكم؟
ج: الطاعة لأولي الأمر، لا تعني السكوت حيال أخطاء الإداريين والتخلي عن الحق والحقيقة. ثم إن مهمة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” لا تمارَس على المواطن العادي الذي يمشي في الشارع فقط، بل تشمل الجميع. إن مجال سياسة الشأن العام مجال اجتهادي، وليس من أصول الدين الثابتة التي لا تقبل الاجتهاد، وإن الاختلاف في مجال اجتهادي أمر طبيعي للغاية. وليس بالضرورة لجماعات خدمية أو لأبناء جماعة واحدة أن يفكروا بنفس النمط من التفكير في موضوع واحد، ويتحركوا بنفس النمط من التحرك في قضية واحدة. أما إذا كنتم تعيشون في نظام ديمقراطي، فلكم الحق في أن تعبروا عن وجهة نظركم بكل حرية، وإلا فإنه نظام لا يتوفر فيه الحد الأدنى من شروط الديمقراطية. وإن ممارسة ضغوطات سلطوية استنادًا إلى مفاهيم دينية، قد يؤدي إلى نتائج سياسية وقانونية لا تُحمَد عقباها. في واقع تركيا، هناك نمط سياسي يزداد سلطوية يومًا بعد يوم، أضف إلى أنه يمارس ضغوطات على الناس ويغلّف هذه الممارسات بأغلفة “دينية”.
للأسف الشديد كانت القضية في منتهى البساطة، حيث طُرحت للنقاش بعضُ التصرفات السلبية التي بدت في جانب السلطة التنفيذية، وكان بالإمكان مناقشتها وتلافيها، ولكن ضُخّمت المسائل، وفُسّرت خطأ، وحُمّلت من المعاني ما لا تحتمل، وتم إعلان حرب عقدية ضد أناس معينين وأعلن نفير عام ضدهم، حتى إنهم أوصلوا الموضوع إلى حملة إبادة جماعية وحملة تكفيرٍ منظَّمة ضدهم.
هؤلاء الذين يهتفون في وجوهنا أن “لا تثيروا فتنة”، أليس من واجبهم أن يُسدُوا النصيحة نفسها إلى القائمين على أمر الحكومة والذين اعتادوا إمطار الأبرياء بالشتم والإهانة في الساحات العامة؟ إن أناسًا لا يجرؤون على إسداء أدنى نصيحة، بل لا يجرؤون حتى على أن يومئوا إيماءة نصح لرجال الحكومة، ناهيك عن توجيه انتقاد، لا تعني أقوالهم سوى ضربات مدمرة لأناس محترمين أصبح -للأسف- تحقيرهم وإهانتهم أرخص بضاعة وأسهل عمل.
[1] تولى السيد رجب طيب أردوغان رئاسة الوزراء التركية في الفترة من 2003-2014م. ثم ارتقى إلى كرسي الرئاسة في الثامن والعشرين من أغسطس عام 2014م.
[2] المادة 163: مادة قانون العقوبات التركية أصدرت في 1949م. وهذه المادة المخالفة للديمقراطية تسببت في رفع الكثير جدا من الدعاوى لا سيما ضد المتديّنين الملتزمين، وقد أُلغيت في 12 أبريل 1991م من قبل المرحوم “تورغوت أوزال” رئيس الجمهورية التركية الأسبق.
[3] تورغوت أوزال: 13 تشرين الأول/أكتوبر 1927م – 17 نيسان/أبريل 1993م، كان رئيسا للوزراء في الحكومة التركية الخامسة والأربعين والسادسة والأربعين، واختاره مجلس الشعب الوطني التركي في 31 تشرين الأول/أكتوبر 1989م الرئيس الثامن للجمهورية التركية، حيث تولى رئاستها من 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1989م حتى تاريخ وفاته.
[4] نجم الدين أربكان: 29 تشرين الأول/أكتوبر 1926م – 27 شباط/فبراير 2011م تولى رئاسة “حزب النظام القومي (MNP)” و”حزب السلامة القومي (MSP)” و”حزب الرفاه (RP)” وتولى أيضا منصب نائب رئيس الوزراء بتكوينه حكومة ائتلافية مع “بولنت أجويت (Bülent Ecevit)”، وأسس في عام 1983م حزب الرفاه، نجح في حصد أغلبية الأصوات في انتخابات عام 1996م ليترأس حكومة ائتلافية 1996-1997م مع “حزب الطريق القويم (DYP)” برئاسة “تانصو جِللر (Tansu Çiller)”.
[5] فضيحة أو حادثة “صُوصُورْلُق” (Susurluk)”: فضيحة تفجرت بسبب انكشاف وجود علاقات غير قانونية بين الشرطة وعصابات المافيا والعشائر، وظهر ذلك نتيجة حادثة مرورية وقعت في 3 نوفمبر 1996م في قضاء “صوصورلق” التابع لـ”باليكسير (Balıkesir)”. وهي من أهمّ الفضائح في تاريخ الجمهورية التركية. وفي أعقاب هذه الحادثة طالب الرأي العام بالكشف عن العلاقات غير المشروعة الدائرة في مثلث “الدولة والسياسة والمافيا”.
[6] تانصو تشيلّر: من ومواليد 23 أكتوبر 1946م، إسطنبول: سياسية واقتصادية تركية. وهي أول امرأة تركية تتولى رئاسة وزراء تركيا، وأول وزيرة خارجية في تاريخها أيضا. وبعد أن انتخب “سليمان دميرل (Süleyman Demirel)” الرئيس التاسع للجمهورية التركي رُشّحت “تانصو جيللر” لرئاسة حزب الطريق القويم (DYP)، وانتخبت في 13 يونيو 1993م رئيسا عاما للحزب؛ فصارت بذلك أول امرأة تتولى رئاسة وزراء تركيا. وقد ترأست الحكومات التركية أرقام 50 و51 و52 في الفترة من 25 يونيو 1993م إلى 6 مارس 1996م. بالإضافة إلى أنها عملت في منصب وزيرة للخارجية ونائبة لرئيس الوزراء في الحكومة رقم 54 الائتلافية التي شكلها حزبا الرفاه (RP) والطريق القويم (DYP).
[7] ادعت الحكومة أن حركة الخدمة تحاول السيطرة على نادي فنرباخجه، ولكن كشفت التسريبات التي ظهرت مؤخرا بين أردوغان ونجله بلال أن أردوغان هو من كان يدبر للسيطرة على هذا النادي.
[8] “أرجنكون (Ergenekon)” وهي منظمة سرية تتهم بقيامها بعمليات إرهابية وباغتيالات وتفجيرات وزرع عبوات ناسفة في المدن التركية ومحاولة تنظيم انقلاب على الحكومة وتتعاون مع منظمات ودول خارجية لزعزعة النظام في تركيا، تطلق عليها الدولة العميقة. بدأ أول تحقيق مع أعضاء المنظمة والذين كانوا متورطين في حوزتهم على 27 قنبلة يدوية في أحد المناطق العشوائية في إسطنبول 12 حزيران/يونيو 2007م.
[9] أرسلت نيابة إسطنبول ذات الصلاحيات الخاصة كتابا رسميّا في 7 فبراير 2013م إلى النيابة العامة بـ”أنقرة” من أجل استجواب “خاقان فيدان (Hakan Fidan)” مستشار جهاز الاستخبارات القومية التركية (MİT) في تحقيقات قضية اتحاد الجماعات الكردية (KCK) إحدى منظمات حزب العمال الكردستاني (PKK) الإرهابي. وعليه تحركت الحكومة بسرعة البرق فأعدت قانونا خاصّا لصالح “خاقان فيدان” وقدمته للبرلمان
http://www.milliyet.com.tr/jet-hiziylaimzalandi/siyaset/siyasetdetay/18.02.2012/1504545/default.html.
يقضي هذا القانون المقترح بأن يخضع التحقيق مع مستشار جهاز الاستخبارات للحصول على إذن رئيس الوزراء مباشرة. وقد صدق البرلمان التركي على القانون في 17 فبراير 2012م، ورفع إلى رئيس الجمهورية وقتها السيد عبد الله كول (Abdullah Gül)ProspectErgenekonKCKan FidanmirelJournal للتصديق عليه، فصدّق عليه في اليوم الذي رفع إليه.
[10] ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾(آلِ عِمْرَان:161).
[11] في الفترة التي وقعت فيها هذه الأحداث كتب أحد الاكاديميين المعروف بتبنيه لأفكار الحكومة مقالة لدعم الحكومة واستدل ببعض القواعد الكلية التي أوردتها مجلة الأحكام العدلية.
[12]صحيح البخاري، المظالم والغضب، 4.
[13]نشر الموقع الإلكتروني (www.herkul.org) بتاريخ 20/12/2013 حديثًا للأستاذ محمد فتح الله كولن تطرق فيه إلى بعض المسائل، وختمه بالمباهلة.
ذكر الأستاذ فتح الله كُولَنْ في حديثه أنّ مِن مظاهر الشفقة بالمؤمنين العمل على الحدّ من سيئاتهم وأخطائهم -كتأديب الأب ولده على خطأٍ ارتكبه- أما ما يجب على المؤمن في تعامله مع الآخرين فهو أن يكون قرآنيّا في تعامله معهم أيا كانت تصرفاتهم، وأن يسير على نهج السنة الصحيحة، وألا يزيغ عن هدي الخلفاء الراشدين.
وأكد فضيلته على أن استغلال وسائل الإعلام في الافترائات على جماعةٍ بأكملها جرمٌ عظيم، غير أن ما يجب علينا هو التحلي بـ”الصبر الجميل” إزاء ما يقوم به البعض من محاولاتٍ للقضاء على الذين نذروا أنفسهم للخدمة في سبيل الله وأن ندعو الله قائلين: ﴿رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾(الْمُمْتَحَنَة:4)، فلا نتعامل بالمثل مع تصرفاتهم غير اللائقة واللاأخلاقية.
وأضاف الأستاذ كولن أن الاشتغال بعيوب الآخرين أمرٌ لا يليق بالمؤمن، كما أن التفتيش عن تقصيرات الأفراد شيء لا تُقرّه المبادئ الأساسية للقرآن الكريم والأسس المستنبَطة من السنة الصحيحة ونظام الفقه الإسلامي. غير أن الذنوب الناجمة عن الاعتداء على حقوق الآخرين؛ يعني حق الناس -وبالتالي حق الله سبحانه وتعالى- لا يغتفره الفقه الإسلامي ولا النظم القانونية الحديثة.
ونبه الأستاذ فتح الله كُولَن على ضرورة عدم الخلط بين الأمرين، وتابع قائلا:
“أما أساس الحكم في “قضية الفساد” فهو أنه ليس بالإمكان غض النظر عن قضية التعدي على حقوق الناس وإن كان قيد شعرة. ومَن يغض بصره عمّا يجري مع علمه به، يعني أنه شريك لهؤلاء في هذه السرقات والتعديات”.
وفيما يلي ما قاله الأستاذ فتح الله كُولَن وصورتْه وسائل الإعلام للناس على “أن الأستاذ يدعو بالويل والثبور على خصومه”:
“إنني هنا أريد أن أقول شيئا لم أتلفظ به من قبل قط، وما أردتُ أن أقوله لأن شعارنا العامّ كما يقول الدكتور محمد إقبال والأستاذ بديع الزمان سعيد النُّورْسي هو عدم التأمين على الملاعنة والدعاء على الآخرين.
فلو أنّ مَن ينسبونهم إلينا -ولا أعرف واحدا في الألف منهم- قاموا بالكشف عن قضايا الفساد بما خولتْه لهم صلاحياتهم، ثم ادّعوا أنّ الحملات التي يقومون بها تجري في إطار القانون والنظام والدين والديمقراطية، فإنني أقول -معتبرا أننا منهم لأنهم ينسبونهم إلينا- أن هؤلاء لو قاموا بالفعل بأعمال تتنافى مع روح الدين ومع المبادئ الأساسية للقرآن الكريم والسنة الصحيحة والفقه الإسلامي والقانون الحديث ومفاهيم الديمقراطية الحديثة فإنني أدعو الله تعالى أن يخسف بهم وبنا الأرضَ وأن يحرق بيوتنا ويهدمها على رؤوسنا حتى نتطهر من ذنوبنا ولا يبقى للقاذورات التي علقت بنا أثرٌ في الآخرة.
ولكن إن كان الأمر غير ذلك وحاول الآخرون تشويه سمعة هؤلاء الموظفين بأن غضّوا النظر عن اللص وأدانوا الذي أمسكه، وتجاهلوا الجرم ونسبوه إلى الأبرياء فإنني أدعو الله قائلا:
“اللهم حرّق بيوتهم واهدمها على رؤوسهم، اللهم فرق جمعهم، واحبس مشاعرهم الخبيثة في صدورهم، وحُل بينهم وبين ما يكيدون.
اللهم اهزمهم وزلزلهم وشتت شملهم وفرق جمعهم ومزقهم كل ممزق واجعل بأسهم بينهم وانصرنا عليهم يا أرحم الراحمين بحق ذاتك وبحق صفاتك وبحق أسمائك الحسنى وبحق وبحرمة اسمك الأعظم وبحق وبحرمة سيدنا محمد المصطفى وبحق وحرمة مَن له شفاعة وحرمة عندك يا أرحم الراحمين يا ذا الجلال والإكرام”
لم أتلفظ بهذا من قبل، ولكني أُرغمت على قوله. لقد كشّر هؤلاء أنيابهم وأسالوا لعابهم وأثاروا الناس ضدنا وشحنوا مواقع التواصل الاجتماعي بهذه الأفكار اللعينة حتى أجبروني على قول شيء لم أرغب في قوله من قبل.
“إن الله تعالى يحيط علمه بكل شيء، وأمثالي في هذه الدنيا لا يملكون شيئا من حطام الدنيا. منذ ستين سنة ويعرض عليّ الكثير من أعمال الدنيا، لكني كنت أدعو الله قائلا: “اللهم لا تخلّص أشقائي وأقربائي من العمل في المصانع وعند الآخرين، اللهم لا تُخزني بهم”. فعملوا عمالا وتقاعدوا وهم عمّالٌ أيضا، لا يمتلكون شيئا، فمعظمهم يقيم حتى الآن في بيتٍ بالإيجار. هذا ما ارتأيتُه لنفسي وإخوتي وأقربائي. ولقد ظل هذا ديدني طوال السنوات الثلاث التي أقمتها في شرفة المسجد أو الست سنوات التي بِتّها بلا فراشٍ في الكوخ الخشبي (الذي بجانب الكتّاب الذي كان مديرا فيه)؛ وذلك حتى لا أركن إلى أي شيء من متاع الدنيا وزخارفها. يشهد الله على ذلك. غير أن هؤلاء ارتكبوا العديد من السرقات واستولوا على أموال الشعب، فهؤلاء وإن بدوا مسلمين إلا أنه ينبغي ألا ننسى أن أعمالهم ستُفتضح في الآخرة. لقد حطم هؤلاء مع الأسف قلب الكثير من المؤمنين، وكما يقول الشاعر التركي يونس أمره:
القلب عرش الرب،
وهو مطّلع عليه،
فمَن حطّمه
مُني بالتعاسة في الدارين
وأنا لا أستثني نفسي وإخواني من هذا أيضا، وعلى الباغي تدور الدوائر”.
[14] تحدث “رجب طيب أردوغان” فيما نظّمه “حزب العدالة والتنمية” من لقاءات في مدن تركية مختلفة قبل الانتخابات المحلية في 30 مارس 2013م وانتخابات رئاسة الجمهورية في 10 أغسطس 2014م، وأوصى بمقاطعة المدارس والمراكز التعليمية الخاصة بـ”الخدمة” قائلا: “لا تذهبوا إلى مراكزهم التعليمية، ولا إلى مدارسهم، اسحبوا أولادكم من هناك، وقولوا: تكفينا المدارس الحكومية! ونحن سوف نقدم دروس التقوية في المدارس الحكومية”.
[15] أحداث “منتزه كيزي (Gezi)”: بدأت احتجاجات “منتزه كيزي في ميدان تقسيم” في تركيا في 28 مايو 2013م. في البداية، قاد ناشطون بيئيون الاحتجاجات ضد إزالة أشجار في ميدان تقسيم وإعادة إنشاء ثكنة عسكرية عثمانية (هدمت في 1940م) تحدثت تقارير عن أنه من المقرر أن تضم مركزًا تجاريًا. تطورت الاحتجاجات إلى أعمال شغب بعد أن هاجمت قوات الشرطة المحتجين ونتج عن ذلك أن أعمال الشغب والمظاهرات أصبحت ضد الحكومة وخصوصا بعد إعلان تصريحات أردوغان بإصراره على إقامة هذه المنشآت في هذا الميدان وعلى إثر ذلك عمّت تلك المظاهرات والاحتجاجات جميع محافظات التركيا وخاصة أنقرة وإزمير. كما صرح وزير الداخلية التركية في 23 حزيران/يونيو 2013م أن تلك المظاهرات والاحتجاجات شارك فيها قرابة 2.5 مليون على حد زعمه، ونتج عن تلك الاحتجاجات قتل عشرة مواطنين مدنيين وإصابة 8000 مدني.
[16] “بيت الجمع” اسم يطلق في تركيا على المكان الذي يمارس فيه العلويون طقوس الذكر، وأما المشروع المذكور هو مشروع إنشاء مسجد وبيت جمع جنبا إلى جنب. ويهدف الأستاذ فتح الله كولن من وراء هذا المشروع إلى إزالة التوتر العلوي السنّي في تركيا، وإزالة الاختلاف بينهما بكسر مظاهر الخشونة والحدة بين العلويين والسُّنّة، وأن يتعرف الجانبان على بعضهما عن قرب أكثر وبشكل صحيح.
[17] انظر هامش رقم 16.
[18] زعم “يالتشين آق دوغان (Yalçın Akdoğan)” المستشار السياسي لرئيس الوزراء التركي بأن الجماعة تآمرت على قادة الجيش المحبوسين على ذمة قضية “أرجنكون”.
[19]سعيد النورسي: سيرة ذاتية، دار النيل للنشر، 2011م، ص 491-492.
[20] وفي الثامن والعشرين من شهر يوليو عام 2011م قال “حسين شاهين” نائب حزب العدالة والتنمية أمام جماعة من حزبه: “إن بعض أصدقائنا قابل السيد رئيس الوزراء وصافحه، وإنني أرى أن مجرد لمس سيادة السيد رئيس الوزراء تعتبر عبادة بالنسبة لي”. وعلى نفس الشاكلة ذكر “فوائي أرسلان” نائب حزب العدالة والتنمية في مدينة “دوزجه” في الخامس عشر من يناير عام 2014م “أن السيد رئيس الوزراء زعيمٌ اجتمعت فيه -حاشا لله- كل صفات الله”.
[21] انتخابات 30 مارس 2013م المحلية.
[22] وجه أردوغان هذه الدعوة في الحفل المقام بمناسبة افتتاح الدورة العاشرة لأولمبياد اللغة التركية في الرابع عشر من يونيه عام 2012م.
[23] لقد روّج السيد أردوغان وبعض المنحازين المتطرفين أن الأستاذ عندما يفكر بالعودة فسيعود مثل عودة “الخميني” إلى إيران أيام الثورة الإيرانية.
[24] هذا المسجد في مدينة “أدرنه”، حيث تولى الأستاذ وظيفة الإمامة لأول مرة أيام شبابه.
[25] تُبثُّ أحاديث ومواعظ الأستاذ فتح الله كولن في موقع (www.herkul.org)، إلا أنها لم تنشر منذ الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر 2013م وحتى 04 أغسطس 2014م.
[26] حيث وقع أول انقلاب عسكري في تركيا في 27 مايو 1960م.
[27] حيث وقع الانقلاب العسكري الثاني في الجمهورية التركية الحديثة في 12 مارس 1971م.
[28] وقع الانقلاب العسكري الثالث في 12 سبتمبر 1980م الذي تزعمه الجنرال “كنعان أَوْرَنْ (Kenan Evren)” مع مجموعة من الضباط الذين تبنوا فكرة حماية المبادئ الأساسية للجمهورية التركية. جدير بالذكر أن من قاموا بهذا الانقلاب قد حوكموا لأول مرة في محكمة مدنية في 18 يونيه 2014م، حيث قضت المحكمة الجنائية العاشرة بـ”أنقرة” التي تنظر القضية بالحبس المؤبد على الرئيس السابع “كنعان أورن” قائد الانقلاب و”تحسين شاهين قايا” قائد القوات الجوية في عهده.
[29] انظر: بديع الزمان سعيد النُّورْسِي: اللمعات، ص 224.
[30]كتب السيد “عثمان شيمشك (Şimşek)” محرر الموقع الإلكتروني (www.herkul.org) الذي ينشر أحاديث الأستاذ فتح الله كولن مقالا بعنوان: “زيارة أردوغان بنسلفانيا” وخطاب 2006م” وقد تعرّض “شيمشك” في مقاله إلى خلفية الخطاب الذي أرسله الأستاذ الفاضل فتح الله كولن إلى السيد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان آنذاك:
“دارت على ألسنة الناس شائعات تقول إن حزب العدالة والتنمية في تركيا قد انحرف عن المنهج، ويضطلع بمخططات من شأنها القضاء على المتدينين في تركيا. وبناء على ذلك قال لنا الأستاذ فتح الله ذات يوم:
“ماذا سيكون -يا ترى- ردّ فعل السيد رئيس الوزراء إن أرسلتُ له خطابا؟”.
وقد أفصح عن نيته هذه عدة مرات خلال يوم أو يومين، وفي النهاية استكتبَ أحدَنا هذا الخطابَ في منتصف الليلة الثانية من شهر مايو عام 2006م، وبعد صلاة الصبح رغب في قراءته عليه مرة أخرى. وكان الأستاذ يستمع إلى الخطاب وهو منكس الرأس والدموع تنساب على وجنتيه، ثم رفع يده بالدعاء قائلا:
“اللهم إنك تعلم أنني أقوم بوظيفة الإنذار والإرشاد كمؤمنٍ ليس إلا، وليس لي غاية إلا رضاك يا ربي”.
إنني ما زلت أتذكّر هذه الصورة وكأنها ماثلة أمامي الآن.
أما بالنسبة لخطاب الأستاذ كولن فهو على النحو التالي:
“إنني أقول مع الأسف إن هذه الخطوة الخطيرة التي أقدمت عليها الحكومة قد خلّفت جروحًا غائرة في قلوب المسلمين. فما كان من بعض أصحاب الأفكار والمشاعر والقلوب السليمة إلا أن حبسوا مشاعرهم في صدورهم ثقةً فيكم وتعويلًا عليكم، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للبعض الآخر الذي يكنّ لكم كذلك كل حب وتقدير. ولكم أن تعتبروني من ضمن أصحاب القسم الأول الذين يئنون ألما في نفوسهم وإن كانوا لا يظهرون مشاعرهم لغيرهم. إن “قانون مكافحة الإرهاب” الذي تعتزمون إصداره يشبه المادة 163 التي كانت كسيفِ “ديموكلاس” المسلّط دائما على رقاب المسلمين. وبدهي أن هذا القانون لو صدر بشكله الحالي سيكون بمثابة المِشرط الذي يعمّق هذا الجرح الأليم.
فضلا عن ذلك فإن عدم اتخاذكم موقفا واضحا إزاء قضية الحجاب (كان الحجاب آنذاك ممنوعا في المؤسسات الرسمية وفي كل المدارس) ورفع الأغلال عن مدارس الأئمة والخطباء، سيصيب الآخرين الذين يعولون عليكم في حل هذه المشاكل بخيبة الأمل. فالآمال التي علّقوها عليكم في هذا الموضوع توشك أن تنطفئ، وربما تعتبر الأمة هذا فشلا ذريعا، أو تصفه دعايات خصومكم بالعجز عن الحل…”
حاوره: أكرم دومانلي، رئيس تحرير جريدة زمان التركية. نشرت في جريدة زمان التركية 17-21 آذار/مارس 2014م.