عمر نور الدين
عجيب أمر من يحتكرون الدين ويستخدمونه سلاحا لسحق الآخرين. وعجيب أمر بطانة السوء من حملة المباخر الذين يكيلون المدح والثناء لولي النعم حتى تتضخم ذاته ويعتقد أنه أصبح من القوة بحيث يحق له أن يظلم من يشاء وأن يهين من يشاء وأن يوزع الأكاذيب في كل ناحية اعتمادا على جيش من المطبلين والمصفقين وعلى شعب يعتقد أنه سيظل معصوب الأعين إلى أبد الآبدين.
يضربون المثل على الظلم في تركيا بفرعون، لكن ما وصل إليه حكام تركيا فاق ما كان يفعله فرعون. ففرعون لم يكن يكن مسلما، بل كان عدوا لله، وجعل منه المحيطون به إلها يعبد من دون الله، فتطاول وبلغ به الحال أن يقول” أنا ربكم الأعلى”.
في تركيا الآن نجد من يقول” فداك أبي وأمي وأولادي يا أردوغان”، وكانت هذه هي مقولة عمر بن الخطاب والصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم :” فداك أبي وأمي يارسول الله” .. وقالوا إن لمس أردوغان من قبيل الأعمال المقدسة وإنه جمع كل صفات الله والرسول في شخصه (نستغفر الله العظيم).. هل كان أتباع فرعون يقولون غير ذلك.. أبدا هو المنطق نفسه الذي أدى بفرعون إلى أن يستخف قومه ليطيعوه في كل شئ كبر شأنه أم صغر.
وفي تركيا اليوم، التي يحلو لأردوغان وتابعة رئيس الوزراء أحمد داوداوغلو أن يسميانها” تركيا الجديدة”، حملة مباخر في العدالة والتنمية من أمثال يغيت بولوت المستشار الاقتصادي لأردوغان وياسين أقطاي نائب رئيس الحزب، وفي وسائل الإعلام التي اشتراها رجال الأعمال المقربين من أردوغان بأموال الصفقات والمناقصات التي تسهلها لهم الحكومة، من يروجون لتصديق أردوغان حتى وإن قال للناس إن الشمس تشرق من الغرب.
لقد رسموا له صورة الزعيم الملهم والعالم بأمور الدين، وصدق الكثير من الناس، على طريقة مسلسل” السلحفاه” الذي يعرض حاليا على شاشة قناة إيه تي في” الموالية لأردوغان والعدالة والتنمية، وبطله إمام مزيف يصدقه الناس ويلتفون حوله بينما هو وصديق له الوحيدان اللذان يعرفان الحقيقة لكنهما ينتفعان بما يفعلان.
لاشك في أن حملة المباخر حول أردوغان، الذين يقولون إنهم على استعداد لأن يفتدونه بآبائهم وأمهاتهم وأبنائهم، وبكل غال ونفيس وحتى بالسلاح والرصاص، لايفعلون ذلك إلا من منطلق الانتهازية، فهو الزعيم الذي بيده كل شئ وهو نهر المنفعة الذي يجري بأبوابهم ليل نهار، فلماذا لا يفتدونه.
وبمنطق هذا الإمام المزيف يهاجم أردوغان الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطية، الذي يشتم منه رائحة الخطر على مشروعه السياسي لتحويل تركيا إلى النظام الرئاسي الفردي الذي سيصبح فيه أردوغان كل شئ مستخدما انتقادات دميرطاش لمؤسسة الشؤون الدينية التركية والحديث عن السيارة المرسيدس الفارهة لرئيس المؤسسة محمد جورماز، إلى حد أن يصف أردوغان منافسه السياسي بالكفر ذلك أن أتباع أردوغان لايقبلون أن يمس مقام الدين أو رمز هذا الدين الذي يحاول أن يثبته في أذهانهم من خلال اختصار الدين في شخص رئيس الشؤون الدينية ومقارنته بالبابا في الفاتيكان، في معرض دفاعه عن إهدائه سيارة فارهة من رئاسة الجمهورية بعد إعلانه تنازله عن المرسيدس المليونية التي هيجت الشارع التركي قبل الانتخابات.
لدى أردوغان المبرر لكل شئ لعلمه أن قومه الذين استخفهم سيطيعونه وسيصدقونه في كل شئ، فإن كانوا صدقوه من قبل عندما قال إن القصر الأبيض الجديد الذي أقيم بشكل غير قانوني وتكلف المليارات من أموال الشعب ضروري لهيبة تركيا ومكانتها، ألن يصدقوه عندما يقول إن مقام رئيس الشؤون الدينية في تركيا يليق به سيارة مرسيدس مصفحة؟
وحتى يمس الوتر الحساس راح يضرب المثل بقمة الكنيسة في الفاتيكان، البابا الذي لديه طائرة خاصة يتحرك بها، وبهذا قفز أردوغان بشخص موظف في الدولة هو رئيس الشؤون الدينية ليجعل منه زعيما دينيا للمسلمين في أرجاء الأرض، فهل حقا لايليق بإمام المسلمين سيارة مرسيدس قد نجد مثلها يسير في شوارع تركيا يركبها مقاول أو شخص ليس بهذه القيمة المقدسة؟!
وبالقياس، أليس من حق من يتعبون ويكدون من أجل راحة الشعب أن يكون لهم نصيب من الأموال، وبهذا المنطق فإن الحديث عن جرائم الفساد والرشوة الكبرى التي تفجرت في 17 و25 ديسمبر/ كانون الأول 2013 في تركيا هو نوع من السخف الذي تمارسه وسائل الإعلام والصحف الحاقدة على نجاح أردوغان وحزب العدالة والتنمية، ألم يقل ذلك حملة المباخر من رجال الحزب وأنصاره في وسائل الإعلام الموالية التي تدار بأموال الفساد؟ قالوا:” ما المانع يسرقون لكنهم يعملون” .. وهو المنطق نفسه الذي استخدمه أردوغان بالأمس في لقاء تليفزيوني على إحدى القنوات الموالية له في إطار الدعاية الانتخابية لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات التي ستجرى في 7 يونيو/ حزيران المقبل، إذ وجه رسالة للشعب يقول فيها: نعلم أنكم تدفعون ضرائب عالية، لكن في المقابل لديكم تعليم وصحة وطرق ومواصلات” .. لكن نسي أردوغان بالطيع أن يقول ولدى الوزراء ومساعدوهم ومستشاروهم سيارات فارهة يتكلف استئجارها سنويا 1,3 مليار دولار سنويا ويصفها وزير المالية ويصف وزير المالية هذا المبلغ بأنه مبلغ تافه لا يساوي ثمن التسالي والمكسرات.
حسنا .. إذا واصل أردوغان نجاحه بهذه الطريقة فأين سيكون العيب، هل في أردوغان وحملة المباخر من حوله، أم في قطاع عريض من الشعب يصدقونهم في كل شئ؟