علي بولاج
كتبت في هذه الزاوية من الصحيفة العديد من المقالات لانتقاد سياسة حزب العدالة والتنمية في الشرق الأوسط، وكل تلك الانتقادات مبنية على أسباب محقة.
وأعوذ بالله من أن أوجه انتقادات لا أساس لها من الصحة من خلال معلومات خاطئة أو كاذبة. فغايتي الوحيدة هي أن يكون بلدي على علاقة جيدة بالعالم ولا سيما العالم الإسلامي، وتهيئة أرضية لإمكانية التكامل الإقليمي على المدى البعيد. فالغاية الأساسية لكل مسلم هي الاتحاد الإسلامي. فنحن مهمتنا انتقاد الخطأ قبل أن يصبح مدمرا وأشير إلى الصواب بصرف النظر عن هوية المخطئ.
والأرشيف موجود ويمكن لمن يشاء أن يطلع على ما كتبته حول السياسة الخارجية لتركيا منذ 2011 وما قبل ذلك أيضا ليواجهني به. فحتى الآن لم أر أنني أخطأت في انتقادي للحكومة، ولم يظهر من الحكومة سياسة صحيحة لتثبت بطلان انتقادي. وكانت نظريتي هي: نحن نركز على التغيير الاجتماعي بوصفنا إسلاميين منتمين إلى المدرسة السنية. ومن الخطأ الفادح استخدام العنف والإرهاب وإسقاط الأنظمة بقوة السلاح لنأتي بأية مجموعة لتسلُّم السلطة حتى ولو كانوا يفكرون مثلنا، أو تأسيس سلطة عسكرية كما كان في السابق أو نظام سياسي متسلط في المنطقة. فذلك ليس من الإسلام في شيء.
ويسفر ذلك عن تدخلنا في السياسات الداخلية لبعض الدول لتظهر بعد ذلك حروب أهلية فيها. فهذه كانت نظرتنا لأحداث سوريا منذ بدايتها. وقد تحولت سوريا إلى بركة من الدماء، ما أدى إلى نزوح ملايين السوريين. كما أن تركيا من خلال الأخطاء التي ارتكبتها لعبت دورا كبيرا في وصول مصر إلى ما هي عليه الآن ولكن ذلك غائب عن الرأي العام. فكيف يمكن لمن يكتب عن العمق الاستراتيجي كل هذا الكم من الكتابات أن يقع في كل هذه الأخطاء الاستراتيجية؟ إن ذلك لا يدركه العقل. وإن تسويق أخطائهم التي سببت المصائب للآخرين للرأي العام على أنها نجاح لهم يجرح الضمائر.
أما الذين يشتموننا في صحفهم ليدافعوا عن حزبهم فعليهم أن يجيبوا عن هذا السؤال أولا: تركيا التي أعلن رؤساؤها للعالم أجمع أنهم يلعبون دورا منظما في المنطقة ولا يحدث فيها شيء دون علمهم أو موافقتهم لماذا لم يحولوا دون حدوث المصائب في سوريا ومصر. ولماذا لم تعد تركيا على علاقة جيدة بدول المنطقة؟
أما عن القضية الفلسطينية فلطالما كانت سياسة تركيا ذات وجهين، وتم استغلالها للسياسة الداخلية للحزب الحاكم ويكفي أن نذكر هذا المثال لإثبات رأينا هذا:
تركيا لا تطالب الإسرائيليين بتأشيرة دخول أراضيها، فأي إسرائيلي يستطيع أن يأتي خلال ساعات قليلة إلى تركيا متى شاء ذلك. وأنا أرى أن هذا لا بأس فيه. لكن لماذا لا تطبق تركيا نفس الشيء مع الفلسطينيين ولا تعفيهم من التأشيرة. ويكاد يكون مستحيلا حصول فلسطيني عادي على تأشيرة الدخول إلى تركيا. لأنه مطالب أولا بأن يكون له ما بين 3 أو 5 آلاف دولار في البنك وتقريرا طبيا ووثيقة أمنية وطبعا من المستحيل أن يحصل الفلسطيني على وثيقة أمنية إذا ما اعتبرته إسرائيل إرهابيا. كما أن تركيا تطالب الطلبة الفلسطينيين بوثيقة قبول من أجل الدراسة في تركيا.
وأقول للكتاب الحزبيين: ما سبب ذلك. وكيف ستفسرون هذا الوضع؟ بينما الفلسطينيون المساكين يُمنعون من المجيئ إلى تركيا وتقام علاقات على أعلى المستويات مع الإسرائيل من حيث التجارة والدفاع المشترك والاقتصاد، في الوقت نفسه يبكي المسؤولون من الحزب الحاكم يوميا في الميادين الانتخابية من أجل فلسطين والفلسطينيين. أليس هذا من قبيل البكاء على الحسين والتعاون مع يزيد؟ وقد أعلن البنك الدولي أن تركيا التي وعدت بإرسال 200 مليون دولار لغزة لم ترسل حتى الآن سوى 520 ألف دولار. فما تفسيركم لذلك؟
إن المسؤولين والمثقفين الفلسطينيين يعلمون بكل شيئ ويعرفون ما هي الأموال التي أنفقتها تركيا على الفلسطينيين كي تحسن من صورتها. رئيس الشؤون الدينية محمد جورماز كان في المسجد الأقصى في ليلة الإسراء والمعراج ثم تظاهر في صحن المسجد نحو 150 شخصا ليرددوا هتافات ضد إسرائيل وفي مصلحة تركيا. فقال شيخ فلسطيني: “هذه التظاهرة كذر للرماد في العيون ولا جدوى منها، وستعود علينا بالضرر”! فإن تركيا كذلك تستغل مآسي الفلسطينيين كما يفعل العرب منذ سنوات طويلة. فهم يوزعون الأموال على الفئة المتغلبة من الفلسطينيين، وتستمر مشاكل الفلسطينيين ومآسيهم كما هي. هذا هو النظام القائم. وكل الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة راضية بهذا النظام.