عمر نور الدين
هل يستطيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته التي يقودها ظله أحمد داود أوغلو، أن يقدما شيئا للرئيس المصري السابق محمد مرسي، الذي صدر بحقه وآخرين حكما بالإعدام لاتهامات تتعلق بالخيانة والتخابر مع جهات أجنبية واقتحام السجون إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، غير الصراخ في ميادين الانتخابات وتكرار إسطوانة أن ما حدث في مصر في 30 يونيو 2013 لم يكن ثورة بل كان انقلابا عسكريا؟
وهل يستطيع أردوغان وحكومة العدالة والتنمية أن يفعلا شيئا غير الهجوم على الاتحاد الأوروبي ومحاولة استدعائه لفرض عقوبات على نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على الرغم من رفضه من قبل أن يتدخل الاتحاد الأوروبي ولو بمجرد التعليق على قضية اعتقال الصحفيين في تركيا في حملة مداهمات لم تستند إلى أية أدلة قانونية وإنما بهدف إسكاتهم عن الحديث عن جرائم الفساد والرشوة التي تفجرت في تركيا في 17 و25 ديسمبر2013؟
وحتى نعرف الإجابة عن هذين السؤالين، علينا أن نتوقف أولا أمام ماقاله أردوغان في محافظة قيصري في وسط تركيا خلال لقاء جماهيري للدعاية لحزب العدالة والتنمية الحاكم لجلب الأصوات له في انتخابات السابع من يونيو/ حزيران المقبل، تلك الدعاية المبطنة وغير الدستورية باعتبارها تمثل خروجا على حدود منصب رئيس الجمهورية كما وردت في الدستور التركي، حتى تتكشف لنا الطريقة التي يتعامل بها أردوغان مع المواطن التركي البسيط، الذي لا يكف عن التلاعب بعقله ليل نهار، أو استغلال أحداث تقع في دول أخرى لا لشيئ إلا لمجرد أن يظهر في صورة المدافع عن حقوق المظلومين.
لقد قال أردوغان:” انظروا إلى هؤلاء الانقلابيين إنهم أصدروا حكما بإعدام مرسي الرئيس المنتخب الحاصل على 52% من أصوات مواطني بلده، لقد كان هذا سيصبح مصيرنا في تركيا لو نجحوا هنا وكنا سنقف أمام محاكم مشابهة”.
جمل بسيطة لكن تحليلها يحمل معاني كبيرة حول قواعد التعامل في إطار القانون الدولي، فلا يحق لشخص من أية دولة أن يتدخل في أحكام القضاء في دولة أخرى، حتى لو كان رئيسا للجمهورية، لكن هذه ليست قضيتنا، ولسنا في معرض تحليل أحكام القضاء في مصر وما إذا كانت قانونية أم مسيسة، كون هذه ليست القضية الأساسية هنا.
إنما القضية الأساسية هي في شخص المتحدث نفسه أي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فعند تحليل وضع القضاء في تركيا على مدى 13 عاما من حكم حزب العدالة والتنمية، كان أردوغان في جلها رئيسا للوزراء قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية العام الماضي، يتبين أن القضاء في تركيا أصبح في حال يرثى لها من الخضوع والتبعية للسلطة التنفيذية سواء في التعيينات في المناصب العليا أو في كثير من الأحكام والقرارات التي تصدر من أردوغان مباشرة ويمليها على القضاء من خلال رسائل في تصريحاته تحمل تعليمات للقضاة والمدعين العموم، وهو الأمر الذي لاحظه الاتحاد الأوروبي ولاحظه العديد من المنظمات السياسية والحقوقية المؤثرة على مستوى العالم، ممن يستدعيهم أردوغان للوقوف ضد أحكام القضاء في مصر.
ولو تعمقنا أكثر لوجدنا أنه تم تأسيس كيان جديد وغريب في جسد القضاء التركي عبر ما أسماه أردوغان بـ” المشروع” ، والذي يتمثل في دوائر الصلح والجزاء التي أسست في المحاكم لتكون سلطة أعلى من كل السلطات كون أحكامها غير قابلة للطعن عليها بهدف تصفية كل من يعارضه وللانتقام ممن قاموا بالتحقيق في فضائح الفساد والرشوة سواء من رجال الأمن أو المدعين العموم أو القضاة الذين اعتقل بعضهم مؤخرا وتم تشريد الباقين وعائلاتهم، وكذلك الصحفيين والإعلاميين الذين كتبوا أو تحدثوا عن هذه الفضائح وعن تورط الوزراء ورجال الأعمال المقربين من أردوغان بل وطالت الادعاءات أردوغان نفسه وعائلته.
بل إن أعمال القضاء والتحقيقات غير القانونية طالت العديد من رجال الأمن والمدعين العموم في قضايا أخرى مثل بعض قضايا التنظيمات الإرهابية ونقل الأسلحة للتنظيمات المتشددة في سوريا.
في التصريح نفسه هاجم أردوغان الغرب والاتحاد الأوروبي لتخاذله تجاه أحكام الإعدام التي صدرت في مصر، مع أن أردوغان هو نفسه من قال للاتحاد الأوروبي ” لاتعطونا نصائح واهتموا بشؤونكم الخاصة”، عندما انتقد الاتحاد الأوروبي الحملة الأمنية على المؤسسات الصحفية والإعلامية في 14 ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي تزامنا مع الذكرى الأولى لفضائح الفساد والرشوة، بهدف تكميم الأفواه.
ثم قال أردوغان إن تركيا ستتحرك لدى الأمم المتحدة لوقف قرارات الإعدام، ونسي أن تركيا ومنذ عدة أشهر لم تستطع أن تقنع أعضاء المنظمة الدولية للتصويت لصالح حصولها على مقعد غير دائم بمجلس الأمن الدولي للعام 2015- 2016، كما نسي هجومه المتكرر على الأمم المتحدة في العديد من المحافل والمناسبات.
فهل يستطيع أردوغان، والحال هكذا في تركيا، أن يقنع أحدا بأن يوقف الحكم ضد مرسي وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، ومنهم عدد كبير ممن صدرت ضدهم أحكام موجودون على أرض تركيا يمارسون التحريض على مصر وجيشها ومؤسساتها الأمنية والقضائية وحكومتها ليل نهار.
وهل يستجيب الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لنداءات أردوغان الذي وجهت إليه انتقادات حادة من جانبهما بانتهاك القانون في تركيا وتحويلها إلى دولة غير قانونية، أم أن كل ما يقوله أردوغان عن مرسي وقضيته هو من قبيل الدعاية الانتخابية وممارسة عملية غسل عقول واسعة للمواطنين الأتراك، بل والدفاع عن نفسه من مخاوف لايزال يحملها في نفسه ومن وهم محاولات الانقلاب التي يقوم بها مايسمى بالكيان الموازي، الذي اخترعه بنفسه، من أجل خداع الشعب التركي قبل الانتخابات؟
لقد هاجم أردوغان وداود أوغلو صحيفة” حرييت” التركية لنشرها عنوانا يقول :” الحكم بالإعدام على مرسي الحاصل على 52% من أصوات الناخبين:” لقد تركا كل شيئ وحاولا استغلال هذا العنوان ليصورا أن هناك مؤامرة في تركيا على أردوغان لأنه حصل على النسبة نفسها تقريبا في انتخابات الرئاسة في تركيا العام الماضي.
وبالتزامن مع ذلك سارع أردوغان وداود أوغلو بعد أقل من 24 ساعة من صدور حكم محكمة جنايات القاهرة بإحالة أوراق مرسي وعدد من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين إلى مفتى مصر لإبداء رأيه في إعدامهم، في محاولة لتحريك شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم التي كشفت استطلاعات الرأي الأخيرة عن تراجعها، في محاولة لانقاذ هذه الشعبية وضمان تحقيق هدف أردوغان يتحويل النظام السياسي في تركيا من البرلماني إلى الرئاسي.
ولقد حذر مصطفي دستيجي رئيس الوحدة الكبرى شريك حزب السعادة الإسلامي، الذي أسسه الراحل نجم الدين أربكان، أستاذ أردوغان، في الاتفاق الوطني من محاولات أردوغان لاستغلال قضية الحكم بإعدام مرسي في المحافل الانتخابية، وفي هذا دليل أكيد على إدراك النهج الذي يسلكه أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم في مثل هذه القضايا مثلما سبق وأن استخدم أردوغان” إشارة رابعة” في الانتخابات المحلية في مارس/ آذار 2014 ثم في الانتخابات الرئاسية في أغسطس / آب من العام نفسه في محاولة لصرف أنظار الناخبين عن فضيحة الفساد الكبرى.
من الآن نقول إن أردوغان لن يفعل شيئا أكثر من الصراخ في ميادين الانتخابات والهجوم على الاتحاد الأوروبي، والتلويح بأنه سيلجأ إلى الأمم المتحدة، التي يقول إنها مؤسسة عفا عليها الزمن وتحتاج إلى تغييرات هيكلية في بنيتها، إلى أن تنتهى الانتخابات في تركيا وبعدها لن يسمع أحد حديثا عن مرسي وقضيته، بل ربما يتجه أردوغان نفسه وحكومته إلى تحسين العلاقات مع مصر تحت قيادة السيسي الذي قال إنه لا يعترف بأنه رئيس لمصر، لأن تركيا لن تشهد انتخابات جديدة قبل 4 سنوات قادمة..
كنا نتمنى حقا أن يكون أردوغان وحزب العدالة والتنمية على إيمان واقتناع ووفاء لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وأن يكونا أكثر احتراما لعقلية المواطن التركي الذي بدأ يزداد قناعة يوما بعد الآخر بأن الحقيقة في تركيا تختلف عن الشعارات.