بقلم: عمر نور الدين
“لا أحد يمكن ان يحاسبني أو يمنعني من عقد المؤتمرات الجماهيرية لأن رئيس الجمهورية لا يحاكم فقط إلا على جريمة واحدة هي الخيانة..” هذه العبارة ليست لي لكنها للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في لقاء جماهيري في إطار دعمه” غير الدستوري” لحزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في 7 يونيو/ حزيران المقبل.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] لقد اختلط الخاص بالعام، واختزل كل شيء في تركيا، هذا البلد الكبير، في شخص واحد يريد السيطرة على كل المقاليد وإدارة كل السلطات والتحكم حتى في الهواء الذي يتنفسه الناس، ولسان حاله يقول:” أنا تركيا وتركيا أنا”.[/box][/one_third]إنها صورة جديدة من صور تحدي القانون والدستور وإعلان عدم الاكتراث بأي نظام في البلاد، تماما مثلما سبق أن قال عندما قررت المحكمة وقف بناء القصر الجمهوري الجديد المعروف بالقصر الأبيض في أنقرة: “ليصدروا ما يصدروا من أحكام وقرارات لكننا سنبني القصر”.
لقد اختلط الخاص بالعام، واختزل كل شيء في تركيا، هذا البلد الكبير، في شخص واحد يريد السيطرة على كل المقاليد وإدارة كل السلطات والتحكم حتى في الهواء الذي يتنفسه الناس، ولسان حاله يقول:” أنا تركيا وتركيا أنا”.
من يحلل الخطابات ذات اللهجة الجهورية التي ينطق بها أردوغان في كل المحافل المتكررة بصورة يومية أو نصف يومية أو كل ساعتين أو ثلاث، سيجد المفردات نفسها والعبارات نفسها وأسلوب المن على الناس ومطالبتهم بأن يقارنوا أين كانوا قبل العدالة والتنمية وأين أصبحوا.
لو رصد أي متابع خطابات أردوغان الكثيرة، التي يدق بها رؤوس الناس ليل نهار، لوجدها لاتخرج عن تكرار التذكير بأن تركيا كانت غارقة في الديون وأن الناس لم يكونوا يجدوا ما يأكلون أو يشربون أو يلبسون أو يركبون ولم يكونوا حتى يجدوا طريقا يسيرون عليه وأن التصخم كان 30% وصار الآن رقما من خانة واحدة لا خانتين.
ثم سيجد متابعو هذه الخطابات إهانات بأقذع وأقسى العبارات لأحزاب المعارضة ووصف رؤسائها بالفشل ومطالبتهم بالاستقالة إذا لم يستطيعوا الفوز بالانتخابات، مثلما يحدث في بريطانيا وإيطاليا وغيرهما، ومطالبة الناس بتلقينهم الدروس في صناديق الانتخابات، لأنهم إما دعاة فجور يريدون أن يفسدوا عليكم دينكم، أو دعاة إرهاب يريدون تهديدكم، أو يعملون بالتعاون مع الكيان الموازي، الذي لاوجود له، حتى ينغصوا عليكم حياتكم ويطيحوا بحكومتكم التي تفعل كل الخير لكم.
في ريزه، بالبحر الأسود، يتحدث عن المطار الجديد في أوردو والذي لن يجعل أهل ريزه يضطرون للذهاب إلى طرابزون حتى يركبوا الطائرة، وفي إسطنبول يتحدث عن الجسر الثالث وخطوط المترو، لكنه لايذكر أبدا أن الناس هي التي تمول المشروعات من جيوبها عبر الضرائب التي تعد من بين أعلى الضرائب في العالم وتصل إلى 18% على كل طعام أو شراب يأكله الناس فضلا عن 75% على البنزين والمازوت الذي يستخدمه الفلاحون في ري أراضيهم وتشغيل آلاتهم الزراعية.
الحديث دائما عن إنجازات الماضي، لكن هل هناك حديث عن اليوم الذي نعيش فيه؟
هل هناك تفسير لعدم قدرة أي مواطن تركي عادي ليس من طبقة الأغنياء أو رجال الأعمال أو الفاسدين، بل من عامة الناس، على أن يكفي أسرته قوت يومها لأن سعر البطاطس نحو دولارين وكذلك باقى المواد والاحتياجات الأساسية في كل بيت؟.
هل هناك من تفسير للارتفاع الجنوني في أسعار الكهرباء والغاز والماء، رغم تراجع أسعار البترول عالميا بأكثر من 50%، وإيجارات المساكن وتذاكر المواصلات؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] ملخص ما يريد أن يقوله أردوغان أن تركيا بدونه لا تساوى شيئا لأنها لم تكن من قبله شيئا، رغم أنها كانت في يوم من الأيام إمبراطورية كبيرة وبها بنية تحتية ونظام سياسي في عهد الدولة العثمانية ثم كان لها نظام وتحققت فيها إنجازات أيضا في عهد الجمهورية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك.[/box][/one_third]هذا هو الواقع الذي يهرب منه أردوغان وتهرب منه حكومة العدالة والتنمية، ويستعيضون عن الخوض فيه بافتراءات وأكاذيب أو بتسويق أحلام وأوهام زائفة عن تركيا الجديدة الكبرى القوية، مع أن المؤشرات المستقبلية التي تعلنها بين وقت وآخر وكالات التصنيف الائتماني الدولي والمؤسسات الاقتصادية العالمية تشير إلى أن تركيا الجديدة سيكون وضعها الاقتصادي غير مبشر على الإطلاق.
لن نتحدث عن الحرية ودولة القانون لأن غالبية البسطاء لا يتوقفون كثيرا أمام هذه المفاهيم ولا أمام الحديث عن الديمقراطية والتعددية وما إلى ذلك، وتجربة حزب العدالة والتنمية في حكم تركيا على مدى 13 عاما تؤكد أن الناس تصوت لمن يضمن لهم الاستقرار والوضع الاقتصادي الجيد.
ولن نتحدث عن فساد الحكومة وأجهزتها أو المقربين منها ولا عن مظاهر الترف والرفاهية لأن أردوغان حسمها بقوله:” لو كنت أعلم أن رئيس هيئة الشؤون الدينية التركية محمد جورماز قال إنه سيعيد سيارته المرسيدس التي تم شراؤها بمليون ليرة تركية ( نحو 400 ألف دولار أمريكي) إلى الدولة لقلت له يا أخي لا تعيدها لأن منصبك يليق به سيارة كهذه”.
إنها دعوة علنية للفساد، ومؤشر على ما ستكون عليه حياة الحكام في تركيا الجديدة التي يرسمها ويصممها أردوغان على طريقته الخاصة ويدعو البسطاء في الشوارع إلى أن يساعدوه في الوصول إليها عبر النظام الرئاسي بعد الانتخابات البرلمانية في 7 يونيو، والذي من غيره ستضيع تركيا وتنهار ويتم تقسيمها مثلما يقول أتباعه وإعلامه مدفوع الأجر، الذي يتغذى على أموال الفساد الحرام المنهوبة من الشعب.
ملخص ما يريد أن يقوله أردوغان من كل ذلك أن تركيا بدونه لا تساوى شيئا لأنها لم تكن من قبله شيئا، رغم أنها كانت في يوم من الأيام إمبراطورية كبيرة وبها بنية تحتية ونظام سياسي في عهد الدولة العثمانية ثم كان لها نظام وتحققت فيها إنجازات أيضا في عهد الجمهورية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، وكان هناك زعماء لايزال يذكرهم الناس حتى يومنا هذا مثل تورجوت أوزال وبولنت اجاويد وغيرهم ممن يريد أردوغان محو تاريخهم جميعا.. ليقول:” أنا تركيا وتركيا أنا”.