علي بولاج
نشرت صحيفة تشاغداش التي توزَّع في مدينة بطمان شرق تركيا في عددها الصادر يوم 29 أبريل / نيسان الماضي خبرًا أفاد بأن المرشحين في المدينة عن حزب الشعوب الديمقراطية في الانتخابات البرلمانية المقبلة عقدوا اجتماعًا جمعهم بالصحفيين على مائدة إفطار، وبينما كان المرشحون يتناقشون بشأن مشاكل المدينة قالت المرشحة في الترتيب الثالث المحامية عائشة آجار باشاران عن الانتقادات الموجهة إلى المرشح في الترتيب الأول علي آطالان ما يلي:
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] يجب على المسلمين الاستفادة، قدر المستطاع، من المواثيق والتشريعات السياسية في الغرب، بما في ذلك تلك الوثيقة المعروفة بماجنا كارتا Magna Carta. حتى أنه ينبغي لهم الاستفادة في الوقت نفسه من التجارب التي مرت بها شعوب الشرق الأقصى كالهند والصين. غير أن المسلمين في حاجة كذلك إلى وثيقة يوقعون عليها بأنفسهم.[/box][/one_third]”إن بعض الجهات في بطمان تستهدفنا. يعتبر سكان مدينة بطمان محافظين لكنهم أناس لديهم معرفة فيما يتعلق بمسألة الدين. ولقد اتخذنا وثيقة المدينة المنورة شعارًا لأنفسنا. غير أن البعض يتعمد إظهار هوية المرشح علي آطالان اليزيدية. ونعلم أن الجهات الهامشية تهاجم الحزب من خلال هذه النقطة، غير أن سكان بطمان يعرفون الإسلام أكثر من أولئك”.
سبق تناول هذا الموضوع نفسه في الندوة الدولية التي نظمها مؤتمر المجتمع الديمقراطي في ديار بكر في شهر مايو/ آيار من العام الماضي أيضا. وقد عرضت من جانبي بيانًا يتناول بالتفصيل وثيقة المدينة المنورة. فما شاهدته كان هو أن الوثيقة حظيت باهتمام كبير من قبل المشاركين في تلك الندوة.
وقد لفت المشاركون من تركيا ودول الجوار ودول أخرى الانتباه بحماسة كبيرة إلى الوثيقة التي درستها لسنوات وطرحتها على الرأي العام في تركيا وأعتبرها هي أنسب سبيل للنجاة من جو الفوضى والصراع الدائر حاليًا. وكان من المفرح أن يقبِل المثقفون والسياسيون الأكراد على وجه الخصوص على هذه الوثيقة.
من الواضح أننا في حاجة إلى هذه الوثيقة، فكل جماعة من البشر تكون بحاجة إلى مرجعية تشكل قاسمًا مشتركًا بين أفرادها. وكان الغرب قد وقَّع الوثيقة العظمى عام 1215 بعد صراعات استمرت لـ 900 عام لتكون مرجعية تتبنَّى نظامًا متعدد الأحزاب يضم نظامًا ديمقراطيًا ومبادئ حرية التعبير وتعدد الأحزاب وحقوق التنافس للوصول إلى السلطة، والأهم من ذلك مبدأ سيادة القانون الذي تتبعه الدولة.
وبطبيعة الحال، مرت قرون طويلة على توقيع ذلك النص البسيط. غير أن تلك الوثيقة كانت الخطوة الأولى للتطور الذي يحمي السياسة من الصراعات والخصومات والهجمات المدمرة. ثم استلهمت الوثائق التي خرجت بعد ذلك مثل اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومعايير باريس وهلسنكي وكوبنهاجن بنودها من تلك الوثيقة الأولى.
يجب على المسلمين الاستفادة، قدر المستطاع، من المواثيق والتشريعات السياسية في الغرب، بما في ذلك تلك الوثيقة المعروفة بماجنا كارتا Magna Carta. حتى أنه ينبغي لهم الاستفادة في الوقت نفسه من التجارب التي مرت بها شعوب الشرق الأقصى كالهند والصين. غير أن المسلمين في حاجة كذلك إلى وثيقة يوقعون عليها بأنفسهم.
ولا شك في أنه من سوء حظنا أن نجهل كل شيئ عن مصادرنا الذاتية، ولذلك فإن النماذج التي نقلناها عن الغرب دون تنقيحها فشلت في إيجاد حل لمشاكلنا لأنها لا تعتبر نتاجًا لظروفنا التاريخية والاجتماعية.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]على ما يبدو فإننا أمام حزب سياسي كردي يتميز بشعاراته وواجهته الظاهرة ووجهه الذي ينعكس على الرأي العام وخطاباته ويختلف عن منافسيه تماما؛ إذ إن الحزب هذه المرة يخاطب تركيا بأكملها، ويلفت انتباه الشعب إلى وثيقة المدينة المنورة.[/box][/one_third]كان من المهم أن يرشح حزب الشعوب الديمقراطية في قائمته يزيديًا وسريانيًا في انتخابات عام 2011 البرلمانية. مع أن الجميع كانوا يتوقعون مثل هذه الخطوة من حزب العدالة والتنمية الحاكم بسبب مرجعيته الإسلامية، لكنها جاءت من حزب الشعوب الديمقراطية، ذلك أن كثرة حديث الحزب الحاكم عن هذه النقطة المهمة كان من قبيل المنافسة السياسية ليس إلا. فرد الفعل سياسي، ذلك أن حزب العدالة والتنمية نفسه قدَّم مرشحين ملحدين في الترتيب الأول في بعض المدن، وأتذكر الآن ثلاثة أسماء منهم، فالشخص الذي استهزأ بالقرآن الكريم (أيجمان باغيش الوزير السابق والمتهم في قضية الرشوة والفساد) بقوله عن سورة البقرة “البقرة المقرة” لا يزال يتولى منصبًا رفيعًا ويلقى احترامًا كبيرًا بالحزب الحاكم والحكومة. والمهم في هذا الأمر هو أن حزب الشعوب الديمقراطية استشهد بوثيقة المدينة المنورة بينما كان أعضاء الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) يحاولون أن يهجموا على حزب الشعوب الديمقراطي بسبب ترشيحه يزيديا وآخر سريانيا في الانتخابات.
أما النقطة الثانية، فهي أن الحركة الكردية وصلت إلى مرحلة مهمة في أربع دول مجاورة. كما أن المثقفين وبعض السياسيين الأكراد المعروفين يعتقدون أن تكرار تجربة ما سبق تجربته في الماضي سيكون إهدارًا للوقت والموارد، ولهذا فإنهم يؤمنون ويعبرون عن ضرورة تطوير نموذج تنظيم اجتماعي وسياسي جديد يستوعب المنطقة بأكملها. فإن كان الأكراد سيصلون إلى الوضع نفسه الذي وصل إليه الأتراك والعرب والفرس بعد التجربة المريرة التي عاشوها فلن يكون هناك أي معنى ولا جدوى لأكل الثمرة المرة نفسها.
أما ما هو من المؤكد، فإن نسبة الأصوات التي سيحصل عليها حزب الشعوب الديمقراطي الذي يعد بمثابة حزب مفتاحي في الانتخابات البرلمانية التركية المقبلة ستؤثر في الحركة الكردية وسياسة تركيا والشرق الأوسط في الوقت نفسه.
وعلى ما يبدو فإننا أمام حزب سياسي كردي يتميز بشعاراته وواجهته الظاهرة ووجهه الذي ينعكس على الرأي العام وخطاباته ويختلف عن منافسيه تماما؛ إذ إن الحزب هذه المرة يخاطب تركيا بأكملها، ويلفت انتباه الشعب إلى وثيقة المدينة المنورة. وقد يكون الاهتمام –من جهة معينة- الذي يحظى به حزب الشعوب الديمقراطي والحركة السياسية الكردية الجديدة أكثر من مفاوضات السلام التي كانت تجريها الحكومة في أنقرة مع قادة منظمة حزب العمال الكردستاني في جزيرة إمرالي بغرب تركيا وجبال قنديل بشمال العراق .