علي بولاج
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن استغلال الدين في سبيل تحقيق أغراض سياسية أو تحويلَ إحدى وجهات النظر والمقاربات الإسلامية إلى أيديولوجية رسمية للدولة وممارسة الضغوط على المؤمنين وغير المؤمنين ليس إلا شكلا من الأشكال السياسية الاستبدادية والشمولية المختلفة ولا يمتّ بأدنى صلة إلى الإسلاموية. [/box][/one_third]إن الإسلاموية تعني تصوُّرَ عالم الوجود في إطار أحكام القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، أي الاستسلام لإرادة الله تعالى التي تعتبر غاية حياة الإنسان المسلم، وتنظيمَ حياة المسلم وفق الحدود الإلهية الموضوعة له، وتأسيسَ نظام اجتماعي يستند إلى مبادئ الأخلاق والحرية والعدل التي تعتبر أصل ولبّ رسالة الإسلام، والسعيَ من أجل وحدة المسلمين حول العالم.
إن استغلال الدين في سبيل تحقيق أغراض سياسية أو تحويلَ إحدى وجهات النظر والمقاربات الإسلامية إلى أيديولوجية رسمية للدولة وممارسة الضغوط على المؤمنين وغير المؤمنين ليس إلا شكلا من الأشكال السياسية الاستبدادية والشمولية المختلفة ولا يمتّ بأدنى صلة إلى الإسلاموية. وكما أن هناك “نسخًا دينية” من هذه الأشكال السياسية، فهناك نسخ علمانية (شيوعية وفاشية وليبرالية) منها كذلك.
وكما أن الإسلام يحتوي في ماهيته على خصائص الوحدة والشمول غير الاستبدادي، كذلك فإن الإسلاموية أيضاً متعدّدة الأبعاد لا تقتصر على جانب واحد من جوانب الإنسان والحياة، وهي في نهاية المطاف حركة “إصلاح” و”إحياء” و”تجديد”.
الحمد لله أن أصل الإسلام لم يفسد، فمصادر الدين التي بين أيدينا صحيحة. وأما الإصلاح والإحياء والتجديد فتهدف جميعًا إلى إرجاع المفاهيم الدينية لدى المسلمين، وعاداتِهم وتقاليدِهم التي انحرفت عن الصواب، وأشكال حياتهم التي انهارت من الناحيتين الاجتماعية والأخلاقية وأذهانهم المشوشة، فيما يتعلق بالسياسة والسلطة والدولة والأسرة والمجتمع والعالم، ومفاهيمهم المعوجة التي تستند إلى العداء بين القوميات المختلفة، إلى أصل الدين الإسلامي وزيادة مقاومتهم وإحياء أرواحهم، التي هُزمت أمام السفاهة والخسّة والظلم، وإحداث التجديد في العالم الإسلامي.
فإذا وضعتم نصب أعينكم إصلاح الحياة الاجتماعية عن طريق السياسة، والوصولَ إلى نظام اجتماعي يتوافق مع المثل الإسلامية، فإن السياسة بالنسبة لكم تعتبر أولوية. وهذا هو الطريق الذي سار عليه أشخاص كسيد قطب وأبي الأعلى المودودي وآية الله الخميني وغيرهم، ويمكن إطلاق مصطلح “الإسلام السياسي” على هذا الفكر.
لكن إذا قلتم إن “علاج الضعف المعنوي وتعزيز الحياة الاجتماعية من الناحية الأخلاقية هما أصل المسألة”، فمن الممكن أن يُطلق عليكم مسمى “الإسلام الاجتماعي” لتأكيدكم على أولوية الخدمة المعنوية والإصلاح المجتمعي. وهذا هو طريق شخصيات مثل حسن البنا وسعيد النورسي وغيرهما.
وإذا قلتم في إطار أكثر خصوصية إن “العالم الإسلامي يحتاج إلى تحول ذهني، ويجب الرد على الهجمات المعاصرة وما بعد الحداثية من خلال الأرضية الفكرية والأكاديمية والعلمية”، فإن تفضيلكم هذا يمكن أن نطلق عليه مصطلح “الإسلام الفكري”. ورواد هذا الطريق شخصيات مثل محمد إقبال ومالك بن نبي وحسين نصر وعلي شريعتي ونقيب العطاس وإسماعيل الفاروقي وأمثالهم.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن المدارس الفكرية الإسلامية هي مذاهب العصر الذي نعيشه. أما الحل فيكمن في اعتبار كل مدرسةٍ للأخرى مدرسة شرعية، وتحمّلِ مسؤوليات مشتركة في سبيل حل المشاكل المشتركة، وفتحِ الباب دائمًا أمام الحوار والمصالحة.[/box][/one_third]وبحسب هذا التصنيف، فإن الحركات والأحزاب التي تضع في أولويتها الجانب السياسي، والجماعات والطرق التي تتخذ من “الإصلاح المعنوي والاجتماعي” أساسًا لها، والتوجهات التي تتبنى “الإحياء الفكري والعلمي” تجتمع تحت “مظلة الإسلاموية”. فهذه الأسماء التي ذكرت بعضًا منها كرموز ومَن يسير على دربهم هم في الحقيقة إسلاميون. والتوجهات الثلاثة تتخذ من القرآن الكريم والسنة النبوية مرجعية لها، وترغب في الوصول إلى هدف وضعه الإسلام. ولا يمكن لاختلاف أولوياتهم وطرق تفكيرهم أن يجعلهم خصومًا لبعضهم البعض.
إن حصر الإسلاموية في السياسة المطلقة شيء خاطئ من الناحية الواقعية والأكاديمية. وتكمن المشكلة في أن بعض المنتسبين إلى هذا التيار أو ذلك لديهم أمزجة مستبدة، وبالتالي فهؤلاء يجدون صعوبة في قبول التعددية فيما بينهم. “لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِ” (سورة المائدة – 77). فهم يغالون ليس في مواجهة غير المسلمين فحسب، بل كذلك في مواجهة المسلمين الذين لا يتبنون الأفكار نفسها التي هم يتبنونها.
إن المدارس المختلفة ليست مضادة لبعضها البعض من حيث الماهية والأساس. فعلى سبيل المثال نجد الزعيم البوسنوي الراحل علي عزت بيجوفيتش ينتسب إلى مدرستي الإسلام السياسي والفكري في الوقت نفسه. كما يعتبر حسن البنا وسعيد النورسي في عهده الأول والثاني – بحسب تصنيفه هو لحياته – من الشخصيات المهمة لمدرستي الإسلام السياسي والاجتماعي. فالمسلم الواعي يعرف أن هذه المدارس الثلاث ترغب في الوصول إلى الوجهة ذاتها لكن من خلال طرق مختلفة.
لن يستطيع الآخرون أن يخرِجوا العالم الإسلامي من هذه الأزمة والفوضى. والمدارس الفكرية الإسلامية هي مذاهب العصر الذي نعيشه. أما الحل فيكمن في اعتبار كل مدرسةٍ للأخرى مدرسة شرعية، وتحمّلِ مسؤوليات مشتركة في سبيل حل المشاكل المشتركة، وفتحِ الباب دائمًا أمام الحوار والمصالحة.
جريدة زمان