جوكهان باجيك
في تركيا مجموعتان من القيم الاستراتيجية على صعيد السياسة الخارجية، إحداهما ثابتة والأخرى متغيرة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لو بدأت دولة ما تتغاضى عن الخسائر الاقتصادية بسبب هواجسها الأيديولوجية يصبح مستحيلًا أن تنتج قيمة استراتيجية متغيرة على المستوى الدولي.[/box][/one_third]ويمكن تلخيص القيم الثابتة على النحو التالي: موقعها الجغرافي، القاعدة العسكرية الأمريكية في إنجيرليك بمدينة أضنة، استضافتها للعديد من مشاريع الطاقة المختلفة.
أما القيم المتغيرة فهي كالتالي: ثروتها الاقتصادية، ديمقراطيتها، دولة القانون، وساطتها بين الغرب والعالم الإسلامي وما إلى ذلك.
ولقد رأينا أن القيم المتغيرة لتركيا باتت على المحك في الوقت الراهن. فالنموذج التركي الذي كان الجميع يتحدث عنه بإعجاب كبير أفلس وحلت محله صورة سلبية استبدادية ابتعدت عن مفهوم دولة القانون.
كما أن النجاح الاقتصادي الذي يأتي على رأس القيم الاستراتيجية المتغيرة لتركيا لحقت به أضرار كبيرة. والدليل على ذلك مغادرة العديد من الشركات العالمية للسوق التركي الواحدة تلو الأخرى.
الدولة الطائشة
لو بدأت دولة ما تتغاضى عن الخسائر الاقتصادية بسبب هواجسها الأيديولوجية يصبح مستحيلًا أن تنتج قيمة استراتيجية متغيرة على المستوى الدولي.
وإذا خاطرت دولة ما بإغراق شركة تدفع لها الضرائب لأن صاحبها معارض لها فقط، فإن العالم سيبدأ بمعاملة هذه الدولة على أنها دولة “طائشة مجنونة”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]للأسف، فإن الاستبداد يقتل التصرُّف العقلاني على المستوى الاقتصادي. وأقولها بشكل أكثر صراحة: “الدولة المستبدة تتصرَّف في السوق كالمجنون”.[/box][/one_third]يمكن لدولة ما أن تخوض حربًا لن تستطيع أن تنتصر بها، ويمكن للناس تفهم هذا. لكن إذا حاولت هذه الدولة القضاء على الشركات التي تعمل في السوق وفق القواعد القانونية فهذا يعني أن أحدًا لن يحمل داخله أملًا إزاء هذه الدولة بعد اليوم.
للأسف، فإن الاستبداد يقتل التصرُّف العقلاني على المستوى الاقتصادي. وأقولها بشكل أكثر صراحة: “الدولة المستبدة تتصرَّف في السوق كالمجنون”.
ماذا سيحدث إذا فقدت تركيا قيمها الاستراتيجية الثابتة؟
عندما فقدنا الديمقراطية ودولة القانون والعقل الاقتصادي أصبحت تركيا مضطرة للاعتماد على قيمها الاستراتيجية الثابتة.
ولهذا السبب فهناك كثيرون يطلقون على تركيا وصف” الدولة العقارية”. أي أن الشيء الوحيد الذي تستطيع تركيا تسويقه على المستوى الدولي هو مكانتها العالمية.
وفي الوقت الذي تحاول فيه حكومة حزب العدالة والتنمية تدوير عجلة الاقتصاد على المستوى الداخلي من خلال محور الأراضي والمقاولات، تسعى لإدارة الأمور على مستوى السياسة الخارجية من خلال تسويق موقعها المتميز كدولة تربط بين قارتين.
لكن علينا ألا نخلد إلى الراحة بشأن هذا الأمر؛ ذلك أن القيم الثابتة تواجه خطرًا كبيرًا هي الأخرى. فعلى سبيل المثال لم تعد تركيا قادرة على أن تقول: “أنا قريبة إلى الشرق الأوسط من الناحيتين المادية والثقافية، ولهذا يمكنني لعب دور الوسيط بين الشرق والغرب”.
وفي الأساس لم يبق نظام في الشرق الأوسط، ولم تبق سوريا أو ليبيا التي يمكن أن تتوسط تركيا لحل قضيتهما. هذا فضلًا عن أن تركيا قطعت علاقاتها بالعديد من دول المنطقة.
إن أسوأ ما في الأمر هو تدهور علاقة تركيا بالدول الغربية. ولا يمكن لدولة تدهورت علاقاتها بالغرب والشرق أن تلعب دور الوسيط بين هذا المحورين. ووفق ما نراه، فإن قطر هي أقرب حليف لتركيا في المنطقة حاليًا. غير أن أراضي قطر تضم أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط. هذا إلى جانب أن بريطانيا هي أكبر حليف غربي لدول الخليج العربي. وهو ما يعني أن الدول الغربية ليست في حاجة إلى وساطة تركية من أجل توطيد علاقتها بدولة كقطر.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]هناك نقطة يجب أن يلاحظها العديد من الخبراء في تركيا، ألا وهي: “أن الثقافة الاستراتيجية الغربية الجديدة التي تشكَّلت بعد موجة الربيع العربي لا تنظر إلى تركيا على أنها دولة تنتج قيمة استراتيجية حيوية”.[/box][/one_third]ولهذا السبب فإن القيمة الجيوسياسية التي سوقتها تركيا على مدار عشرات السنين لم يعد لها معنى بعد اليوم.
لامبالاة تركيا
عندما كان يقع أصغر شيء في تركيا في تسعينيات القرن الماضي وحتى مطلع الألفية الجديدة كانت الدول الغربية تبدي ردود أفعال على أرفع المستويات.
لكن اليوم لا أحد يهتم بشأن تركيا. لماذا؟ لأن الناس، وفي مقدمتهم الغربيون، صاروا لا يعتقدون أن تركيا تتمتع بقيمة استراتيجية فريدة غير موجودة لدى أحد.
وعليه، فهناك نقطة يجب أن يلاحظها العديد من الخبراء في تركيا، ألا وهي: “أن الثقافة الاستراتيجية الغربية الجديدة التي تشكَّلت بعد موجة الربيع العربي لا تنظر إلى تركيا على أنها دولة تنتج قيمة استراتيجية حيوية”.
جريدة بوجون