بغداد(أ ب)- تمضي القوات العراقية حثيثا في اندفاعها غربا لاستعادة الأنبار، وهي محافظة صحراوية شاسعة يهمين عليها السنة، وقد استولى عليها تنظيم الدولة الإسلامية في هجومه الخاطف العام الماضي. ولكن – وكما أظهرت معارك استعادة تكريت والرمادي- ستكون تلك مهمة صعبة على الجيش العراقي الذي تقلصت أعداده إلى حد كبير – خاصة بالنظر إلى تحفظ بغداد على تسليح العشائر السنية، إضافة إلى تخوف السكان المحليين من الميليشيات الشيعية الداعمة للقوات الحكومية.
في وقت سابق من الشهر استولت القوات العراقية على مدينة تكريت ذات الغالبية السنية في شمال البلاد من بين يدي الدولة الإسلامية، ولكن ذلك تم فقط بدعم من ميليشيات شيعية مدربة وممولة إيرانيا، وبمساندة غارات جوية أمريكية – وهي أساليب لن تنجح في الأنبار.
الأسابيع الماضية شهدت معارك كر وفر في الأنبار، وتقدما في مناطق كالكرمة شرقي الفلوجة، وجمودا في الرمادي، مركز المحافظة، وفي هزيمة الجيش الحكومي قرب بحيرة الثرثار، وتظهر كلها حاجة الجيش العراقي المستمرة لمساعدات. إلا أن الاعتماد على الحلفاء من الميليشيات الشيعية ربما لا يكون مستساغا من جاب السكان المحليين.
ويقول لواء عراقي منخرط في حملة الأنبار “الجنود العراقيون في الأنبار ليسوا مدربين جيدا لهذه المعركة. العديد منهم هناك فقط من أجل المال، لكن عناصر الميليشيات الشيعية تؤمن بهذا القتال. لا توجد خطة واضحة حتى الآن لتحرير الأنبار بسبب نزاعات عشائرية وسياسية”.
ومشترطا تكتم هويته لأنه غير مخول بالحديث لصحفيين أضاف اللواء أن بعض العشائر ربما تكون مساندة للجيش العراقي، إلا أن أخرى تؤيد الدولة الإسلامية. ونعى إلقاء الجنود سلاحهم وفرارهم حين يشتد الحصار.
يوم الجمعة كذب هجوم للدولة الإسلامية على نظم تحكم بمياه قناة شمال الفلوجة التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية قتل فيه قائد فرقة وما لا يقل عن اثني عشر جنديا، كذب ذلك تقارير حكومية بإحراز تقدم في الأنبار.
وخلال السنوات القليلة الماضية ساد الجيش العراقي فساد القادة الذين استولوا على رواتب ومعدات، ولم يقوموا بتدريب الجنود على القيام بأكثر من مجرد تأمين نقاط التفتيش.
الجيش الذي كان يوما ما يضم مئات الآلاف من الجنود يقدر مسؤولون أمريكيون الآن أن يكون قوامه نحو 125 ألفا، وربما أقل بكثير فور تطهيره ممن يسمون “الجنود الأشباح” – وهم جنود موجودون على القوائم وليس في الواقع.
حظى الجيش ببعض الانتصارات حول بغداد وفي محافظة ديالى شرقي البلاد، وذلك بمساعدة الميليشيات الشيعية. ولكن إذا تم استخدامهم في الأنبار فإن ذلك سيزيد من نفور السكان السنة في المحافظة، حيث ترسخ تنظيم الدولة الإسلامية منذ يناير كانون ثان 2014.
ضاري الريشاوي هو زعيم عشيرة سنية ساعد في تشكيل الميليشيات السنية المعروفة بالصحوات والتي أخرجت مع الجيش الأمريكي تنظيم القاعدة خارج المحافظة في 2006. وقال الريشاوي إن الناس مرعوبون من أن يأتي الجيش بالميليشيات الشيعية.
وقال الريشاوي للأسوشيتد برس “نعلم أنه في حال مشاركة الميليشيات فإنه سيكون هناك مستشارين إيرانيين وسيكون ذلك كارثة لأن في هذه المنطقة هناك الكثير من الحساسية تجاه التدخل الإيراني. عشائر الأنبار جاهزة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية وإخراجه لكن بشرط أن تقوم الدولة بتسليحهم.”
وتوقفت خطط إنشاء حرس وطني مع المقاتلين السنة لأن الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة تشتبه في أن الكثير منهم يدعمون تنظيم الدولة الإسلامية، وترفض تسليحهم.
تحت حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي تم تفكيك قوة الصحوات السنية بعد الانسحاب الأمريكي في 2011، ما زاد من نفور السكان المحليين.
ومنذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات كبيرة من المحافظة لم يهدأ.
من جانبه قال ريتشارد برينان الخبير في الشؤون العراقية في مؤسسة راند “في عام ونصف، أصبحت داعش جزء لا يتجزء في الهيكل المدني في الكثير من مناطق محافظة الأنبار، وقتلوا الكثير من الناس الذين يعارضونهم، ولم تكن الحكومة قادرة على فعل أي شيء… على الحكومة أن تقنع من تبقى بأن معارضة داعش أمر يستحق.”
مع سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على أجزاء كبيرة من الرمادي وكل الفلوجة أيضا -وهي مدينة استعاد الجيش الأمريكي الاستيلاء عليها فقط بصعوبة في 2004- قامت القوات العراقية ببعض القتال الصعب بشكل غير معقول في المناطق الحضرية قبلهم. وعلاوة على ذلك فإن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لن يكون قادرا على دعم العراقيين بقوة جوية في قتال في مناطق حضرية كثيفة السكان.
وحتى الآن فإن الجزء الأكبر من القتال تقوم به كتيبة القوات العراقية الخاصة والتي استمر تدريبها وتجهيزها على يد الأمريكيين بعد الانسحاب الأمريكي، لكن لا يمكن لأفراد الكتيبة أن يكونوا في كل مكان والجيش العراقي النظامي لم يكن قادرا في أغلب الأحيان على الحفاظ على مكاسبه.
في بعض الأماكن قامت الميليشيا بهذا الدور، لكن ذلك لا يتوافق مع سنة الأنبار المستائين.
وقال الريشاوي ” نحن واقعون بين مطرقة (تنظيم) الدولة الإسلامية وسندان الميليشيات ولا نعرف إلى أين نذهب.”
AP