مصطفى أونال
احتلت البرامج الانتخابية مكانها على أجندة جدول الأعمال في تركيا بعد إعلان الأحزاب أسماء مرشحيها للانتخابات البرلمانية التي ستجرى في السابع من يوني/ حزيران المقبل.
كان حزب العدالة والتنمية أول من أعلن عن وعوده الانتخابية. وكان المهم بالنسبة لهذا الحزب الذي يحتكر السلطة منذ 13 عاما هو الإنجازات لا التصريحات. ولكن بعد أن صارت إجراءاتهم تشبة إجراءات حزب البعث في العراق، فما الفائدة من الوعود بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟.. أما معايير الأحزاب الأخرى فهي مختلفة بالطبع.
نوقشت أسباب عدم ذكر “مسيرة السلام” مع الأكراد في البيان الانتخابي للعدالة والتنمية؟ وكان توضيح رئيس الحزب رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو لهذا الأمر هو ما تسبب في احتدام النقاش، حيث قال: “سقطت صفحتان (من البيان الانتخابي) في أثناء الذهاب إلى المطبعة”. ويُدّعى أنها ستُطبع ثانيةً. إنها سذاجة لا تليق بحزب خبير. إذ كان المتوقع إيجاد مسوغ أكثر إقناعا.
لكن ما الذي كان سيحدث لو سقطت الصفحات التي خُصصت للنظام الرئاسي؟ لكان النقاش أشد. إن سياسة العدالة والتنمية إزاء مسيرة السلام معروفة بكل تفاصيلها. فقد ظهرت مؤخرا في أحداث مدينة آغري.
يجب على حزب العدالة والتنمية أوّلا أن يوضح وينظم أفكاره تجاه مسيرة السلام.
كانت أصداء البيان الانتخابي لحزب الشعب الجمهوري فاقت التوقعات. فمنذ 3 أيام أصبح الناطقون باسم العدالة والتنمية والمروجون له في وسائل الإعلام الموالي مشغولين بالرد على وعود حزب الشعب الجمهوري. حتى إن وزير المالية محمد شيمشك قال : “فليُظهروا مصادرهم المالية لتحقيق وعودهم لأنتخبهم أنا أيضا”.
وإن توق حزب الشعب الجمهوري للسلطة بلغ حدا لا يُصدَّق. وليس من المبالغة قولنا إن رئيس الحزب كما كيلتشدار أوغلو يبذل قصارا جهده في صرف إمكانيات حزبه منذ اليوم الأول. فهو كغيره يعرف أن التيار اليساري والسياسة الإيديولوجية، خاصة، باتت جامدة.
فكليتشدار أوغلو يجرب كل الطرق للوصول إلى السلطة. أسماء جديدة .. مشاريع جديدة.. حيث استقدم محمد بكار أوغلو من الرؤية القومية (مؤسسها نجم الدين أربكان) إلى صفوف حزب الشعب الجمهوري، وله تأثير بالغ، وتحدثت معه مطولا في الأسبوع الماضي. حيث قال: “سيكون الاقتصاد استراتيجيتنا في الانتخابات”. وقد انعكس ذلك على البيان الانتخابي. فكان الاقتصاد أبرز ما ورد في الملفات الشخصية لحزب الشعب الجمهوري.
في الانتخابات الماضية كان التركيز على الدبلوماسيين، أما الآن فالتركيز على الاقتصاديين. كما التقطت صورة لكليتشدر أوغلو مع وزير الاقتصاد التركي الأسبق كمال درويش وهو ليس مرشحا للبرلمان، لكنه قد يكون وزيرا للمالية في حال استلم حزب الشعب الجمهوري السلطة. وهو أيضا من بين وعود الحزب. كما أنه يعلم أن الاقتصاد يشكل العمود الفقري للبيان الانتخابي. ولا بد أن تقييمه للوضع سيكون له استجابة في الداخل والخارج كونه الرئيس السابق لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وقد تابعت الاجتماع الذي دعوني إليه في البيان الانتخابي. فكانت كلمة كليتشدار أوغلو محيرة. لم يذكر القصر، وأردوغان وداود أوغلو. حيث كانت كلمته مختلفة عن خطاباته السابقة. ولم يتكلم عن العلمانية والأفكار الأتاتوركية، وذكر المشاريع بدلا عن الإيديولوجيات. وأعلن عن وعوده. وذكر العمال والمتقاعدين والمنح وتكافؤ الفرص. كما قال إن كل بيت سيدخله المال.
فقد وعد وعودا في صالح كل الناس في الشارع التركي. لكن ما مدى المصداقية في ذلك؟ فسجل وعود الساسة في هذا البلد ليس براقاً. والمواطنون يعلمون ذلك. ويدركون ما الذي يحقق لهم المصالح. فالاقتصاد هو العامل الأبرز في كل الانتخابات. فحزب العدالة والتنمية وسع من قاعدته الشعبية بسب المساعدات التي كان يوصلها إلى المناطق النائية. واعتمد على دعم تلك المناطق في حصوله على الأصوات الانتخابية.
ارتفعت أسعار العملات الأجنبية كثيرا. وأصبح الركود في الأسواق ينذر بحلول أزمة. حتى اضطر رئيس الجمهورية أردوغان لذكر كلمة “أزمة”. وحتى لو أضاف إليها كلمة “عابرة”. فالتقلبات العالمية لم تمر على تركيا مر الكرام هذه المرة بل أثرت فيها مباشرة.
فاختيار حزب الشعب الجمهوري الاقتصاد يعد استراتيجية صحيحة بالنسبة له. أي إقناع الشارع بانتخابه. وقد نجح في جعل ذلك منفردا في جدول الأعمال. وأصبح لزاما على العدالة والتنمية أن يرد على ذلك. وكان الذي يحدث من قبل هو أن يطلق حزب العدالة والتنمية وعوده ليرد عليها حزب الشعب الجمهوري.
ما هو احتمال نجاح حزب الشعب الجمهوري في صناديق الاقتراع؟ ليس من السهل أن تنمو حركة سياسية بعد أن كانت متجمدة، لكن طريق ذلك هو الانسجام مع روح العصر والتغيير. وليس ترديد ما هو معروف. بل تحديد الخطى وفق الوقائع السياسية والاجتماعية. نعم بدأ الحزب بالحركة، لكن ثمة طريق طويل أمامه.