إحسان يلماز
تواصل حكومة حزب العدالة والتنمية تناقضاتها في التعامل مع الأزمة الكردية. فمن ناحية تجري المفاوضات مع الزعيم الكردي المعتقل مدى الحياة عبدالله أوجلان والقيادات العسكرية الكردية بجبال قنديل من أجل ضمان الحصول على أصوات الناخبين الأكراد في الانتخابات العامة المقبلة، ومن ناحية أخرى تصدر انتقادات عن الحكومة نفسها للمفاوضات لإرضاء الناخبين القوميين الأتراك في منطقتي إيجة ووسط الأناضول وضمان الحصول على أصواتهم بدلا عن حزب الحركة القومية.
بدأ حزب العدالة والتنمية، الذي يحول دون تدخل قوات الأمن في عمليات استفزازية ضد العناصر المسلحة التابعة لمنظمة حزب العمال الكردستاني للحيلولة دون وقوع أعمال إرهابية وشغب قبيل الانتخابات، وكأنه يقول الآن: “يا ليت الذين يصوتون لصالح حزب الشعوب الديمقراطية الكردي ينصرفون عنه حتى لا يتمكن من دخول البرلمان، ولو أن الذين يؤيدونه لا يتعاطفون مع منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية”.
ووسط كل هذه الضجة الصاخبة، يُقال إن حركة الخدمة التركية تعارض التوصل إلى حل للأزمة الكردية المشتعلة في البلاد منذ سنوات، وأنها تنشط في المنطقة لتحويل الأكراد إلى أتراك. فتلك الادعاءات التي تطلق جزافًا ضد حركة الخدمة التي تعمل على توعية الطلاب الأكراد تجاه الظلم والإرهاب وتساعدهم على الوصول إلى مستويات اقتصاية واجتماعية أفضل مما هم عليه، في الوقت الذي كان يعزف فيه الجميع عن الذهاب إلى تلك المناطق، وينظر البعض إليها على أنها “منفى” وأماكن توظيف للعقاب. فإن صدور هذه الادعاءات من المقربين من العمال الكردستاني يمكن تفهمها إلى حد ما لأن مؤسسات حركة الخدمة صرفت الشباب عن الإقبال على الانضمام إلى صفوف المنظمة. لكن ما يقوم به حزب العدالة والتنمية غني عن كل شرح ولا يمكن تقبله بأي وجه. فقد وصلت افتراءاتهم المتناقضة والمكذبة لبعضها البعض والتي يلقّنونها للرأي العام من أجل تأجيج مشاعر الكره لدى طوائف الشعب المختلفة من الأكراد والأتراك والعلمانيين والمتدينين، تجاه حركة الخدمة إلى حدود غير مسبوقة لا يستطيع حتى المدافعين عن حزب العدالة والتنمية تقبلها وتفهمها.
فالتوجه السياسي لحركة الخدمة التركية ليس موحدًا، عكس ما يزعمه بعضهم. فبالتأكيد نحن نتحدث عن كيان وجماعة اجتمع محبوها ومؤيدوها حول مجموعة من القيم الإسلامية والإنسانية العالمية؛ واجتمعوا حول قيم أساسية مثل الإخلاص، والأخلاق الحميدة، والتضحية، والإيثار، وتربية النفس، والتعليم، والانفتاح على الجميع، والحوار وغيرها من الخصال الجميلة.
ومن المخالف للحقيقة محاولة تصوير أعضاء حركة الخدمة وكأنهم يتحركون كالإنسان الآلي وفقا لتعليمات صادرة عن شخص واحد في عدد من الموضوعات المعقدة مثل شؤون الدولة، والسياسة، والأحزاب، والمشكلات الاقتصادية، والتوجهات الفكرية والأيدولوجية، والفكر القومي، وما يتعلق بالتاريخ.. إلخ. فإن اتفاقهم جميعا على رأي واحد حول كل ما ذكرته من المسائل والمواضيع أمر مستحيل. بل من المؤكد أنه سيكون هناك من لا يفكر مثلي، ويخالف ما أكتبه الآن أيضا، من محبي ومتطوعي حركة الخدمة وهذا أمر طبيعي جدا.
فحركة الخدمة تضم الكثير من الأكراد مثلما تضم الكثير من الأتراك؛ ليس كل الأتراك أو حتى كل الأكراد من متطوعي حركة الخدمة التركية لديهم الفكر نفسه والرأي نفسه تجاه الأزمة الكردية. لكن الشيء الوحيد الذي يمكننا أن نقول أنه متفق عليه من قبل الجميع، هو تمني المساواة بين الأكراد والأتراك والتأكيد على ضرورة تعايش الأكراد مع الأتراك في دولة واحدة بمساواة وكمواطنين من الدرجة الأولى. وبالتأكيد هناك مئات الطرق والسبل للوصول إلى هذا الهدف المنشود؛ وقد لا يكون هناك حديث أو آية قرآنية تنص على صحة أو خطأ إحدى هذه الطرق والأساليب. حتى وإن كان هناك ما ينص على ذلك لظهر من يختلفون في تأويله أو تفسيره. ولو اتفق الأكراد والأتراك على أن نظام دولة فيدرالية أو حكما ذاتيا يكون في مصلحة الجميع في هذا البلد، فإن آراء وردود أفعال متطوعي حركة الخدمة قد تكون مختلفة حسب وجهة نظر كل واحد منهم.
أكد الأستاذ فتح الله كولن أن “اللغة الأم” حق أساسي لكل إنسان، ولم يعترض أحد من متطوعي حركة الخدمة على هذا. وأوضح أن الصلح خير، وأن الخير في الصلح، من أجل التوصل لسلام بين جميع الأطراف. فإن التفاصيل تتبلور أكثر بالتحاور حولها بين الأطراف في ظروف ديمقراطية. وإن المبادرة في الحكم على جماعة لم يكن أتباعها متساوين في كل شيء كأسنان المشط انطلاقا بكلمة أعجبتكم لأحد أفراد تلك الجماعة، لتستغلوها في خدمة مصالحكم، ومن أجل إلقاء التهم والافتراءات عليهم جميعا قائلين: “إذن هذا هو رأيكم أنتم جميعا في هذا الصدد”، فإن ذلك لا يمكن تفسيره إلا بالخداع السياسي البعيد كل البعد عن العدل والإنصاف.