مصطفى أونال
ما هو دور قوائم أسماء النواب في الانتخابات وكيف تؤثر فيها؟ يقول الخبراء في سلوك الناخبين بأن القوائم لا تلعب دورا مهما في الانتخابات وليس لها تأثير كبير في نتائجها. فمن المؤكد أن الزعيم وشعار الحزب لهما تأثير في نفوس الناخبين أكثر من قائمة المرشحين.
ولا يمكن أن نقول إن قائمة المرشحين ليس لها أي دور أو تأثير. وأنا أرى أن مجرد كون القائمة جيدة غير كاف لتحقيق النجاح في الانتخابات، لكن القائمة السيئة كفيلة بالهزيمة فيها، ولا يمكن لحزب صغير أن يكون مرغوبا فيه من خلال قائمة جيدة جدا، ولكن يمكن لحزب ينافس على الزعامة أن يفشل بسبب قائمة سيئة. وإن أداء المرشحين وفروع الأحزاب لها أهمية بالغة.
كتبت كل هذه المقدمة لأنتقل إلى الحديث عن قائمة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا. وكان أكثر الأسئلة التي واجهتها من البداية هو: ما رأيك في قائمة العدالة والتنمية؟ فقد كتبتُ تقييمي الأولي على الفور في المقال السابق. ولكن بعد مرور يومين وجدت فرصة النظر بتمعن أكثر في قائمة العدالة والتنمية.
وكان الجميع يريد معرفة مدى تأثير أردوغان وداود أوغلو في القائمة. فداود أوغلو لم يخسر محله من الإعراب تماما مثلما حدث في موضوع ترشح خاقان فيدان رئيس المخابرات التركية. فقد استطاع أن يضع أسماء رفاقه ومستشاريه في القائمة. فهل هذا يعتبر نجاحا؟ لا، لا يعتبر هذا نجاحا. لأن هذا ما يجب أن يكون. ومن الواضح أن القصر الجمهوري له تأثير قوي على القائمة، لأنها تحتوي على أسماء مرشحين لم يكن داود أوغلو يوافق عليهم ولكن ليس فيها أي مرشح لا يوافق عليه القصر. إذن فالقرار النهائي وكلمة الفصل كان للقصر.
القائمة لها أهمية بالنسبة للعدالة والتنمية، ففي الانتخابات الأخيرة استطاع أن يُدخل 40 نائبا إلى البرلمان من خلال الأرقام الكسرية. وكان معظم النواب الإحتياطيين من نصيب حزب العدالة والتنمية. تذكَّروا أنه فازت في إسطنبول مقاعد بفارق 20 أو 30 صوتا فقط. فالقوائم مهمة من هذه الناحية. فالفوارق الصغيرة قد تحدد مصير الانتخابات.
ومن ناحية أخرى يمر حزب العدالة والتنمية بمرحلة انتقالية. إذ لم يتضح بعد من هو زعيم الحزب؟ أردوغان أم داود أوغلو؟ أم كلاهما؟ ليست هناك إجابة محددة. مع أن هذا لا يعَد مشكلا بالنسبة لمؤيدي الحزب المتعصبين له. لكن الناخبين المشوشة أفكارهم، وإن شعار الحزب لم يعد يؤثر فيهم كما كان في السابق. لأن الحزب لم يعد حزبا أبيض في نظرهم بل صار حزب العدالة والتنمية اسما عاديا مثل أسماء الأحزاب الأخرى. وأصبحت الريح بالنسبة لحزب العدالة والتنمية تهب من الإتجاه المعاكس إذ كانت من قبل تدفعه من الخلف لتزيد سرعته لكنها بدأت تهب من الواجهة لتجعل سيره بطيئا. مع أن الريح ليست شديدة جدا حاليا ولكنها قد تتحول إلى عاصفة مع مرور الوقت.
ففي انتخابات 2011 كانت حصة الحزب 50% من الأصوات. وفي أكثر استطلاعات الرأي العام تفاؤلا فإن النسبة الحالية أقل من ذلك بكثير. وقد تراجعت هذه النسبة في الانتخابات المحلية ضمن ظروف قاهرة ووسط ضجيج كبير. فالتسارع يتجه للأسفل وليس للأعلى. وأصبح الحصول على الخمسين بالمائة من الأصوات غاية صعبة المنال. والتطلع إلى 400 نائب في البرلمان قد تراجع على لسان رئيس الجمهورية الذي قال يكفينا 355 نائبا أيضا. في حين أن رئيس الوزراء داود أوغلو قال: “إذا لم يكن حزبنا الحزب الأول بعد الانتخابات فسوف أقدم استقالتي”.
فهل كان هدف حزب العدالة والتنمية هو أن يكون الأول فقط؟
إن حزب العدالة والتنمية يتطلع أيضا إلى حزب الشعوب الديمقراطية الذي له من الأداء ما قد يحدد قدر الحكومة. وإذا تجاوز هذا الحزب العتبة الانتخابية فحينها سيصعب على حزب العدالة والتنمية تأسيس الحكومة بمفرده. فالأجواء التي كانت وقت وصول العدالة والتنمية إلى السلطة غير متوفرة اليوم. فالمناخ السياسي تغير كثيرا، وانتقلت دائرة الصراع إلى عقر دار الحزب. وهذا الصراع يتسارع باستمرار. فقد حل الخلل في بنية الحزب وبات الحل مستحيلا. وقد ارتسمت خطوط الضعف والوهن في صفوف الحزب الذي أصيب بعلة أصابت يمين الوسط من قبل. وما عادت صفوفه متراصة كما كان في السابق. ولم يعد هناك وفاء وإخلاص. فالقيم التي كان يناضل من أجلها السابقون فقدت أهميتها لدى اللاحقين بالحزب مؤخرا. وأضحى الحفاظ على القوة والسلطة هو الهدف الوحيد لديهم. ولذلك قلت إن الريح بدأت تهب من الواجهة. حيث إن هذا الحزب لم يعد حزب أمثال بولنت أرينتش وعبد الله جول (السابقين). بل أصبح حزب أمثال أفكان علاء وسليمان صويلو (اللاحقين).
وكنت أتحدث مع أحد المنتسبين للحزب بعد صدور القوائم فقال لي: “نظرت إلى المرشحين فكان عدد الذين صوتوا للعدالة والتنمية في 2002 قليلا”. وذكر بعض الأمثلة من بعض المحافظات. وقد قلت كلاما شبيها بذلك حين أشرت إلى المرشحين من الإعلاميين في القائمة. فثمة صحفيون كثيرون مرشحون من العدالة والتنمية. وإن الذين وردت أسماؤهم في القائمة هم من المنضمين إلى الحزب في ماض قريب. وأغلبية هذه الأسماء اقتربت من العدالة والتنمية بسبب الظروف الراهنة. ومن المحتمل أن يكونوا لم يصوتوا للعدالة والتنمية ولو لمرة حتى اليوم. فمن المرشحين الذين لم ترد أسماؤهم في القائمة صحفيون ضحوا الكثير من أجل الحزب منذ سنوات من أمثال محمد أطالاي، وحليمة كوكتشيه، وكمال أوزتورك، وأرول جوكا، يبدو أن الحزب استغنى عنهم ولم يدرجهم في القائمة.
إن قائمة العدالة والتنمية ضعيفة، إذ هي منقطعة عن الجذور. فكل شيئ واضح، ولا بد أنها ستواجه المصاعب عمليا. وكما جرى في السابق فقد يقول أحدهم أنقرة كفيلة بالوضع، لكن الأجواء السابقة لم تعد موجودة في أنقرة، فأصوات العدالة والتنمية لم تعد كافية لفوزه في هذه المنافسة بمفرده. ولذلك ثمة تطلعات إلى الأحزاب المنافسة وبخاصة حزب الشعوب الديمقراطية.