إسطنبول (زمان عربي) – “عمليات الفساد والرشوة التي طالت رموزًا كبيرة من حكومة حزب العدالة والتنمية التي تكشفت وقائعها في 17 و25 ديسمبر/ كانون الأول 2013، وحادث إنزال العلم التركي في مدينة ديار بكر جنوب شرق البلاد، وواقعة الشاحنات التابعة لجهاز المخابرات الوطني التركي المحمّلة بالأسلحة والذخائر المتوجهة إلى سوريا، والأنشطة السريّة لتنظيم السلام والتوحيد الإرهابي التابع لجيش القدس الإيراني”.
هذه الوقائع ألقت بظلالها في السنوات الأخيرة على تركيا. واتسمت بخاصية مشتركة هي استخدام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذه الأحداث كوسيلة لترويج إفتراءته ضد حركة الخدمة التي تستلهم فكر الداعية الإسلامي الأستاذ فتح الله كولن. غير أن أوراق التحقيق والتقارير الرسمية التي أعدتها هيئات ومؤسسات الدولة كشفت بنفسها النقاب عن الافتراءات البشعة والصارخة الموجهة ضد حركة الخدمة. ولنسلط الضوء على هذه الوقائع بشكل أكثر تفصيلًا في ضوء الوثائق التي نفت تصريحات أردوغان والحكومة.
تقرير جهاز المخابرات يكذّب أردوغان في ادعاء أن أحداث 17 و25 ديسمبر كانت مؤامرة انقلاب على الحكومة
زعم كل من أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية بعدما عجزا عن تبرير أعمال الفساد والرشوة البالغة مليارات الدولارات، التي ظهرت في أعقاب أحداث 17 و25 ديسمبر 2013، أن حركة الخدمة قامت بتأسيس “كيان موازٍ” داخل جهازي القضاء والشرطة، وأنها حاولت الانقلاب والإطاحة بالحكومة عن طريق المؤامرات.
إلا أن جهاز المخابرات التركي قدّم تقريرًا للحكومة، التي كان يرأسها آنذاك أردوغان، قبل 8 أشهر من الكشف عن أحداث 17 ديسمبر. أوضح التقرير، الذي تناقلته الصحف ووسائل الإعلام أن رضا ضرّاب رجل الأعمال التركي من أصل إيراني، الذي يقوم بتجارة الذهب في “السوق المغطى الكبير” (Grand Bazaar) في مدينة إسطنبول، قام بدور الوساطة للبنوك والأشخاص غير القادرين على إرسال الأموال إلى تركيا عبر نظام مصرفي بسبب الحصار الاقتصادي المفروض في إيران، وأنه قام بتحويل هذه الأموال السوداء إلى العديد من الدول عبر تركيا.
الأركان العامة للجيش وتقرير جهاز المخابرات فنَّدا تنظيم جماعة” تحشية” التابع لتنظيم القاعدة
أما عن أغرب الافتراءات التي شنّها أردوغان ضد حركة الخدمة فكانت كلمته التي قالها بخصوص محمد دوغان زعيم جماعة “تحشية” التابعة لتنظيم القاعدة. إذ قال أردوغان عنه “حبسوا رجلا أعمى لمدة 17 سنة بوثائق مزيفة”. إلا أن دوغان الذي قال أردوغان عنه إنه أعمى كان يقرأ بكل سهولة الأوراق الموجودة أمامه خلال مشاركته في أحد البرامج التليفزيونية. فضلا عن أن دوغان لم يحبس 17 عامًا بل 7 أشهر. والآن ما هو تنظيم جماعة “تحشية” الذي يتزعمه دوغان وما صلته بحركة الخدمة؟
كشف تقرير دائرة الاستخبارات بالأركان العامة للجيش التركي المؤرّخ بـ 13 مارس/ آذار 2009 عن أن تنظيم” تحشية” يدعم تنظيم القاعدة. وأوضح أن محمد دوغان زعيم التنظيم يرى أن أسامة بن لادن هو القائد “المهدي” وأن تنظيم القاعدة هو “جيش المهدي”.
إلا أن أردوغان أصدر أوامر وتعليمات لجهاز القضاء قاموا عبرها بالاتصال ببعض الشخصيات المنتمية لهذا التنظيم وساعدوهم في أن يرفعوا دعاوى قضائية ضد حركة الخدمة. وزعمت النيابة في مذكرة الاتّهام التي أعدتها أن الأستاذ كولن استهدف في أحد دروسه الدينية هذا التنظيم. وعليه قام قضاء أردوغان في 14 ديسمبر 2014 باعتقال هدايت كاراجا المدير العام لقناة “سامان يولو” التي عرضت على شاشاتها درس كولن.
ضبط أسلحة في شاحنات جهاز المخابرات بعدما زعموا أن بها مساعدات إنسانية
أوقفت النيابة العامة في مدينة أضنة جنوب البلاد بناء على بلاغ مقدم لها شاحنات يُقال إنها تابعة لجهاز المخابرات التركي على الطريق البري بين مدينتي (أضنة وغازي عنتب) في 19 يناير/ كانون الثاني 2014. إلا أنه لم يتم السماح بتفتيش الشاحنات من قبل المدعي العام وفريق قوات الدرك. وعقب هذه الواقعة أدلى أردوغان رئيس الوزراء آنذاك بتصريحات قال فيها إن الشاحنات كانت محمّلة بمساعدات إنسانية للتركمان في سوريا وإن المدعين العموم المقربين من حركة الخدمة قاموا بمداهمة الشاحنات وحاولوا منع وصول هذه المساعدات. وعلى الرغم من أن عزيز تاكتشي المدعي العام المسؤول عن التحقيق في قضية الشاحنات صرّح بأنه ليست لديه صلة بحركة الخدمة إلا أن الحكومة واصلت بعد ذلك افتراءتها. إلا أن مذكرات اتّهام قوات الدرك التي ظهرت بعد عام من الواقعة كشفت النقاب عن أن الشاحنات كانت محملة بأسلحة وليس مساعدات إنسانية كما كان يُزعم.
قضية تنظيم السلام والتوحيد الإرهابي التابع لجيش القدس الإيراني
أما عن قضية تنظيم السلام والتوحيد الإرهابي التابع لجيش القدس الإيراني التي تنظر فيها النيابة العامة في إسطنبول، فتسبب كل من صحيفتي “ستار” و”يني شفق” المقربتين من الحكومة في هروب العملاء الإيرانيين، لاسيما بعدما كتبت على صدر صفحاتها أن “بنسلفانيا (يقصدون بها حركة الخدمة والأستاذ كولن الذي يقيم في بنسلفانيا) تنصتت على 7 آلاف شخص”.
ولم يكتف إعلام أردوغان الذي ساهم في هروب العملاء بهذا الأمر فحسب، بل زعم أن حركة الخدمة قامت بالتنصت على الحكومة محتجة في ذلك بتنظيم السلام والتوحيد.
وأظهرت بعض التفاصيل التي تم الكشف عنها لاحقًا أن جهاز المخابرات التركي قام بالتنصت على 25 مشتبها فيهم تابعين لتنظيم السلام والتوحيد في إطار “عملية التجسس على تركيا” المتعلقة بتسرب المخابرات الإيرانية إلى داخل أجهزة أمنية حسّاسة في تركيا والتي تولت متابعتها مديرية الأمن على مدى ثلاث سنوات بعناية فائقة، لكنه صدر قرار بعدم النظر فيها قضائيًّا عقب الكشف عن عمليات الفساد في 17 ديسمبر 2013. وتبين أن جهاز المخابرات قام بملاحقة 25 تابعين للتنظيم الإرهابي المذكور باعتبارهم جواسيس إيرانيين.
أردوغان زعم أن حركة الخدمة قامت بإنزال العلم التركي في ديار بكر
قام شخص ملثم في 8 يونيو/ حزيران 2014 بإنزال العلم التركي الموجود في قيادة القوات الجوية التكتيكية الثانية في مدينة ديار بكر. وعلّق أردوغان، الذي تحول إلى ماكينة منتجة للأكاذيب عقب كل واقعة، بقوله “بنسلفانيا – كولن – وراء إنزال العلم التركي، وكذلك حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية المعارضتين لحكومته”. إلا أنه تبين بعد 13 يوما من هذه الواقعة أن جهاز المخابرات أرسل منشورًا إعلاميًّا للجهات ذات الصلة وأخبرهم بأن المشتبه فيه الذي أنزل العلم شخص اسمه الحركي أو المستعار هو “عرب” وهو عضو بمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابي.
الحكومة قالت إن تركيا ليس بها مقاتلون من داعش لكن المخابرات نفت صحة ذلك
أحدث إرهاب تنظيم داعش، الذي تسبب في مذابح أكثر وحشية من التي تم ارتكابها في القرن الماضي في العالم الإسلامي، في إحداث حالة من التوتر والازعاج لتركيا. وشغلت ادعاءات انضمام مقاتلين من تركيا لداعش وكذلك انضمام مقاتلين من دول البلقان والقوقاز لهذا التنظيم المجرم عبر تركيا، حيزًا كبيرًا من اهتمام الصحف ووسائل الإعلام التركية والعالمية لعدة أيام. كما تداولت بعض وسائل الإعلام والكثير من السياسيين ادعاءات أنه تم علاج بعض مقاتلي داعش في تركيا. إلا أن أردوغان وحكومة العدالة والتنمية نفوا هذه الادعاءات.
وأبدى أردوغان عقب صلاة عيد الأضحى الماضي ردة فعل شديدة على كلمة جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي التي قال فيها: “تركيا تدعم داعش ماديًّا، إلا أن تركيا استيقظت الآن، وأردوغان قال لي كنتم على حق”، وقال: “إذا كان بايدن قال كلمة كهذه فهو ليس مخاطبي بعد الآن. نحن لم نقدم أدنى دعم لتنظيم إرهابي قط، ولا يمكن لأحد أن يثبت ذلك. وإذا كان السيد بايدن قال هذا فينبغي عليه أن يعتذر لنا”.
وحسب الخبر الصادر في صحيفة “بيلد” الألمانية بتاريخ 23 سبتمبر/ أيلول 2014؛ أكد جهاز المخابرات التركي في التقرير الذي أعده أن تنظيم داعش أفلت من زمام السيطرة عليه في تركيا وأنه يجب التدخل على الفور في هذا الأمر. وذكرت الصحيفة أن تقرير الجهاز التي زعمت الوصول إليه كان يتحدث عن كيفية إدخال تنظيم داعش أعضاء جدد علنًا في جنوب تركيا وكيفية تسهيل عبور هؤلاء الأعضاء إلى سوريا دون أن يواجه عرقلة من الشرطة والجنود الأتراك.