عمر نور الدين
أعلنت الأحزاب السياسية في تركيا قوائم مرشحيها للانتخابات البرلمانية التي ستجرى في 7 يونيو/ حزيران المقبل. تلك هي الخطوة الأولى نحو انطلاق الصراع ومعارك تكسير العظام التي سيخوضها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بلا شك، للحصول على مايريد من الانتخابات المقبلة.. وما يريده هو نظام رئاسي بمذاق تركي تنبعث منه روائح السلطنة العثمانية الشهية في ثوب يسمونه بـ” تركيا الجديدة”.
بعيدا عن الجدل غير المجدي، وغير المثمر أيضا، حول عدم التزام أردوغان بالدستور التركي الذي يحدد صلاحياته كرئيس للجمهورية ويمنعه من التدخل في المسائل الحزبية، فإن أردوغان هو رجل الأمر الواقع الذي لا يعترف بقانون أو دستور، وإنما يعترف فقط بما يريد وهو يريد أن يكون الرئيس” السوبر” لتركيا الجديدة.
وحتى يكون الرئيس” السوبر” فلابد أن يشارك في كل التفاصيل والدقائق وألا تفوته أية شاردة أو واردة فيما يتعلق بتصميم وتفصيل النظام الذي يريده على مقاسه، ولذلك فمن قبيل السفه أن يخرج أحد ليسأل: ” هل شارك أردوغان في وضع قائمة مرشحي العدالة والتنمية للانتخابات القادمة؟”.. والمنطقي أن يكون السؤال عن مشاركة رئيس الحزب رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، الذي لايسمع له أحد صوتا وغالبا لن يسمع له أحد صوتا في المرحلة المقبلة، في وضع قائمة المرشحين للانتخابات.
لا نفترض هنا أن كل ذلك حتى الآن يمكن أن يحقق لأردوغان مأربه، فقد لايفوز حزب العدالة والتنمية بالنسبة المريحة التي تمكنه من تغيير الدستور بسهولة ليصبح أردوغان رئيسا ” سوبر” بنظام لم يسبق له مثيل في العوالم المختلفة لا العالم الأول ولا الثاني ولا الثالث ولاحتى الرابع، لأنه سيكون نظاما صنع في المطبخ التركي على يد طباخ ماهر هو الرئيس نفسه الذي يمارس الصلاحيات السوبر منذ توليه الرئاسة في أغسطس/ آب الماضي، في بروفة عملية لما ستكون عليه الحال بعد ذلك عندما يختفي من تركيا ذلك المنصب المزعج، رئيس الوزراء، حتى تكون هناك وحدة في القرار وكلمة واحدة لرجل واحد يملك كل شئ.
ولذلك لم يكذب نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة التركية، الذي انتهت مدة خدمته عمليا مع كل جيل المؤسسين لحزب العدالة والتنمية، الذين لن يبق منهم بعد الآن سوى أردوغان، عندما قال في حديث لقناة ” بي بي سي” الناطقة بالتركية الأسبوع الماضي:” لا نريد نظاما رئاسيا من العالم الثالث أو حتى العالم الرابع كما أن الأنظمة الرئاسة الموجودة في العالم مثل النظام في أمريكا مثلا كنظام رئاسي مطلق أو النظام في فرنسا كنظام شبه رئاسي، لا يمكن القول بأنها تصلح لتركيا”..
نعم بالتأكيد، فقد قالها أردوغان منذ أشهر: ” النظام الرئاسي بالنكهة التركية ألذ”.
هل يسمع أحد عن رئيس الوزراء في روسيا ديمتري ميدفيديف أو يقرأ اسمه في الأخبار إلا فيما ندر، هكذا هي الحال في تركيا، وهكذا ستكون، بل أشد وأعمق إذا تحقق نظام رئاسي عبر دستور يوضع عن طريق لي الذراع اعتمادا على أغلبية العدالة والتنمية في البرلمان التركي، أو عبر استفتاء يحشد له المخدوعون بخطابات أردوغان الديماجوجية.
كثيرون تحدثوا عن الغضب المكتوم لرئيس الوزراء أحمد داودأوغلو أو عن تمرده المأمول أو عن احتمال رفضه للنظام الرئاسي المنتظر، لكن الحقيقة أن داوداوغلو لن يغضب أو يتمرد أو يثور أو حتى يتكلم، وقائمة حزب العدالة والتنمية الحاكم التي قدمت للجنة العليا للانتخابات تشهد بذلك.
14 رأس حربة لأردوغان
تضمنت القائمة 14 اسما وضعها أردوغان بنفسه، من الآن ترقبوا هذه الأسماء بعناية وتابعوها، فمن بينهم سيكون هناك وزراء مؤثرون ونواب لرئيس الوزراء وأصحاب مناصب مؤثرة في قمة الحزب الحاكم، وبها بعض المجاملات من جانب أردوغان كما في حالة المطرب أوغور ايشلاك مؤلف الأغنية الدعائية لأردوغان التي كانت تصاحب دخوله جميع المؤتمرات الجماهيرية وحملات الدعاية الانتخابية سواء في الانتخابات المحلية أو الرئاسية الأخيرة وحتى في المؤتمر العام الأخير للحزب في أغسطس الذي سلم فيه رئاسة الحزب لداود أوغلو .. هل سمع أحد من قبل عن أغنية لأي رئيس وزراء أو رئيس جمهورية في تركيا باستثناء أردوغان؟!! عموما كانت هبة السلطان لمغنيه ترشحه على أحد مقاعد اسطنبول.
لنتابع باقي الأسماء الثلاثة عشر:
1- براءة البيراق: زوج إسراء الابنة الكبرى لأردوغان والذي ورد اسمه في التسجيلات المسرية حول فضائح الفساد في ديسمبر/ 2013 ، مرشح لمقعد في اسطنبول.
2- فاطمة فارانك: ابنة عم مصطفى مصطفى فارانك مستشار أردوغان، والتي وافقت على مخطط إقامة المجمع الرئاسي المثير للجدل( القصر الأبيض) ، حيث كانت مسؤولة بمجلس حماية الطبيعة، مرشحة عن مقعد في إسطنبول.
3- مجاهد أرسلان: أحد الأشخاص المقربين لأردوغان ومحل ثقته وكان رفيقا له بالسجن في التسعينيات وكان يرفض دخول الحقل السياسي، ورشح عن مقعد في أنقرة.
4- آيدن أونال: كان يتولى في السابق كتابة خطابات أردوغان، مرشح على مقعد في أنقرة.
5- على أوزكايا: محامي أردوغان وتم تعيينه مؤخرا عضوا بالمجلس الأعلى للقضاة والمدعين العموم، مرشح على المقعد الثاني في مدينة أفيون.
6- هاشم هاشمي: والد مساعد اردوغان جمال الدين هاشمي وقد عاد للحياة السياسية بترشيحه على مقعد في ديار بكر جنوب شرق تركيا.
7- لطفية سلوى تشام: زوجة مدير مكتب أردوغان السابق رئيس وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) حاليا سردار تشام، وتم ترشيحها لأحد المقاعد في أنقرة.
8- ناجي أغبال: معروف في أنقرة بأنه أحد أقرب مستشاري أردوغان الاقتصاديين واستقال من منصب وكيل وزارة المالية من أجل الترشح على قائمة العدالة والتنمية في أنقرة.
9- يالتشين أكدوغان: نائب رئيس الوزراء المسؤول عن ملف المفاوضات مع الأكراد وعن شؤون وكالة أنباء الأناضول الحكومية والنائب حاليا عن مدينة أنقرة، والذي دخل حكومة داود أوغلو بعد تلاسن وتصريحات حادة ضد نائب رئيس الوزراء بولنت أرينتش، وكان مستشارا لأردوغان في مجلس الوزراء.
10- أمر الله إيشلار: كان مستشارا لأردوغان في مجلس الوزراء وعين لفترة قصيرة نائبا لرئيس الوزراء بعد فضائح الفساد والرشوة في ديسمبر 2013، ثم استبعد من التشكيل الوزراء في حكومة داود أوغلو فيما شكل مفاجأة، لكنه وضع على رأس قائمة المرشحين في أنقرة.
11- تشاغتاي كيلتش: نجل مدير مكتب أردوغان الأسبق وزير الرياضة السابق سعاد كيلتش، مرشح عن مدينة سامسون بمنطقة البحر الأسود.
12- أفكان آلا: مساعد أردوغان السابق وزير الداخلية المستقيل للترشح عن مدينة أرزروم شمال شرق تركيا.
13- نابي آوجي: وزير التعليم الوطني وكان كبير المستشارين الإعلاميين لأردوغان خلال رئاسته للحكومة للمرة الأولى، ووضع على رأس قائمة الحزب في إسكي شهير وسط تركيا.
هؤلاء هم نواب الموالاة الجدد لأردوغان ومن بينهم سيكون رجاله الجدد داخل الحكومة التي ستتشكل عقب الانتخابات ومن سيؤيدون بصوت عال مشروعه لأن يصبح الرئيس السوبر بعد أن تم التخلص من النواب القدامى أصحاب وجهات النظر المعارضة، لتبدأ مرحلة جديدة لحزب العدالة والتنمية غابت فيها الوجوه التي شكلت مسيرته الناجحة وستحل فيها أدوات يستخدمها أردوغان لتحقيق أغراضه..
لكن هل انتهى كل شيئ عند هذا الحد ، هل صممت تركيا الجديدة ونظامها الرئاسي بالنكهة التركية..
لم يكن حزب العدالة والتنمية يوما ما، منذ ظهوره على الساحة السياسية في تركيا، بمثل هذه الحال من الضعف التي ربما يجري إخفاؤها مع تطورات الحياة اليومية.. لكن يبقى أن هناك أحزابا في مقدمتها حزب السلام والديمقراطية الكردي يشعر بأن بإمكانه أن يشكل تحديا لأردوغان في الانتخابات المقبلة.. وفوق كل ذلك هناك الناخبون وصناديق الاقتراع التي اختصر فيها أردوغان الديمقراطية في تركيا .. فهل سيكون لهؤلاء رأي آخر؟.. انتظروا وراقبوا..