مراد يتكين
هل تصدقونني إن قلت لكم إن هناك مستثمرين أجانب في تركيا – وإن لم يكن لهم الحق في التصويت – يدعون الله كي يتخطّى حزب الشعوب الديمقراطية الكردي حاجز العشرة بالمائة من الأصوات لدخول البرلمان في الانتخابات البرلمانية في 7 يونيو/ حزيران المقبل حتى يتمكَّن من الوقوف أمام مشروع النظام الرئاسي “السوبر” الذي يريده الرئيس رجب طيب أردوغان؟
اقرؤوا إذن هذا المقال من فضلكم.
إن حكومات حزب العدالة والتنمية، منذ وصولها إلى سدة الحكم عام 2002، كانت في نظر الأوساط المالية العالمية رمزًا للاستقرار الاقتصادي والسياسي في تركيا، وكانت محبوبة لديها كثيرًا. وكان المستثمرون الأجانب يدعون الله على مدار 10 سنوات تقريبا ليخرج الحزب أكثر قوة من كل انتخابات يخوضها، وإن لم يكن لهم حق التصويت في الانتخابات.
ثمة سببان رئيسان لهذا الموضوع؛ أولهما هو أن الحزب كان يتمكن من تشكيل الحكومة بمفرده. فالمستثمرون الأجانب، مثلهم في ذلك كمثل المستثمرين المحليين، وهم سئموا من القرارات الاقتصادية التي تتخذها أو بالأحرى تعجز عن اتخاذها الحكومات الائتلافية الفاشلة في إطار نظام مالي معقد وغير ناجح. وكانت النقطة التي وصلت فيها هذه الإدارات السيئة إلى أدنى مستوياتها مع تلك الأزمة الكبرى التي ضربت الاقتصاد التركي عام 2001 ولم تخمد نيرانها إلا باستدعاء الاقتصادي المخضرم كمال درويش من البنك الدولي من أجل الإصلاح المالي في تركيا. ولم يكن أمام المستثمرين سوى باب واحد يمكنهم أن يلجأوا إليه (وهو أن يتمكن حزب قوي من تشكيل الحكومة بمفرده حتى تستقر الأوضاع).
والسبب الثاني هو أن علي باباجان المسؤول عن الملف الاقتصادي داخل حزب العدالة والتنمية في السنوات الأولى على وجه الخصوص استطاع إقناع المستثمرين المحليين والأجانب بأنه سيسير على خطى درويش وأنه سيتصرف بشكل يتناسب مع روح الاتفاق الموقَّع مع صندوق النقد الدولي. وكلما بقي حزب العدالة والتنمية في السلطة بمفرده جذب رأس المال الأجنبي الذي تحتاجه تركيا وكانت هناك أجواء خالية من المخاطر غير المتوقَّعة بالنسبة للمستثمرين. وكانت هذه الوتيرة موازية في الوقت نفسه لفترة شهدت انتهاج أنقرة سياسة خارجية تهدف إلى تطوير علاقات الصداقة مع جميع دول العالم.
كانت أولى الإشارات الدالة على تغيير هذا المشهد هي اتهام رئيس الوزراء السابق رجب طيب أردوغان “لوبي الفائدة” بأنه وراء الاحتجاجات التي شهدها البلاد والتي اشتهرت بأحداث متنزه جيزي في يونيو / حزيران 2013؛ إذ كان أردوغان يؤمن بأن هذه المظاهرات ما هي إلا مؤامرة ذات أبعاد خارجية هدفها إسقاط حكومته.
وكان أردوغان يظن – في الوقت نفسه – أن الأوساط المالية الدولية، حيث كان يلمح إلى اللوبي الإسرائيلي عندما قال “انظروا إلى من يقف وراءهم ويمسك بزمامهم”، ترغب في الحيلولة دون تطور تركيا ونموها تحت حكم حزب العدالة والتنمية المحافظ والمتدين.
وفي الوقت الذي استبدل أردوغان بالخطاب المرحِّب برأس المال الأجنبي الخطاب الذي ينظر إليه بريبة، عيّن في منصب كبير المستشارين الاقتصاديين لرئاسة الوزراء ييغيت بولوط الكاتب الاقتصادي المعروف بتوجهه القومي المعادي للغرب.
لم يتجنَّب بولوط انتقاد باباجان والبنك المركزي أمام الرأي العام. وقد واصل بولوط وظيفته نفسها في القصر “الأبيض” الرئاسي عندما أصبح أردوغان رئيسًا للجمهورية صيف عام 2014.
بدأ أردوغان يوجِّه انتقادات لاذعة لسياسات الفائدة التي ينتهجها البنك المركزي مطلع العام الجاري. وقد حصل باباجان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو أيضا على نصيبهما من الانتقادات، ذلك لأن أردوغان كان ينتقد داود أوغلو بسبب عدم قدرته على الضغط بشكل كاف على البنك المركزي.
كان البنك المركزي الذي لا يسمح لأحد أن يطعن في استقلاليته عن الحكومة ولكن هل كان البنك يا ترى مستقلًا بالشكل نفسه عن أية جهة أخرى؟ كان أردوغان يشك في ذلك ويشير مرة أخرى إلى تأثير “لوبي الفائدة” والأوساط المالية العالمية على البنك المركزي.
وبعد أن قلت ما سبق، أريد أن أشارككم ملاحظة حصلت عليها نتيجة لقاءاتي مع ممثلي الأوساط المالية العالمية والدبلوماسيين الغربيين على مدار أسابيع. فهذه الأوساط ستكون ممتنة من تشكيل حزب العدالة والتنمية الحكومة بمفرده من جديد. لكنهم يبدون قلقين للغاية من زيادة قوة الحزب بدرجة كبيرة حتى يتمكن من إقرار النظام الرئاسي “السوبر” الذي يريده أردوغان.
وسبب ذلك ليس فقط هو خطاب أردوغان السياسي وترجيحاته في الكوادر التي اختارها في هذه المرحلة، بل كذلك أفكاره بشأن نظام الفصل بين السلطات والتوازن والمراقبة بما في ذلك القضاء المستقل.
باختصار، فإن أوساط الاستثمار الأجنبية في تركيا ليست قلقة من تشكيل حزب العدالة والتنمية للحكومة، بل قلقة من زيادة قوة الحزب إلى درجة يسمح معها بتخويل أردوغان صلاحيات الرئيس “السوبر” الذي يريده.
ولا شك في أن من سيقرر ذلك ليس المستثمرون الأجانب الذين لا يحق لهم التصويت في الانتخابات، بل من سيقرر ذلك هو الناخب التركي.
وأرى بعض المستثمرين الأجانب في تركيا – وإن لم يكن لهم الحق في التصويت – يدعون الله ليتخطى حزب الشعوب الديمقراطية حاجز العشرة بالمائة من الأصوات لدخول البرلمان، وإن كانت توجهاتهم السياسية عكس ما يتبعه حزب الشعوب الديمقراطية تمامًا، لكنهم يأملون بذلك أن يتمكَّن هذا الحزب من الوقوف أمام مشروع النظام الرئاسي “السوبر” الذي يريده رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان. فهذه هي الملاحظة التي أردت مشاركتكم إياها.
وفي النهاية أود أن أقول إنه لا شك في أن الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في تركيا يوم 7 يونيو / حزيران المقبل ستكون انتخابات مثيرة للاهتمام حقًا.