علي يورطاجول
شاركت الجاليات التركية في الخارج للمرة الأولى وأدلت بأصواتها في الانتخابات الرئاسية التي أجريت الصيف الماضي. وكانت هذه الأصوات مصدر أمل لحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي كان يستهدف الحصول على 50% من الأصوات في الجولة الأولى، غير أن نسبة المشاركة لم تكن بالمستوى المتوقع؛ إذ كانت نحو 10% فقط.
يبدو أن أصوات المغتربين ستكون مصدر أمل لحزب الشعوب الديمقراطية الذي يكافح من أجل تخطّي حاجز الحد الأدنى من الأصوات البالغ 10% لدخول البرلمان من باب الانتخابات التي ستجرى في 7 يونيو/ حزيران المقبل. فالحزب يتوقع الحصول على 500 ألف صوت من المغتربين. وقبل أن نطرح أسئلة من قبيل: هل هذا ممكن أم أنه توقُّع غير منطقي كما شهدنا في الانتخابات الرئاسية؟، دعونا نلقي الضوء على المشاكل التي شهدتها التجربة الأولى:
هناك نحو 3 ملايين صوت انتخابي للمواطنين الأتراك في أوروبا، وهذا الرقم ليس بالقليل. ولاشك في أن بُعْد مكان صناديق الاقتراع في القنصليات عن الناخب أفضى إلى انخفاض نسبة المشاركة. وإلى جانب ذلك فإن شرط تحديد وقت التصويت بموعد مسبق خفضت نسبة المشاركة كثيرًا. فكان هناك ناخبون لا يعلمون في أي صندوق ومتى سيدلون بأصواتهم، ففضَّلوا البقاء في منازلهم.
لم يكن هذا الوضع ساريًا كذلك بالنسبة للمواطنين الأتراك المغتربين الذين كانوا في تركيا يوم الانتخابات. فأنا – على سبيل المثال- لم أستطع الإدلاء بصوتي يوم الانتخابات لوجوب تواجدي في بروكسل بينما كنت في برلين، وقد أدليت بصوتي قدرًا عند معبر أيفاليك الجمركي يوم الانتخابات وأنا على الطريق. ولم أواجه أية مشكلة لأن لجنة الانتخابات عند المعبر وصلت إلى جميع بياناتي في بروكسل بسهولة، حتى أنني أتيحت أمامي فرصة لتجاذب أطراف الحديث مع أعضاء اللجنة لبعض الوقت. ولو كنت قدرًا قد مكثت في برلين لما كنت سأتمكن من الإدلاء بصوتي، وكان مرشح حزب الشعوب الديمقراطية صلاح الدين دميرطاش سيفقد صوتًا من أصوات ناخبيه.
على أية حال، ألغت اللجنة العليا للانتخابات قيْد التصويت بموعد مسبق، غير أنه ما زال هناك مشاكل لم تُحلّ بعد. فربما يتسبب بُعْد صناديق الاقتراع عن الناخب في انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية في يونيو/ حزيران المقبل أيضا. غير أن البيانات تشير إلى أن مشكلة المشاركة تعاني من أسباب أكثر عمقًا. ومدينة برلين الألمانية تعتبر مثالًا مثيرًا للدهشة من هذه الزاوية. فالعاصمة الألمانية يعيش بها عدد كبير من الأتراك، وهي مدينة تشهد تنظيما ناجحا للناخبين من الناحية الفنية. وبالرغم من ذلك، فقد بقيت نسبة المشاركة عند حدود 8%، وهي نسبة منخفضة للغاية. فانشغال أغلب الناخبين في الساعة المقترحَة لإجراء الانتخابات بعملهم ربما يؤثر سلبًا على نسبة المشاركة. غير أن هذه الظاهرة فسّرها البعض على أنها علامة اتباع لألمانيا. وبحسب هذا التفسير الذي قام به السياسيون فإن الأتراك المقيمين في ألمانيا لم يعودوا يهتمون بالسياسة الداخلية في تركيا. وإذا كان هذا صحيحًا، فإن نسبة المشاركة يمكن ألا تكون مرتفعة حتى ولو كان التنظيم والإستعداد للانتخابات جيدين جدا.
ولأن دولًا مثل فرنسا وإيطاليا تقدِّم لمواطنيها المقيمين بالخارج إمكانية الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات من خلال صناديق مخصصة لهذا الغرض، فربما تعطينا مقارنة نِسَب المشاركة بعض الخيوط الأولية لفهم هذا الأمر.
سأتطرق إلى الحديث باختصار عن مسألة الإشراف والمراقبة قبل الحديث عن حساب حزب الشعوب الديمقراطية للحصول على نصف مليون صوت في الانتخابات من المقيمين في الخارج. تستمر الانتخابات في الخارج لعدة أيام، والإشراف على تأمين صناديق الاقتراع المرسلة إلى تركيا بالطائرات مستحيل تقريبًا. ولهذا السبب فإن حصول الحزب الحاكم على نسبة عالية من الأصوات لن يكون خاليا من الشوائب وأسباب الريبة، كما أنه لن يكون من الصعب أن “تسرَق” الأصوات التي سيحصدها حزب معارض مثل حزب الشعوب الديمقراطية.
لم يكن وزير الداخلية التركي السابق أفكان علاء في الطريق لمتابعة عملية تأمين الصناديق في الانتخابات المحلية التي جرت نهاية مارس / آذار 2014 في انتخابات أنقرة الحساسة التي استمرت حتى منتصف الليل. فأنتم تتوقعون الرسالة التي يبعث بها وزير داخلية حزب العدالة والتنمية الواقف على رأس صناديق الاقتراع إلى الموظفين خلال عملية فرز الأصوات. هذا فضلًا عن أن الانتخابات التي شهدتها العاصمة أنقرة كانت أكثر الانتخابات المشبوهة في عموم البلاد. ولهذا السبب فسيكون من المقلق من الناحية الأمنية أن تنقَل أصوات المغتربين على متن طائرات شركة الخطوط الجوية التركية التي تتصرَّف وكأنها شركة مملوكة للحزب الحاكم. إن حل هذه المشكلة سهل في الواقع. فكما فعل الفرنسيون، لو حُددَت الانتخابات في الخارج بيوم الأحد سترتفع نسبة المشاركة ويجري تأمين الصناديق وفرزها بطريقة أكثر شفافية.
أما توقُّع حزب الشعوب الديمقراطية بأن يحصل على نصف مليون صوت من المغتربين فهو هدف واقعي. فالأكراد الذين يعيشون في أوروبا لم يذهبوا إلى هناك في إطار الهجرة من أجل العمل فقط. فالقارة العجوز تضم عددًا كبيرًا من الأكراد الذين جاءوا كلاجئين سياسيين ولديهم حساسية فيما يتعلق بالقضية الكردية. وقد شكَّل هؤلاء الأكراد كتلة اجتماعية جيدة التنظيم وبعيدة عن الضغوط الممارسة في تركيا.ولهذا السبب يمكن لحزب الشعوب الديمقراطية أن يحشد المغتربين الأكراد على وجه الخصوص ويوجههم إلى صناديق الاقتراع.
هل يستطيع الحزب حصد نصف مليون صوت من الخارج كما يخططون؟ لا ندري. غير أنه من المعقول أن يحصل الحزب على بضعة مئات الآلاف من أصوات المغتربين. ونعتقد أن الناخب التركي الذي سيدلي بصوته في الانتخابات سيتصرف في أوروبا كما يتصرف في بلده تركيا؛ إذن من الممكن أن يحصد حزب الشعوب الديمقراطية نسبة من الأصوات من الأتراك الذين يرغبون في أن يتخطّى الحزب حاجز الحد الأدنى من الأصوات التي تخوّل له دخول البرلمان.