جمالي أونال
من الصعب أن يفهم أي أجنبي ماذا يحدث في تركيا،سواء الألمان أو اليابانيون أو العرب. وحتى الأتراك يجدون صعوبة كبيرة في فهم ما يحدث في بلدهم. أجندة الأحداث تتغير بطريقة سريعة للغاية لدرجة أن المواطن التركي يستيقظ كل يوم على أحداث جديدة تقريبًا…
ولنلخص ما شهدته تركيا على مدى الأيام الثلاثة الماضية .. لقد خرج علينا الرئيس رجب طيب أردوغان على مدار سنين متظاهرًا بمظهر المظلوم، وزعم أنه لم يُسمَح لمن يحملون هوية متديِّنة مثله بإدارة الدولة. وبحسب ما يراه أردوغان فإن الذين لم يَسمحوا له بالوصول إلى الحكم كانوا يقولون: “يمكنك أن تصل إلى السلطة لكن لا يمكنك أن تكون صاحبها”.
فنجح في جمْع الأصوات من الشعب في الانتخابات بهذه العبارات. لكن نظرنا بعد ذلك لنجد أن كل ما قاله كان عبارة عن عملية استحواذ على إدراك الناس واختراق عقولهم من خلال كلمات فارغة المحتوى…
فعلى سبيل المثال أُطلق سراح 236 متهمًا، من بينهم جنرالات بالجيش خططوا لتنفيذ انقلاب ضد حكومة أردوغان وحزب العدالة والتنمية فيما بين عامي 2003 و2007، عقب جلسة محاكمةٍ استمرت 40 دقيقة.
فأولئك الأشخاص الذين نعتهم أردوغان بـ”المتهمين” و”الخونة” في ميادين الانتخابات أُطلق سراحهم بأمر مباشر منه…
وفي لحظة لم يفهم فيها المواطن التركي كيفية إطلاق سراح هؤلاء المتهمين بتدبير انقلاب ضد الحكومة، شهد القصر العدلي في تشاغلايان بإسطنبول، الذي يعتبر من أكثر المباني في العالم حصانة، هجومًا مسلحًا نفذه عنصرانينتسبان إلى حزب جبهة التحرير الشعبي الثوري،واحتجزانائبًا عامًا كرهينة.
وفي الوقت الذي اعتقد فيه الجميع أن المسلحيْن سيطلقان سراح النائب العام، حدث العكس وقتلاه. فردّت الشرطة بإطلاق النار، لتردي المسلحيْن قتيلين. وقد هنّأ الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء داود أوغلو أفراد الشرطة بالنجاح الذي حققوه!
حسنًا، ماذا عليهم أن يقولوا لوصف انقطاع التيار الكهربائي في عموم تركيا في لحظة واحدة؟ فليس من المحتمل أن يحدث هذا النوع من الأحداث حتى في مجاهل أفريقيا.
فالحكومة التركية لم توضح إلى الآن السبب الفعلي لانقطاع الكهرباء في عموم البلاد، أو أنها لا تريد أن توضح السبب.
أعلنت وزارة الاقتصاد قبل يومين عن أرقام ومعطيات حول الأداء الاقتصادي. ففي الوقت الذي وضع فيه أردوغان هدفًا لزيادة الصادرات إلى 500 مليار دولار بحلول الذكرى المئوية لقيام الجمهورية عام 2023، يبدو أنه سيكون من الصعب حتى تكرار أعلى معدل وصلت إليه الصادرات التركية بواقع 150 مليار دولار. فالصادرات تتراجع بسرعة كبيرة؛ إذ انخفضت في مارس/ آذار الماضي، كما حدث في فبراير/ شباط السابق عليه أيضا، بنسبة 10%.
وبحسب أحدث الإحصاءات التي أعلنتها وزارة الاقتصاد (في حين أن المصادر المستقلة تقول إن الأرقام الحقيقية أسوأ من الأرقام المعلنة) فإن نصيب المواطن التركي من الدخل القومي تراجع بواقع 418 دولارًا، أي انخفض من 10 آلاف و800 إلى 10 آلاف و400 دولار. ولم يزد نصيب الفرد من الدخل القومي في تركيا خلال السنوات العشر الأخيرة عن 10 آلاف دولار وكسور.
وفي الوقت الذي تتراجع فيه تركيا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، هل تعتقدون أن مجال الدبلوماسية أفضل حالًا؟
تجد أن إدارة الرئيس أردوغان قطعت العلاقات الدبلوماسية تقريبًا مع بلدان عربية عدة، وفي مقدمتها مصر، إلا أنها تحججت بالأزمة اليمنية في محاولة للتقارب مع تلك الدول.
وصفت أنقرة جماعة الحوثيين في اليمن بالإرهابية، واتهمت إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية لليمن والعراق. فردّت إيران على الفور على أردوغان. حتى أن بعض المسؤولين رفيعي المستوى في طهران دعوه لإلغاء زيارته التي سيجريها إلى إيران يومي 6 و 7 أبريل/ نيسان الجاري. إلا أن أردوغان سيجري هذه الزيارة بالرغم من كل هذه التطورات.
يمر كل يوم على تركيا ويحمل في طياته الكثير من الأحداث المثيرة، فلا نعرف اليوم ماذا ينتظرنا غدًا من مفاجآت…