أورهان كمال جنكيز
أبعدوا إمامًا عن عمله بعدما قال إن عبارة ” رحمتنا ستسبق غضبنا” التي قالها رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان لا تجوز شرعا.
يقول الكاتب اللبناني الشهير أمين معلوف في إحدى رواياته “لم يكونوا يحسون بحاجة إلى الأخلاق لأنه كان لديهم دين”، فيبدو أن هناك الكثير من البشر لا يحتاجون إلى الضمير لأن لديهم دين.
فبأي مبادئ وأية معايير ضميرية تصرف أولئك الذين أبعدوا إمامًا عن عمله؟ هل انتقد الإمام القرارات السياسية للسلطة في الجامع ليكون بذلك قد فعل شيئًا تخطّى حدوده؟
يبدو أن القضية الأساسية لا تكمن في استغلال الدين لتحقيق مصالح سياسية فقط، بل تكمن – في الوقت نفسه – في وجود سلطة سياسية ترغب في احتكار الدين في يدها أيضا… فهؤلاء السياسيون يريدون استغلال الدين لأقصى درجة وكذلك احتكار تفسيره بحسب أهوائهم…
وإذا كان الوضع كذلك، يصبح الإدلاء بالأصوات لصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات “فرض عين”، ويكون كل ما يفعله الحزب – بغض النظر عن ماهية هذا الفعل – يكون قد فعله من أجل “الدعوة المقدسة”، فلدينا زعيم قد “جمع كل صفات الله في شخصه”!
ولهذا السبب يكون اعتبار أي كلمة يقولها هذا الزعيم خطأ هو أخطر شيء، ويكفي لأن يكون سببا ليودِّع ذلك الإمام حياته المهنية.
أولئك يرغبون ألا يقول أحد أي شيء يتعلق بالدين سواهم، ولهذا السبب جعلوا طبع رسائل النور التي ألّفها الشيخ سعيد النورسي حكرًا على الدولة، وأغلقوا بعض دورات تحفيظ القرآن، فهُم يرغبون أن تبايعهم كل الجماعات الدينية في تركيا.
يريدون ألا يستفسر أحد بشأن ما إذا كان أقوالهم توافق الدين الذي يتحدثون عنه ليل نهار أم لا.
وكما نعرف فإنه في العصور الوسطى كان هناك رهبان نصارى كاثوليك يبيعون الأراضي في الجنة كيفما شاؤوا، وكان هناك مساكين يقفون في طوابير لشراء قطعة من الجنة دون أن يسألوا “هل يستحق هؤلاء الرهبان دخول الجنة التي يبيعون أراضيها؟”، فهذا ما يرغب فيه أولئك منا كمواطنين، أي أن نأخذ من المفاهيم الدينية ما يروّجون له من دون أن نطرح سؤالًا واحدًا.
يريدون أن يبايعهم الناس دون أدنى اعتراض حتى وإن حدث تعارض بين الدين الذي يؤمنون به وتصريحات صاحب السلطة السياسية…
ولهذا السبب فإنهم نفوا إمام مسجد في منطقة دولمابهشة حينما قال “لا يصح أن أقول إن أحدًا من المتظاهرين في أحداث جيزي بارك عاقر الخمر في الجامع، فالله مطلع على كل شيء”.كما أبعدوا إمامًا انتقد عبارة “رحمتنا ستسبق غضبنا” التي قالها أردوغان.
وعندما تحتكر السلطة السياسية الدين فإنها لا تعترف بحق الحياة لأولئك الذين يعترضون على ما تقوم به من عمل ويقولون إن هذا أمر شائك من الناحية الدينية…
جريدة بوجون
1/4/2015