عز الدين تشيشيك
أصبحت حزمة قانون الأمن الداخلي قانونا بموافقة البرلمان التركي عليها بعد أن شغلت جدول الأعمال التركي منذ وقت طويل، وكان قد تم رفضها من قبل جميع شرائح المجتمع لأنها تقود البلاد إلى فوضى.
ومن خلال الموافقة على 68 مادة تم انتهاك عشرات المواد من الدستور والقانون الدولي. حيث مُنح المحافظون والولاة صلاحية استحداث التهم والعقوبات المستحقة عنها أيضا. كما منحت الشرطة حق الاعتقال والتفتيش دون قرار من المحكمة. وهذا ما يؤدي إلى تعيين ديكتاتور في كل محافظة بشكل منظم.
وهذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها قانون لانتهاك مبدأ عدم نقل الصلاحية التشريعية ومبادئ دولة القانون والمساواة أمام القانون واستقلالية القضاء. والمواد التي تمت الموافقة عليها في الجمعية البرلمانية العامة تغفل وجود الدستور تماما.
إلغاء الحرية الشخصية:
المادة الأولى تبيح للشرطة اعتقال أي مواطن وتفتيشه وتفتيش سيارته دون قرار من القاضي. فبهذه التغييرات لن يُنظر إلى الأشخاص على أنهم متهمون بارتكاب الجرائم أو لا. وهذا انتهاك للمادة 19 من الدستور والتي تضمن حرية الشخص وأمنه.
وبانتهاك الحرية الشخصية تم تعطيل العبارة الواردة في المادة الثانية من الدستور” الجمهورية التركية دولة قانون”. كما أن هذه المادة تنتهك المادة 20 من الدستور والتي تضمن سرية الحياة الشخصية للفرد كما توجب وجود أمر خطي حتى يصدر قرار بالتفتيش. لكن هذه المادة تسمح بتفتيش اللباس والسيارة بأمر شفوي.
الانقلاب على الحقوق الأساسية والحريات:
المادة 2 تنتهك الحقوق الأساسية والحريات التي ينص عليها الدستور من خلال منح الشرطة صلاحيات تمكنها من الاحتجاز والإقصاء. هذا انتهاك للمواد 13، 14، 15، 17 ، 19 من الدستور لأن قانون الاحتجاز خاص بالأمتعة وليس بالأشخاص. فالمادة 13 تنص على أن التضييق على الحريات والحقوق العامة لا يجوز إلا في الحالات الاستثنائية.
القضاء على حرية تبادل الأخبار:
المادة 14 والمادة 15 تبينان ما هي الظروف التي يمكن فيها التضييق على الحقوق الأساسية والحريات. ولايمكن للشرطة أن تتدخل في الحقوق الأساسية كحرية السياحة وسرية الحياة الشخصية في الظروف العادية إلا بتفعيل هاتين المادتين.
وبمنح صلاحية الإقصاء صارت للشرطة صلاحيات واسعة النطاق بما فيها إبعاد من شاءت. وإذا ما طُبقت هذه الصلاحيات على الصحفيين والطلاب فذلك يعني انتهاك حرية تبادل الأخبار وحرية التعليم.
سيكون كل فرد مجرما محتملا:
تنص المادة 3 من القانون على إمكانية الاستماع إلى إفادة المتضرر أو المشتكي في بيته ومهما بدا هذا الأمر إيجابيا لكنه يمنح الإدارة صلاحيات واسعة لأنها هي من سيحدد ظروف الاستماع إلى الإفادة. وهذا يفسح المجال لنقل السلطة التشريعية.
والمادة 4 تبيح للشرطة رش المتظاهرين والمجتمعين بالمياه عالية الضغط والملونة . وبالتالي يُعد كل المشاركين في المسيرات والمظاهرات متهمين حتى لو كانوا أبرياء بسبب مشاركتهم فقط وسيُعرفون من خلال الألوان التي تم صبغهم بها. وحتى الذين يمرون بالقرب من المظاهرات سيكونون متهمين إذا أصابهم شيء من المياه الملونة.
صلاحية الاعتقال لمدة 48 ساعة دون أي مبرر:
المادة 13 من حزمة القوانين تقر بأن أقل مدة للتوقيف هي 48 ساعة. وبالتالي فالموقوفون عن طريق الخطأ سيبقون على الأقل معتقلين لمدة يومين تحت الحراسة. وهذه الحال تؤدي إلى استغلال المناصب وتحديد الحريات الشخصية من قبل قوات الأمن لأغراض ونوايا سيئة ما قد يؤدي إلى انتهاك حق المقاضاة فيما بعد.
أصبحت شرطة الانتشار السريع تحت أمر المحافظ أو الوالي:
وهذا أكثر ما يخلق النقاشات لأنه ينتهك العديد من مواد الدستور. فالمادة 138 من الدستور وما يليها من مواد تنص صراحةً على أن المدعي العام هو الذي يحقق في الجرائم. ومن خلال هذه المادة التي ينص عليها مشروع القانون يتم إفساح المجال لموظفي شرطة الانتشار السريع العثور على مرتكبي الجرائم. وذلك بمثابة نقل صلاحية التحقيق، وبالتالي الإخلال بالمادة 2 من الدستور والإصلاحات الدستورية المتعلقة بالقضاء.
ستكون هناك جرائم وعقوبات لا ينص عليها القانون:
المادة 16 من الحزمة، وبسبب الصلاحيات الممنوحة للمحافظ، تعطل مبدأ “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص القانون” وهو مبدأ أساسي في القانون الدولي. وأصبحت قرارات المحافظ أو الوالي واجبة التنفيذ بحيث يُعاقب المخالفون لهم بالسجن لمدة قد تصل إلى عام. وإن صلاحية البرلمان تمنح للمحافظين والولاة الذين أصبح بإمكانهم تحديد الجريمة والعقوبة. وريثما يجري التدقيق القانوني حول القرارات والتبليغات الصادرة عن المحافظ أو الوالي فإنه سيتم تعطيل الحقوق الأساسية والحريات بالنسبة للأشخاص، ليصبح كل محافظ في حدود محافظته ووال في حدود ولايته ديكتاتورا مستقلا.
سيكون مستأجرو السيارات مشتبهين معقولين:
وتنص على ذلك المواد 18، 19و20 التي تُحمل بعض المسؤوليات للشركات التي تؤجر السيارات وكأن مستأجري السيارات مشتبه بهم. وأصبح إلزاميا أن تُراقب السيارات عبر الأقمار الاصطناعية بحيث تكون المراقبة مرتبطة بالأجهزة الأمنية. إذن أصبحت الحياة الخاصة والأسرار التجارية للأشخاص تحت مراقبة قوات الأمن والشرطة والمخابرات. وعليه يصبح الناس تحت المراقبة حتى ولو لم يصدر بحقهم قرار بالمراقبة.
إلغاء حرية البحث عن الحقوق:
هذا القانون يسفر عن أكبر تصفية في تاريخ الجمهورية، فقد تمت إحالة مدراء الأمن والشرطة للتقاعد بعد أن أفنوا أعمارهم في خدمة سلك الأمن والشرطة وذلك دون مطالبتهم بالتقاعد. وسوف يُفسح المجال لإغلاق مدارس الشرطة وسيرسل طلابها إلى الجامعات، وهذه التغييرات تلغي مبدأ الأمن القانوني وحرية البحث عن الحقوق.