علي بولاج
لن يعيش الأكراد مع العرب والإيرانيين بحسب ادعاء تردده في السنوات الأخيرة فئاتٌ محافظة قومية في تركيا من جهة والقوى الدولية من جهة ثانية.
وفي الواقع فإن هذين الفريقين يهمسان في أذن الأكراد ويقولان: “لا يمكنكم العيش إلا معنا أو مع أولئك الذين نحددهم لكم”، وفي تلك الأثناء يعمدان إلى زرع بذور الفرقة بين الأكراد وسائر شعوب المنطقة.
وفي الواقع ينبغي لنا انتقاد كلا الادعاءين. وعلينا أن نقول إنه لا يمكن بأي حال ألا تعيش مجتمعات إنسانية في أي مكان في العالم جنبًا إلى جنب من حيث البنية الوجودية. فبغض النظر عن الدين والمذهب والعرق والأصل، فإن جميع البشر من صنع الله. فأصلهم واحد وهو الروح المنفوخة، وهي أمر إلهي من الله. أي أن جميع البشر يتشاركون في الأصل نفسه. ولايمكن لبنياتهم الوجودية أن تحُول دون أن يعيشوا جنبًا إلى جنب.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال في حديث شريف: “كلكم لآدم وآدم من تراب”. فصفة ذلك التراب، كأن يكون قاسياً أو ناعمًا أو يكون لونه أبيض أو أسود أو أصفر أو أحمر، لايغير من خصائصه شيئًا. ونفهم أن عدم التجانس في الأنسجة ناجم من عجزنا على خلط جميع الأتربة معًا ومن زواج رجال ونساء من أعراض وألوان مختلفة ببعضهم البعض.
تفصل الاختلافات الإقليمية والثقافات والأعراف والتقاليد المجتمعات المختلفة بشكل من الأشكال، غير أن القرآن الكريم يقول إن هذه الاختلافات هي وسيلة لفهم البشر بعضهم بعضاً وتعارفهم من أجل العيش معًا، ويجب ألا تكون سببًا للفرقة والصراع. كما أن الثقافات والأعراف تتغير باستمرار، فيأخذ بعضها من البعض الآخر أشياء، فيزيد ثراؤه بهذه الطريقة.
لاشك في أن السبب الرئيس لجمع المجتمعات المختلفة بشكل حقيقي جنبًا إلى جنب هو أديانهم ومعتقداتهم ومصالحهم المشتركة. ولم يعترف أي دين غير الإسلام بحق الوجود في إطار القانون للمنتسبين إلى ديانات يعتبرها باطلة. والأقوام والشعوب المختلفة المنتسبة إلى الدين نفسه متساوون، وليس لأحد فضل على آخر إلا بدرجة تقواه وتحليه بالأخلاق الحميدة. وعليه، فليس هناك أي مانع ديني يحول دون عيش الأكراد مع العرب أو الأتراك أو الفرس جنبًا إلى جنب في المنطقة، بل على العكس تمامًا فإن جميع الشعوب المسلمة ينتسبون إلى أمة واحدة وسيتجمعون تحت لواء النبي محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة على اعتبار “وحدتهم العقائدية والسياسية”.
إن الأعراف والعادات وما إلى ذلك من الخصائص الاجتماعية العامة لدى الأكراد تنهل من المصدر نفسه الذي تنهل منه الشعوب المسلمة الأخرى. فهل يمكن أن نفكر بالمعنى المتطرف بشأن أحمد هاني وسعيد النورسي وابن عربي وملا صدرا والغزالي وابن تيمية بشكل منفصل؟ بطبيعة الحال لا! ولا ريب في أننا لا يمكن أن نتغاضى عن الاختلاف اللغوي والأسلوبي بين تلك الشخصيات، لكن توجد وحدة في الطبيعة والماهية فيما بينهم.
إن الظلم الذي يتعرض له الأكراد الذين يعيشون في أربع دول مختلفة هو إحدى نتائج سيئات تلك الدول. ولقد رأينا كيف أن صدام حسين قتل آلاف الأبرياء في حلبجة عام 1988. لكن صدام لم يقدِم على فعل ذلك من خلال هويته “المسلمة – العربية”، بل فعله بهويته “العربية القومية البعثية”. كما فقدَ عشرات الآلاف من الأكراد حياتهم في تركيا، لكن الذي حرم الأكراد من حقهم في الإعلان عن هويتهم ولغتهم ليس الشعب التركي، بل الدولة التي حاولت حتى تتريك الأتراك أنفسهم. والأمر نفسه ينطبق على سوريا وإيران اللتين تنتهكان حقوق الأكراد.
نجد أن هناك اتجاهين يحرضان الأكراد بقولهما “لايمكنكم العيش جنبًا إلى جنب مع العرب والإيرانيين”، وهما:
1- القوميون المحافظون في تركيا: يرغب أولئك في السيطرة على المنطقة؛ إذ لديهم مشروع إقليمي جديد تحت رعاية تركيا من خلال الفكر العثماني الجديد. وأولئك يحاولون استغلال هذا الخطاب لتأسيس بنية تحتية ذهنية للتحالف التركي – الكردي لمنافسة إيران وإخضاع العرب لسيطرتهم.
2- القوى الدولية: وهذه تريد استخدام الأكراد كقوة “إنفاذ للقانون” في مواجهة العرب والأتراك والإيرانيين حتى لا تتعرض سيطرتهم على المنطقة للخطر. وأما الوصف الذي يعتبرونه يليق بالشعب الكردي فهو “الشعب المحارب العلماني صديق الغرب وإسرائيل”!
لاشك في أن كلا الفكرين والمشروعين يضران بالأكراد وشعوب المنطقة على حد سواء. فالعقيدة الدينية التي يحملها الأكراد وخبراتهم التاريخية ومصالحهم المشتركة تجبرهم على العيش مع سائر شعوب المنطقة جنبًا إلى جنب في سلام ووئام.
جريدة زمان 21/3/2015