علي بولاج
لفت جميل باييك أحد زعماء منظمة حزب العمال الكردستاني انتباهنا إلى ثلاث نقاط في تصريح أدلى به إلى مجلة” ذي إيكونومست”:
1- لسنا تنظيمًا ماركسيًّا لينينيًّا، ونرفض استبداد طبقة أو حزب ما.
2- يجب ألا ينظَر إلى الحكم الذاتي على أنه استقلال. فنحن لا نريد توحيد جميع الأكراد الذين يعيشون في تركيا وإيران والعراق وسوريا لإقامة دولة كردستان كبيرة. وإذا كان أكراد العراق يرغبون في إقامة دولة
خاصة بهم فهذا أمر يخصهم وحدهم.
3- يجب أن يكون للأكراد في تركيا نظام مقاطعات وحكم ذاتي فيدرالي. وهذا هو رأي زعيم المنظمة عبد الله أوجلان كذلك. وربما يكون نموذج سويسرا الفيدرالي أو أية دولة أوروبية أخرى. (نشرة العالم، 14/2/2015)
تقترب القضية الكردية من الحل النهائي. وستتخذ هذه القضية شكلًا جديدًا مع المنطقة خلال السنوات القليلة المقبلة. ولا شك في أن توزيع الأكراد على 4 بلدان لايشكل أساس المشكلة، فانظروا إلى العرب المنقسمين.. كم عدد الدول التي يعيشون عليها! والظلم هو وضع حواجز دولية لإقامة الأكراد الذين يعيشون في أربع دول علاقات مع أقاربهم وجيرانهم. والظلم الأكبر من ذلك هو إنكار هوية الأكراد كشعب مستقل بذاته وإخضاعهم للاندماج وانتزاع حقهم في الحديث بلغتهم الأم في الأماكن العامة من أيديهم.
نفهم الآن أن هذه الوضعية لن تستمر على هذه الحال. وكنا نريد أن تعترف دول المنطقة بحقوق الشعب الكردي دون أن تنشب صراعات فيما بينها. لكنهم لم يفعلوا ذلك، فجاءت القوى الخارجية التي بدأت تفرض الحل على جميع دول المنطقة. واليوم القوى الغربية العالمية هي التي تحمي الأكراد لا دول المنطقة.
بالرغم من كون الوضعية على هذا النحو فإن هناك شكاً يحوم حول إيجادهم حلاً دائماً لهذه القضية لسببين: أولهما أن أولوية الغرب في المنطقة هي أمن إسرائيل وآبار النفط. أما نشوب الخلافات بين المسلمين فمتعلق بهذه الأولوية.
أما السبب الآخر فهو النماذج التي فرضوها على المنطقة، وإن كانت نيتهم حسنة، هي نتاج تجاربهم التاريخية، ولا يمكن أن تتناسب مع المنطقة. فالملكيات التي فرضها الإنجليز والنموذج الجمهوري الفرنسي والنظام الاتحادي الذي تطرحه الولايات المتحدة حاليًا غريب على المنطقة.
كانت المنطقة قد أدارتها الدول الكبرى أو الإمبراطوريات على مدار التاريخ، وقد عاش تحت مظلة هذه الدول أصحاب الأديان والمذاهب والمجموعات العرقية المختلفة جنبًا إلى جنب. أما النماذج التي يقترحها الغرب فهي تطرح التطهير الديني والمذهبي والعرقي. فعلى سبيل المثال نظام الاتحاد السويسري الذي يشير إليه باييك يستند إلى مبدأ “أرض القوم دينهم” استنادًا إلى اتفاقية ويستفاليا التي وقعت عام 1648. ولا يمكن لبروتستانتي أن يعيش في اتحاد أمير كاثوليكي، ولا يمكن العكس كذلك. فماذا سيكون مستقبل الأعراق الأخرى غير الأكراد في المقاطعات أو الاتحادات التي تقترحها النخبة الكردية؟ هل سيعيشون كأقلية؟ أم هل سيجري دمجهم؟ أم سيخضعون لعملية تطهير عرقي؟ ويجب أن نجد نموذجًا يحصل فيه الأكراد على جميع الحقوق التي حرموا منها سابقًا، لكن يجب ألا يعرضوا سائر المجموعات العرقية الأخرى للحرمان ذاته.
لم يقف أحد لمناقشة مقترحات عبد الله أوجلان في هذه المسألة بالقدر الكافي. وفي ملاحظات الخطاب الذي نشرته وكالة فرات للأنباء بتاريخ 3/9/2010 يقول أوجلان إنه يضع الأكراد المقيمين في الغرب في الحسبان بينما تناقَش مسألة “الحكم الذاتي الديمقراطي”، ويقول: “لايستند المشروع إلى العرق والجغرافيا. فهو يبحث عن دولة قومية”. وإذا كان مشروعه لا يستند إلى عنصر العرق فهو لا يدافع عن دولة قومية وإن لم يستند إلى عنصر الجغرافيا فهو لا يقترح الكيان الإقليمي”. يخبرنا أوجلان بأنه مدرك كيف أن الدولة القومية التي أسماها ويبر “القفص الحديدي” تربط الشعب من رقبته وتأسره: “هذا النظام مخالف لواقع تركيا والشرق الأوسط. لا أقول لنلغِ الدولة القومية فورًا، لكننا لا يمكن أن نقبلها كما هي”. ويدعي أوجلان أنهم اقترحوا نموذجًا لا يكتفي بتركيا بل يكون ساريا كذلك بالنسبة للعراق والمنطقة بالكامل.
لا نعرف على وجه الدقة ما هو ذلك النموذج. فالمثقفون والسياسيون والأكاديميون لدينا غريبون كثيرًا على فكرة النموذج الخاص بها، لا سيما وأنهم يفكرون دائمًا في نماذج الباسك وإيرا والتاميل.
لا شك في أن مفاوضات السلام مع الأكراد مهمة، فهناك جمهور عريض تبنى فكرة هذه المفاوضات. وبكل تأكيد فإن حقن الدماء أهم من كل شيء. وفي تلك الأثناء لنناقش النماذج التي تشمل المنطقة بأسرها. فالغرب لديه “مشروع الشرق الأوسط الكبير” فلماذا لا يكون لدينا نحن أيضًا مشروع ونموذج مشترك؟