مصطفى أونال
لقد حُلَّ لغز رئيس المخابرات التركية خاقان فيدان ولم يخيم الهدوء على الأجواء بالطبع بل ترك خلفه خسائر فادحة.
إن مسألة فيدان تحولت إلى مشكلة داود أوغلو. الاسم الأبرز في حزب العدالة والتنمية. إذ إنه لم يستطع ترشيح المسؤول في انتخابات البرلمان بعد أن جعله يستقيل قائلا له : “أنا بحاجة إليك في السياسة”. نحن اليوم بصدد حادثة سياسية لم نشهد لها مثيلا، وإن لم تسلط عليها الأضواء كثيرا. وهذه الحادثة تنبئ عما سيحدث من مشاكل وصعوبات أثناء تحضير قوائم المرشحين للانتخابات البرلمانية في حزب العدالة والتنمية. ومن الواضح أن العدالة والتنمية هو أكثر الأحزاب تعرضا للمصاعب قبل الانتخابات.
فكيف سيكون حل لغز عبد الله جول؟ رئيس الجمهورية (أردوغان) وجه إليه دعوته. فهل دعوته صادقة أم أنها تكتيك سياسي؟ أم رسالة مضادة لداود أوغلو جوابا لحملته الفاشلة المتعلقة بفيدان؟ وليس مما يخفى أن داود أوغلو مستاء من دعوة جول. فأسلوبه وأقواله تفصح عن ذلك. إذ قال: “إن أبوابنا مفتوحة تجاهه”. لأن هذه المقولة تقال لأي مترشح لعضوية الحزب في الانتخابات. أما بالنسبة لجول فهو يستحق ترحيبا أكثر حرارةً وحميميةً.
فجول ليس شخصا عاديا بالنسبة للعدالة والتنمية. إذ له مكانة خاصة في قصة داود أوغلو. فهو الذي أحضر داود أوغلو إلى أنقرة وأدخله في عالم السياسة. وما كان ينبغي على داود أوغلو أن يرحب بترشح جول بهذه الطريقة الباردة. بل كان عليه أن يجهر بترحيبه دون استخدام عبارات مبهمة، وأن يجعل ترشيحه مطلب الحزب وأن يفتح له الباب على مصراعيه.
ولكن هل سيعود جول إلى السياسة؟ ما الذي يفكر فيه؟ فلا بد أنه ممتنٌّ من قرع بابه وعرض الترشح عليه. ففي الآونة الأخيرة أُهمل من قبل من كان يتحدث عنه بأنه “رفيق دربه” و”أخوه”. فحزب العدالة والتنمية سيدخل التاريخ بعدم وفائه. فهل هناك من لم يتخلَّ عنه العدالة والتنمية من الرفاق الذين كانوا إلى جانبه في بداية الطريق. وعلى رأس أولئك عبد الله جول. فقيادة الحزب لم تأبه بحقوق جول في الحزب بسبب ما قدم له. وقد أصدروا قانونا كي يحرموه من الترشح ثانية. فرسالة “نود أن تكون عضوا في البرلمان” هامة جدا بالنسبة لجول ولو أنها تأخرت 6 أشهر.
وهذا الوضع لا يلغي انكسار جول. ولكن حتى مجرد التذكير به قد يشعره بالامتنان. وما الذي سيفعله جول؟ أظنه لا يتسرع بالرفض. بل يود التحدث، لأن في جعبته ما يود قوله. فحزب العدالة والتنمية ليس في الموقع الذي تركه فيه. فقد أضاع هويته الإصلاحية. والتطورات لا تنبئ بالخير أبدا. وأنا متأكد من أن جول يتبنى حزب العدالة والتنمية الذي أسسه. ولكنه لا يتبنى قياداته بمن فيهم أردوغان.
وهو أحد أكثر الناس علما بأن الدولة تدار بشكل سيئ للغاية. كما أنه يعلم التطورات التي تحدث خلف الأبواب المغلقة. وهل يمكن أن تجري حادثة كحادثة فيدان في دولة أخرى؟ وأي من إجراءات العدالة والتنمية يعد صحيحا ومقبولا في دولة تدار بديمقراطية سليمة. وهل يمكن أن تحكم دولة معقدة كتركيا كما تدار فروع الحزب في المحافظات بأفكار ومبادئ أيديولوجية خاصة بالحزب.
كانت تركيا النجم الساطع في المنطقة في وقت من الأوقات. لكنها أفنت كل رصيدها في الخارج وانكمشت على نفسها. وهل يمكن ألا يعرف جول كل هذه الأمور؟ مستحيل. ولذلك لا يتبنى قيادة الحزب ولكنه في نفس الوقت لا يتخلى ولا يتنازل عن حقه في الحزب كما لا يمنحه لشخص آخر. ولا يمكنه أن يتخلى عن الحزب كليا. من أجل ذلك فقط وقع على بعض القوانين التي لم تعجبه في أواخر عهده بالقصر الجمهوري القديم (تشانكايا).
فإن أسلوبه المتزن واللبق وخطاباته اللينة وهدوءه، كل ذلك بسبب تمسكه وانتسابه القوي لحزبه. ولذلك سينتظر ليتأكد من جدية الدعوة الموجهة إليه. ثم بعد ذلك سيتخذ قراره النهائي. وهو لا يفكر أن يبقى مجرد عضو في البرلمان. ولا أظنه يقبل أن يكون رئيس وزراء تحت وصاية أحد. وليس له الفانتازيات والأحلام مثل النظام الرئاسي على الطراز التركي.
وإن فكر أن حزب العدالة والتنمية سيسلك طريقه إلى طبيعته السابقة من خلال عودته إلى الحزب فإنه سيقبل الدعوة. وإلا فهو يعلم جيدا أن مزاولة مهنة السياسة في حزب مستعد للخوض في أي مغامرة ولا يمكن التنبؤ إلى أي مصير يدفع البلاد كحزب العدالة والتنمية الحالي لا يجلب أي نفع لا له ولا للبلد.
قد يكون هذا حكما حادا ولكن جول لا يعود إلى السياسة إلا إذا كان لديه أمل بتخليص العدالة والتنمية من هذه الرؤية. وإلا ماذا سيفعل في حزب العدالة والتنمية الذي أصبح عبد الله أوجلان فيه أعلى مكانة وأهمية منه؟
جول الذي أعرفه لا يرضى أن يكون نائبا برلمانيا عن العدالة والتنمية الذي بات أشبه بحزب البعث في سوريا. بل ينتظر أن يعود حزب العدالة والتنمية إلى أصله في الغد. وإن غدا لناظره قريب.