بقلم: سلجوق جولطاشلي
يصدر أردوغان القوانين التي يريدها كيفما يشاء، فالبرلمان تحت سيطرته، وله وزير داخلية يحذو حذو أنور باشا وزير الحربيّة (22 نوفمبر 1881 – 4 أغسطس 1922) ، الذي كان يصدر ما يحلو له من قوانين، وسلطة القضاء استسلمت لهذا الوضع، والأمن مُنصاع لجميع الأوامر، ويتم إقصاء الشرطي غير المرغوب فيه أو إرساله إلى أبعد نقطة على خريطة الدولة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]جملة القول هي أن كل شيء يسير على ما يرام، وهناك دواعٍ كثيرة تسر وتسعد أردوغان وتجعله واثقًا من نفسه، إلّا أن أردوغان أصبح أكثر توترًا وعصبية وعدوانية في خطاباته عن ذي قبل، وكأن أسارير وجهه قد انكمشت وفارقت الابتسامة محياه، فإن لم يهدد الجميع في كل لحظة، وإن لم يعلن أن حركة الخدمة هي”دولة موازية وخائنة” مرة واحدة في اليوم على الأقل، يبدو عليه القلق من أن تنزلق الأرضيّة التي تقف عليها قدماه.[/box][/one_third]فاز بالانتخابات البلديّة مع أن اسمه تلطخ بمزاعم أعمال الفساد، وهو الآن أقوى مُرشّح في انتخابات رئاسة الجمهورية، التي سيختار الشعب فيها رئيسه للمرة الأولى، وهناك 28 قناة تلفزيونية تبث على الهواء برنامجه الانتخابي الذي بشر بترشحه للرئاسة، وعندما سمع شعار “أكمل الدين من أجل رغيف الخبز” انقشع تردده تمامًا بشأن فوزه في الجولة الأولى.
وتتعامل الصحف والتلفزيونات المحسوبة على النظام الحاكم بالقمع وتسد الطريق أمام المرشحين الآخرين وتشوه سمعتهم، من أجل أن يحصل قائدهم على المركز الأول في سباق الانتخابات.
لقد أصبحت أعمال الفساد والرشوة في طي النسيان، بل وصدَّقَ الجميع أن تركيا كانت تواجه مُخططا لمحاولة إنقلاب مُريع في السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وبالغوا فيه لدرجة أن مخططات الانقلاب العسكري التي كان من المفترض تنفيذها في عام 2004 والتي عُرفت بـ Sarıkız (الفتاة الشقراء) وAyışığı (ضوء القمر) وEldiven (القفاز) تعتبر بالنسبة لهذا المخطط لا شيء، وكأنها كانت سيناريو حرب لا أكثر، وتم إخلاء سبيل جميع السجناء بعدما أدركوا المؤامرة! كأنه كان يلزم عمل تحقيقات ضدّ أعمال الفساد حتى يتم إدراك المؤامرة! وكأن هذه التفاصيل لا تحمل أي قدر من الأهميّة!
وجملة القول هي أن كل شيء يسير على ما يرام، وهناك دواعٍ كثيرة تسر وتسعد أردوغان وتجعله واثقًا من نفسه، إلّا أن أردوغان أصبح أكثر توترًا وعصبية وعدوانية في خطاباته عن ذي قبل، وكأن أسارير وجهه قد انكمشت وفارقت الابتسامة محياه، فإن لم يهدد الجميع في كل لحظة، وإن لم يعلن أن حركة الخدمة هي”دولة موازية وخائنة” مرة واحدة في اليوم على الأقل، يبدو عليه القلق من أن تنزلق الأرضيّة التي تقف عليها قدماه.
يهدَّد كل من أخذ درجة منخفضة في اختبار الصداقة الحميمة والذين لم يصدقوا محاولة الانقلاب، وعلى رأسهم أعضاء “الدولة الموازية” منذ أحداث السابع عشر من ديسمبر، وكذلك يهدد الذين لم يصدقوا أنه كانت هناك محاولة انقلاب عليه أو الذين صدقوا وهم مرتابون أو حتى الذين صدقوا ولم يظهروا مدى تصديقهم على النحو المطلوب.
لقد تعمق خوف أردوغان لدرجة أنه لا يهدد أعضاء” الدولة الموازية”، فحسب، إنما أضحى يهدد أيضًا أقرب المقربين إليه وحماة حزبه منذ 13 عامًا، مع أنه يفترض أن يكون وجودهم بجواره في هذه الفترة هو العامل الذي يبعثه على الشعور بأنه أكثر أمنًا وسلامًا.
أخذ أردوغان يردد اسم “الدولة الموازية” صباح مساء، منذ أحداث السابع عشر من ديسمبر وحتى الآن، لكنه عجز عن أن يرسّخ هذه الفكرة في أذهان الجميع كما يشاء، باستثناء المتواجدين في محيطه الضيق الذين علّقوا حاضرهم ومستقبلهم على وجوده.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لقد تعمق خوف أردوغان لدرجة أنه لا يهدد أعضاء” الدولة الموازية”، فحسب، إنما أضحى يهدد أيضًا أقرب المقربين إليه وحماة حزبه منذ 13 عامًا، مع أنه يفترض أن يكون وجودهم بجواره في هذه الفترة هو العامل الذي يبعثه على الشعور بأنه أكثر أمنًا وسلامًا. أخذ أردوغان يردد اسم “الدولة الموازية” صباح مساء، منذ أحداث 17 من ديسمبر وحتى الآن، لكنه عجز عن أن يرسّخ هذه الفكرة في أذهان الجميع كما يشاء، باستثناء المتواجدين في محيطه الضيق الذين علّقوا حاضرهم ومستقبلهم على وجوده.[/box][/one_third]ويزداد قلقه كلما رأى وزراءه ومستشاريه لا يدور على ألسنتهم الهراء الفارغ الذي يقوله عن “الدولة الموازية” على الرغم من إصراره، لأنه يريد منهم تأييدًا وتصفيقًا ومبايعة كاملة دون نقصان، لدرجة أن من لا يصفق ببهجة وإثارة للقائد على النحو المطلوب، أصبح في نظره من” الدولة الموازية”.
إلتقيتُ صديقا قديما من صفوف حزب العدالة والتنمية، وقال لي: “هناك قاعدة جديدة داخل الحزب؛ إذ جرت العادة الآن على أن من لم يصفق لأردوغان تقع عليه الشبهة في ولائه له”.
لقد أصبح التصفيق معيار الولاء والجدارة والتشجيع، وإذا كنا نتحدث عن الأنظمة الحاكمة الآن، فإنه يتبادر إلى ذهني مشهد التصفيق في رواية “أرخبيل الغولاغ” لاكسندر سولجنتسين، الروائي الروسي الذي قضى ردحًا من حياته في السجون والمعتقلات، حيث كان يعد الأمين العام للحزب الشيوعي واعتقل قبل وقت قصير من المؤتمر الأول للحزب في موسكو، وفي ختام المؤتمر طُلِب من المشاركين التصفيق لرفيق دربه “ستالين”، احترامًا وإجلالًا فنهض الجميع واقفين على أرجلهم، وأخذوا يصفقون بحدّة له، ومضت ثلاث أو خمس دقائق ولم ينقطع التصفيق، أخذ التعب يتسلل إلى أذرعهم، ووهنت كفوفهم، إلّا أنه لم يوجد بينهم شخص واحد تجرأ على الجلوس.
لقد عقد الجميع آمالهم على الأمين العام الجديد، إلّا أن سابقه تم القبض عليه، فهو أيضًا خائف مذعور، وكان رجال مفوضية الشعب للشؤون الداخلية الموجودين بالقاعة يصفقون من جانب، ويراقبون بعضهم البعض ليحددوا أول من سيقطع التصفيق ويجلس في مقعده من الجانب الآخر، إلّا أن التصفيق وصل إلى الدقيقة الثامنة، ولم يجلس أحد بعد، وما أن جاءت الدقيقة الحادية عشرة حتى جازف مدير مصنع ورق وأنهى تصفيقه ثم جلس في مقعده، وراحت أعين الحاضرين ترمقه في ذهول ثم تبعوه في الجلوس، وفي هذه الليلة أمرت المفوضيّة بالقبض على مدير المصنع وزج به في السجن لعشر سنوات، وعندما أراد المدير أن يعرف جريمته، قالوا له :”حذار أن تكون أنت أول من يقطع التصفيق”.
لا أحاول هنا أن أعقد مقارنة أو أبحث عن أوجه الشبه بين تركيا اليوم والاتحاد السوفيتي السابق، وكل ما أريد أن أقوله هو إنه إذا كان التصفيق للقائد يشير إلى تحول المعايير في إرادة الدولة ويعتبر هو معيار الولاء، فلدينا إذن سبب كاف للقلق!