شاهين ألباي
حدثت الأسبوع الماضي واقعة لم تشهدها تركيا وربما العالم بأسره أيضاً من قبل. كان رئيس المخابرات التركية خاقان فيدان قد أعلن استقالته من منصبه يوم 7 فبراير/ شباط الماضي بحجة أن العمل “أرهقه كثيرًا” ثم تقدَّم للترشح في الانتخابات البرلمانية المقبلة على قائمة حزب العدالة والتنمية الحاكم.
دعم رئيس الوزراء أحمد داودأوغلو استقالة فيدان وقال إنه “يلزمه في عالم السياسة”. بيد أن رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان اعترض منذ اليوم الأول على قرار استقالة البيروقراطي الذي وصفه بـ”خزانة أسراره”، وأوضح رد فعله بقوله: “أنا من عيّنه في هذا المنصب، وإذا لم يسمَح له بالمغادرة فكان يجب عليه البقاء وعدم الاستقالة. وبطبيعة الحال أشعر بحالة من الاستياء…”.
وقبل يومين انسحب فيدان من سباق الانتخابات البرلمانية بناء على “ضرورة رآها” وبدأ يزاول مهام منصبه القديم الذي أعاده إليه داود أوغلو.
لاشك في أن استقالة فيدان من رئاسة المخابرات برضاه واضطراره للعودة إلى المنصب في غضون شهر من استقالته له تفسيرات كثيرة من وجهة نظر النظام الحاكم في تركيا. ويمكن سرد التفسيرات الرئيسة لهذا التطور على النحو التالي:
لاريب في أن هناك مشاكل سياسية وأخلاقية تسبب بها إعلان فيدان انتماءه إلى الحزب الحاكم، وإن كنا قد سمعنا آراء مختلفة حول شرعية عودته إلى منصبه من عدمها. ولن يصدق أحد بعد اليوم أن فيدان سيؤدي مهامه بتوجيه بعيد عن تأثير أي حزب سياسي في إطار تحقيق المصالح القومية لتركيا. وسيتأكد لدى الجميع أنه ليس رئيس مخابرات الجمهورية التركية، بل رئيس جهاز مخابرات حزب العدالة والتنمية. وسيقوى لدى الجميع قناعة مفادها أن تركيا ستبتعد عن الديمقراطية لتتحول إلى دولة نظام الرجل الواحد والحزب الواحد، كما كانت في الماضي، وتفقد صفتها كدولة قانون لتصبح دولة مخابراتية كما هو الحال في معظم دول المنطقة. وستزيد التساؤلات حول ما يمثله فيدان، أهو يمثل الدولة التركية أم يمثل أردوغان الذي أُطلق عليه لقب “الإرادة الصارمة”؟
أما النتيجة الثانية المؤكدة فهي تأكيد التشخيص الذي وضعه رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو بشأن أن رئيس الوزراء داود أوغلو أصبح “صفر الإرادة” في مواجهة “الإرادة الصارمة” للرئيس أردوغان. ولاشك في أن هذا التطور سيؤثر سلبًا على مستقبل داودأوغلو السياسي. وسيكون من المحتم أن نشهد انتشار تكهنات بشأن الأسباب التي أجبرت فيدان على العودة إلى منصبه القديم، وسيشيع سؤالاً مفاده: هل أردوغان هو “خزانة أسرار” فيدان بقدر ما فيدان “خزينة أسرار” أردوغان؟
سينظر الرأي العام بعين أكثر نقدًا لأداء فيدان من الآن فصاعدًا.
ويعتبِر الدبلوماسي الإنجليزي جوناثان باول، الذراع اليمنى لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في مفاوضات السلام في أيرلندا الشمالية، أن الدور الذي يلعبه فيدان في مفاوضات السلام في تركيا “ناجح بشكل استثنائي”. لكن للأسف فإن علامات الاستفهام حول مستقبل هذه المفاوضات لاتزال متواصلة. وإحدى تلك العلامات أشار إليها باول بقوله: “للحركة الكردية ثلاثة أرجل: عبد الله أوجلان، قادة جبال قنديل، حزب الشعوب الديمقراطية. فإذا نقصت إحدى تلك الأرجل، فإن كرسيكم سيسقط لا محالة”. (جانصو تشاليمبل، جريدة حريّت، 9/3/2015)
هناك العديد من الأسئلة التي بقيت دون إجابة حول أداء فيدان. وأهم تلك الأسئلة: ألم يقدِّم جهاز المخابرات معلومات خاطئة للجيش الأمر الذي أسفر عن قصف خاطئ راح ضحيته 34 مواطنًا كرديًا في منطقة أولودره في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2011؟ ألم يخطئ جهاز المخابرات في التفجير الذي وقع في مدينة ريحانلي الحدودية وأسفر عن مقتل 54 شخصًا في شهر مايو/ أيار 2013؟ ألم تكن الشاحنات التابعة لجهاز المخابرات التي أوقفتها الوحدات الأمنية في مدينتي أضنة وهطاي مطلع عام 2014 تحمل شحنة أسلحة لتسليمها إلى التنظيمات الإرهابية في سوريا؟ هل كان فيدان هو الصوت الذي قال خلال اجتماع عقد بمقر وزارة الخارجية يوم 30/3/2014 “إذا استلزم الأمر سأرسل 4 رجال إلى سوريا وأجعلهم يطلقون 8 صواريخ نحو تركيا ليكون ذلك ذريعة لإعلان الحرب. كما يمكنني أن أجعلهم يهاجمون ضريح سليمان شاه…”؟ لماذا لم يعثَر على مسرِّب ذلك التسجيل الصوتي؟ (للاطلاع على بقية الأسئلة يرجى مراجعة مقال الكاتب صمد آلتنطاش في جريدة زمان بتاريخ 1/3/2015)
جريدة زمان 12/3/2015