مصطفى أديب يلماز
ألقى رئيس الوزراء التركي أحمد داودأوغلو خطابا “محتضناً للجميع” على المجتمع التركي في أمريكا إلى درجة محيّرة. فقد تخلى للحظةٍ عن لغة الكراهية التي أثارت مؤخراً تساؤلات حول ماضيه الأكاديمي لذلك يجب عليه تدعيم أقواله ببعض الأفعال لإقناع الناس بمصداقيته وأنه سيحقّق وعوده الطموح.
وكان برفقة داود أوغلو عضوان بارزان في حكومته وهما علي باباجان ومحمد شيمشك في زيارته إلى نيويورك. ومع أن وزارة الخارجية الأمريكية لا علم لها بهذه الزيارة، إلا أنهم خرجوا في هذا السبيل انطلاقا من غرض نبيل. إذ تبيّن أن الوفد التركي حاول إصلاح وضع تركيا الاقتصادي المتراجع خلال هذه الزيارة.
كما التقى الوفد بمدراء الاستثمارات والخبراء الاقتصاديين. ونُظم اجتماع مع ممثلي المجتمع التركي في أمريكا على هامش الزيارة. فداود أوغلو ألقى خطاباً واعداً شاملاً محتضناً للجميع. حيث قال: “ليس من الصعوبة إثارة ’رياح تركية‘ في أمريكا التي يعيش فيها 198 ألف مواطن تركي… عليكم أن تحافظوا على وحدتكم وتماسككم. فقد تكونون ذوي اتجاهات سياسية مختلفة. وقد تختلفون من حيث المذهب والعرق والخلفية الثقافية. وقد تنتسبون إلى مناطق مختلفة من تركيا. لكنني أريد أن أقول لكم إنه لا فرق بينكم بالنسبة إلينا، وكل واحد منكم نبتة مغروسة في قلوبنا.. نبتة تكبر محبتها وصداقتها باستمرار…”.
إن المرء يتأثر بإيقاع معاني هذه الكلمات: الوحدة، التكاتف، الصداقة، المحبة… ويرجو أن تكون صادقة ولكن ما باليد من حيلة؟ فإن المرء حين يتذكر الواقع والحقائق المؤلمة التي كان داود أوغلو أحد المتسببين بها يتأسف جداً.
إن خطاب داود أوغلو يندرج ضمن مجال بناء القوة الناعمة في الدبلوماسية العامة والسياسة الخارجية. فتطوير مصالح الدولة يتطلب الاحتكاك مع المجتمع والأفراد أيضا وليس مع الحكومة والمسؤولين فقط، ولذلك يجب استخدام القنوات الرسمية والخاصة على حد سواء.
الواقع أن هذه صيغة ذات أسرار عمل على تحقيقها وترجمتها إلى أرض الواقع نحبة من المسؤولين من بينهم داود أوغلو بعد بذل كل ما بوسعهم، غير أن تركيا وجدتها متأخرة لكنها أضاعتها مبكرا.
لا يمكن التوفيق بين ما قاله داودأوغلو في نيويورك واختلاق المئات بل الآلاف من الافتراءات والأكاذيب المتعارضة مع أي معيار وكتاب سماوي أو غير سماوي من أجل شيطنة أتباع حركة الخدمة في الداخل والخارج ووصفهم بأشنع الصفات عبر لغة كراهية يندى لها الجبين منذ الكشف عن فضيحة عمليات الرشوة والفساد في أواخر عام 2013، مع أن الجميع يعلم أنهم ينشطون في مجالات التعليم وحوار الثقافات والمساعدات الإنسانية في كل أنحاء العالم.
معذرةً يا فخامة رئيس الوزراء! ولكن لا تستطيعون أن تحقّقوا ما قلتموه بالإرادة التي تمثلت في قولكم “نقطع أيدي المفسدين ولو كانوا أولي قربى ومن حزبنا” ثم فشلتم في فعل ذلك. فضلاً عن أنكم من تمنعون “هبوب تلك الرياح التركية” من خلال معاداتكم لنجاح أكبر حركة مدنية ظهرت في تركيا منذ 50 سنة. وما الفائدة من ندائكم للوحدة والتماسك لمرة أخرى بعد أن ألقيتم 100 مرة خطاباً لزرع التفرقة بين الناس. فلغتكم ليست “لغة محبة وصداقة”. إذ أنتم تعملون على اقتلاع من تصفونهم بـ”النبتات” من جذورها. ثم إنكم جزء من قيادة “لا تكثرث بما يفكر فيه العالم”. أوليس هذا أحد أسباب ألا تلقى زيارتكم صدىً في هذا البلد؟