مصطفى أونال
هل يمكن نجاح نظام رئاسي على الطريقة التركية؟ كان الرئيس السابق عبد الله جول قد قال: “لا ينجح ذلك”. أما الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان فيقول: “نعم ينجح ذلك بلا أية مشكلة”.
لست متأكدا من وجود “تركيا الجديدة” بالفعل، لكن الأمر المؤكد أننا أمام “أردوغان الجديد”. وقد تخلى أردوغان عن كون سلفه جول أخا له. وكان أردوغان قد أجرى زيارة نهاية الأسبوع الماضي إلى السعودية، وارتدى ملابس الإحرام وأدى مناسك العمرة، وصلى صلاته مرتديًا الطاقية. فليس في هذا شيئ يستدعي الاستغراب.
فأداء رئيس الجمهورية مناسك العمرة أمر مفرح. لكن الغريب في الموضوع أن تنشر الصحف، لاسيما تلك الموالية لحكومة حزب العدالة والتنمية، صوره وهو يرتدي ملابس الإحرام وطاقية الصلاة على صدر صفحاتها. ذلك أن “أردوغان القديم” كان يعارض نشر هذا النوع من الصور، لكن “أردوغان الجديد” وافق هذه المرة على نشرها. ربما يكون منْع التصوير أمرًا صعبًا، لكن الحيلولة دون نشر هذه الصور يعتبر أمرًا سهلًا للغاية بالنسبة لأردوغان.
ما نفهمه من هذا أن الرئيس التركي قد تغير، ولم يعد أمامنا أردوغان الذي كان يحكم تركيا بين عامي 2002 و2007.
ليس للرئيس السابق جول تأثير كبير على سياسات حزب العدالة والتنمية في الوقت الحالي؛ إذ لم تنفع تحذيراته بشأن حزمة الأمن الداخلي الجديدة، فلم ينتبه الحزب إلى نداءاته. بيد أن جول لا يعتبَر شخصية عادية بالنسبة للحزب، فهو أحد الكوادر المؤسِّسة للحزب، كما أنه سياسي تولى منصبي رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية. فهل هو رجل يمكن نسيانه وتهميشه بهذه السهولة؟
لا يصعب علينا أن نخمن أن جول يشعر بالتوتر إزاء ما يحدث في حزبه. ولاشك في أنه يشعر بصعوبة بالغة في التعرف على هذه “النسخة الجديدة” من حزب العدالة والتنمية الذي فَقَد صفتي الإصلاح والتجديد اللتين كان يتصف بهما في الماضي. وجول يريد أن يكون فاعلا داخل السياسة. وكان المتحدث باسم الحزب بشير أطالاي قد صرح في وقت سابق من الأسبوع الماضي قائلًا: “لن يترشح وفق قوله”. لا، لم يقل جول عبارة كهذه؛ إذ لم يقل: “لن أترشح في الانتخابات البرلمانية”. فهو لم يفتح هذا الباب على مصراعيه، لكنه واربه على الدوام ولم يغلقه كليا.
بحثت قليلًا عما إذا كان لجول تصريح أو رد لم تنقله وسائل الإعلام، فلم أجد أي شيئ من هذا القبيل، كما أنه لم يقل إنه لن يترشح لرئاسة الحزب. وليس من الصعب أن نخمن أن جول يشعر بالانزعاج من تصريح أطالاي. ذلك أنه في هذه الحالة يصبح في مرتبة “الرجل غير المرغوب به في الحزب”. وكان جول هو الذي أقحم رئيس الوزراء الحالي أحمد داود أوغلو في عالم السياسة، لكن علاقتهما اليوم لا تتمتع بالدفء نفسه الذي كانت تتمتع به في الماضي.
سبب ذلك واضح وصريح، ألا وهو الخوف من “القصر الأبيض”. وليس سرًا أن النواب السابقين والحاليين بالبرلمان أصبحوا يتجنبون حتى إلقاء السلام على جول. فهذه حقيقة يعلمها الجميع في أنقرة. ولم تعد وصاية “القصر الأبيض” على حزب العدالة والتنمية فقط، بل في الوقت نفسه هناك خوف فرضه عليه.
لم يعد حزب العدالة والتنمية الحالي هو الحزب الذي كنا نعرفه؛ إذ فَقَد جميع القيم التي كان يتصف بها. وأصبح المعيار الوحيد الذي تبحث عنه إدارة الحزب في المرشحين لخوض الانتخابات البرلمانية هو “مكافحة الكيان الموازي”. وأقل شك يمكن أن يشعروا به تجاه أي مرشح كفيل بإيجاد ذريعة لإقصائه.
إن المنشورات الإعلانية التي تعرّف بالمرشحين في الانتخابات مليئة بالتأكيدات على “معاداة جماعة الخدمة”. كما أن اللافتات الدعائية للحزب معبرة إلى حد بعيد، حتى صارت موضع مزاح وسخرية.
وفي الواقع فإن أكثر من يليق للترشح في حزب العدالة والتنمية حاليًا هو الجنرال السابق تشيتين دوغان (قائد محاولة الانقلاب على حزب العدالة والتنمية التي عرفت بقضية المطرقة عام 2003). فبما أن قضيتي “المطرقة وأرجينيكون” كانتا “مكيدة” استهدفت قادة الجيش، فأعِيدوا لهؤلاء اعتبارهم، ليكونوا قد تخلصوا من الظلم الواقع عليهم وبرّؤوا أنفسهم أمام الشعب. وكان أردوغان في وقت من الأوقات “مدعيا عاما” لهاتين القضيتين، لكنه الآن أصبح “محاميًا” يدافع عن المتهمين بهما. ولا أعتقد أنهم يجرؤون على ترشيح تشيتين دوغان في الانتخابات المقبلة، مع أن من الواضح أن عقليته تسعى للسيطرة على زمام الأمور في الحزب.
يبدو أن تأثير زعيم حزب العمال الكردستاني المحبوس عبد الله أوجلان على حزب العدالة والتنمية أكثر من تأثير عبد الله جول. وكانت بيروين بولدان، إحدى السياسيات الكرديات في تركيا، قد تحدثت بشكل واضح قائلة: “لن تمر حزمة الأمن الداخلي بشكلها الذي اعترضنا عليها”.
شرع حزب الشعوب الديمقراطية في إعداد المواد التي تتضمن اعتراضاته. فهي ليست عبارة عن الاعتراضات على حزمة الأمن الداخلي فحسب، بل هناك 10 مواد أخرى ليس بينها وبين “الأوامر العشرة” فرق. جميعها صعب، لكن على حزب العدالة والتنمية أن ينفذ جزءًا منها. ولا شك في أن مصير النظام الرئاسي مرتبط بحزب الشعوب الديمقراطية بشكل مباشر أو غير مباشر. وأن عدم تخطيه لحاجز نسبة العشرة بالمائة من الأصوات لدخول البرلمان سينفع حزب العدالة والتنمية أكثر. فهل يكفي العدد؟ لا شك في أن تحقيق هدف أردوغان بحصد الحزب 400 مقعد بالبرلمان مجرد حلم بعيد عن المنال.
إذا نجح حزب الشعوب الديمقراطية في دخول البرلمان، فهل يصوّت لصالح إقرار النظام الرئاسي؟ وإذا أردنا توضيح هذه المسألة بقليل من المزاح، فهل يمكن للنظام الرئاسي على الطريقة التركية أن يترك مكانه لنظام رئاسي على الطريقة الكردية؟ فحزب الشعوب الديمقراطية يعارض النظام الرئاسي على الطريقة التي يريدها أردوغان.
كان رئيس حزب الشعوب الديمقراطية صلاح الدين دميرطاش قد قال ما يلي خلال اجتماع كتلة حزبه البرلمانية: “يقول السيد رئيس الجمهورية إن هذا الدستور لا يُلزمه، وإنه سيصيغ دستورا كما يحلو له بعد الانتخابات، ولهذا يريد أن يحصد الحزب الحاكم 400 مقعد في البرلمان. ولايَعِد بشيئ آخر. ونحن من جانبنا نؤمن بأن القوة التي تستطيع إيقافه هو حزب الشعوب الديمقراطية… تصوروا أنه أصبح رئيسا بصلاحيات أكثر مما هو يمتلكها حاليا، أو من الأفضل ألا تتصوروا، فلن يستطيع أن يكون رئيسًا”.
إن باب حزب الشعوب الديمقراطية مغلق أمام إقرار النظام الرئاسي في تركيا، لا النظام الرئاسي على الطريقة التركية ولا المدعوم من حزب الشعوب الديمقراطية…