عبد الله أيماز
لم تتكرر الأحداث بهذا التطابق في أي وقت مضى.. تفتحون ذات صباح جريدة تتغذى على الأموال الحرام من المؤسسات المقربة من الحكومة، وتشاهدون على صدر صفحتها الأولى افتراء أسود على أرضية سوداء: “فتح الله كولن الإرهابي”! تفقدون صوابكم وتكادون أن تجنّوا وتشعرون بألم بالغ. ومن يعلم كم من الناس تدمع عيونهم لا إراديًا وتقول ألسنتهم مثلما قال الشيخ الصوفي الشاذلي: “مدد يا إلهي” لقد ارتفعت أصوات المظلومين إلى السماء!
تعود أذهانكم إلى عناوين الصحف في تركيا قبيل انقلاب 27 مايو/ أيار 1960.. ولا بد أنكم تتذكرون الأخبار التي كان الانقلابيون يفبركونها ويقدمونها إلى الصحف لتنشرها: “شبابنا الجامعيون يقتلون وتلقى أجسادهم في آلات فرم اللحم!”
لايستطيع الشعب أن يعلم ماذا عليه أن يفعل بعدما تعرض لطوفان من عمليات التضليل. ومَن وصلوا إلى أهدافهم من خلال الأكاذيب أفرغوا الخزائن وبدؤوا يتسولون المال ويجمعونه من الشعب. ولقد شهدت هذا النوع من المهازل في طفولتي.
تغير العصر بعد مرور 20 عامًا على انقلاب عام 1960، لكن العقلية بقيت على حالها.. عندما وقع انقلاب 12 سبتمبر / أيلول 1980 قاد العميد خيري ترزي أوغلو، قائد لواء عسكري في مدينة إزمير، حملة دهم استهدفت المنزل الذي يقيم به الأستاذ فتح الله كولن. ولم يكتف بهذا، بل أمر بتعليق صورة الأستاذ كولن إلى جانب صور الإرهابيين المطلوبين، ولم يفهم الناس آنذاك كيف يمكن أن تعلَّق صورة واعظ ديني بين صور مجموعة من القتلة والإرهابيين؟!
بيد أن أولئك الذين لايعرفون شيئًا عن الأدب الديني والعلمي ومصطلح “الشريعة الفطرية والتكوينية” قدموا الأستاذ كولن إلى المحاكمة بسبب سماعهم كلمة “الشريعة” خلال درس ديني في جامع بإزمير. وكان الأستاذ كولن يشرح معنى هذا المصطلح.
أي أن هناك قوانين دينية آتية من صفة الكلام التي يتصف بها الله سبحانه وتعالى، وسيجازى من يتبعونها في الآخرة، كذلك قوانين فطرية وتكوينية.. وإذا نعت الناس هذه القوانين بقوانين الطبيعة والفيزياء والكيمياء والأحياء، فهي – في الواقع – قوانين وضعها الله، ويطلق عليها اسم الشريعة الفطرية والقوانين التكوينية. وتتولد العلوم والتكنولوجيا من هذه القوانين. ومن يراعي هذه القوانين ويعمل بها يجازى في الدنيا. أما أولئك الذين يتكاسلون عن الاستفادة من القوانين الفنية والتكنولوجية، وأولئك الذين لايواجهون العصر الذي يعيشون فيه، فيتخلفون عن ركب الحضارة، لتسحقهم سائر الأمم الأخرى ويستعمرون من قبلها.
كيف يمكن الآن أن تكون عبارات يطلقها واعظ ديني بقوله: “يأيها المسلمون واجهوا العصر الذي تعيشون فيه، واتبعوا الشريعة الفطرية والتكوينية، وأمدّوا الشباب بالعلوم حتى لا تُسحقوا تحت الأقدام وتُستعمروا!” رجعية تتطلب المحاكمة؟!.
لقد ركب هذا الجنرال الانقلابي خيري ترزي أوغلو هذا الجهل وانطلق ليظلم ويفتري على الأستاذ كولن. ولأن الشعب لم يكن على علم بهذا، فلم يكن يفهم سبب تعليق صورة واعظ ديني بين صور الإرهابيين. فقد كانت هذه العملية عملية موجَّهة لتضليل الرأي العام. واليوم نشهد الشيئ نفسه؛ إذ تصدر الأوامر إلى الصحف التي تتغذى على الحرام لينشروا عناوين رئيسة على صدر صفحاتها “كولن الإرهابي”. فماذا نقول؟ الله كبير وهو على كل شيء قدير.
نشعر بغضب عارم بقلة الصبر، لكن عندما يتعرض ابن خيري ترزي أوغلو لحادث مروري أليم يكون الأستاذ كولن من أكثر الذين حزنوا عليه، ونحن شهود على ذلك .