ممتاز أر توركونه
إن التحدي بالقول “إن كنت شجاعاً فابرزْ” ليس في صالح الوطن. ومن الواضح أن المرحلة القادمة من هذا التحدي لن تستمر على النحو التالي: “لنلتقِ للمبارزة”.
لايمكن لأحد أن يتحدى شخصاً يتم حماية “وجوده الحقيقي” بخمسة آلاف من الحراس و”وجوده الاعتباري” بقوانين العقوبات الخاصة. وهذا التحدي في الحقيقة ليس من شيم الشجعان بل هو استعراض للقوة والعنف. إن نيكولو مكيافيللي يميّز بين الخاصيتين أو الطَبْعين الأساسيين لدى السياسي: الطبع الأسدي والطبع الثعلبي. فإذا تصرف السياسي كالثعلب في موقف يتطلب أن يكون فيه كالأسد، أو تصرف كالأسد في موقف يستوجب أن يكون فيه كالثعلب؛ فإن وضع ذلك السياسي يكون وخيما. وإذا صحت هذه الفكرة فإن البلاد في حالة مزرية.
غدونا أسرى لمناخ سياسي حافل بالعنف وفاقد للأمن والعدالة يصنعه رجل واحد. وإن يَقُلْ رئيس الجمهورية وهو وسط 5 آلاف من الحراس: “إن كنت شجاعاً فاخرج للميدان” أفليس من الطبيعي أن يبادر كل من لديه القدرة إلى تحصيل حقه دون أن يقيم أي وزن للقانون. وليس هذا فحسب، فرئيس الجمهورية يدوس كل يوم على القوانين ويعلن الناس كمجرمين. وتنتشر الإساءات والإهانات الكبرى من قمة الدولة إلى المجتمع وبذلك تبقى لغة القوة هي سيدة الموقف. فقد أُسست محكمة عليا يشغل شخص واحد فيها منصب الحاجب والمدعي العام والقاضي والمحامي معاً. ولو أجريتم عملية حسابية لتوصلتم إلى نتيجة مفادها أنه يستحيل إعمال القانون وتطبيق العدالة في هذا البلد. وحين تُعطَّل القوانين تصبح الحياة للأقوى وتتحول آلية الدولة التي نكن لها الإجلال إلى مقر القيادة لعصابة إجرامية.
من الذي ينتج لغة العنف هذه؟ من الذي يحاول استقطاب المجتمع؟ من الذي يسلك طريق المظالم ضاربا عرض الحائط بالقوانين المرعية والدستور؟ هل هو كمال كيلتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي لم يتخلَّ عن لياقته حتى في أصعب الظروف؟ أم هو دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية الذي منع القوميين من الخروج للشوارع في مظاهرات للتنديد بمقتل الشاب فرات يلماز تشاكير أوغلو؟ أم هو صلاح الدين دميرطاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطية الذي يفاجئ الجميع دائماً بكلامه العقلاني والمنطقي.
فالمعارضة، عادة، هي من تلجأ إلى استخدام لغة العنف والشدة والاستقطاب في الظروف العادية. مع ذلك فإن زعماء المعارضة جميعاً هم من يحاولون ترميم ما خرّبه شخص واحد وإصلاحَ ما أفسده وتهدئةَ الأجواء والأوضاع. ولننظر إلى الحكومة، فما هو حجم مسؤولية رئيس الوزراء أحمد داودأوغلو في تشكيل هذه البيئة الموبوءة بالعنف والشدة، وهو الإنسان الذي لايستطيع إقناع الناس بأسلوبه اللبق حتى في اللحظات التي يجول ويصول ويرفع صوته فيها؟
إن إهانة رئيس الجمهورية، أي مخالفة المادة 299 من قانون العقوبات، تتحول إلى عصيان مدني ويتوسع نطاقه يوماً بعد يوم ككرة ثلجية تتدحرج من الأعلى إلى الأسفل. وكم من الأشخاص يمكن أن تزجّوا بهم في السجون من خلال تحريض سياسي لشخص يحاول الحصول على دعم نصف الشعب عبر إثارة الكراهية والبغضاء لدى النصف الآخر؟ وكم سجناً يمكن أن تؤسِّسوا من أجل سجن عشرات الآلاف من الناس؟ الأمر في غاية الجدية. ولذلك أكرر هنا مرة أخرى أنني أتقدّم إلى النيابة العامة بالشكوى ضد الكاتب الصحفي الموالي للحكومة “أحمد كيكتش” لكتاباته المهينة لرئيس الجمهورية علناً (جريدة ستار الموالية للحكومة وأردوغان 14 و17 فبراير/ شباط) وهو يعتبر بذلك مثالاً سيئاً للشباب. وغرضي من ذلك هو تسجيل عاقبة مَنْ يرتكب الجريمة بالكبر والغطرسة اعتماداً على قوة الدولة، حتى يراها على الأقلّ الشباب المعتقلون أفواجاً بسبب الجريمة ذاتها، وهي الإساءة لرئيس الجمهورية. ولنكشف أيضاً الفرق بين الإساءة إلى رئيس الجمهورية بسبب الغضب عليه وبين الإساءة إليه من أجل التبجّح بأن “القوة والسلطة ورائي”. وما قلته بسيط ومفهوم جداً حين ذكرت موضوع تطبيق القانون على الجميع على أساس المساواة: هل يُعتقل أحدٌ إذا ذكر على حسابه الشخصي في مواقع التواصل الاجتماعي العبارة ذاتها التي ذكرها أحمد كيكتش في مقاله بتهمة إهانة الرئيس أم لا؟
إننا نشهد صراعاً قذراً على السلطة. ولايمكن لقوة تستند إلى الكذب أن تستمر في وجودها إلا عن طريق الكذب. وطبْع الكذب يأبى إلا أن ينكشف مهما كان عاجلاً أم آجلاً. كما انهارت كذبة “الكيان الموازي” من أساسه عندما رفضتم اقتراح المعارضة بتحرٍّ وتحقيق برلماني حول الكيان الموازي.
إن الأجواء سيئة، وكل مكان ممتلئ بالرجال الفاشلين، فانعدام الأخلاق لايأتي بالنجاح. ويبدو أن رئيس الجمهورية أصبح كمن كذّب سيناريو التخطيط لاغتيال ابنته الذي نشره في صحفه الدائرة في فلكه، لأنه لم يجده ناجحاً بما فيه الكفاية. فلا أحد يعير اهتماما أو ينظر إلى من يلعب دور “المظلوم” و”الضحية” وهو الذي يملك كل تلك القوة والسلطة.
أصبحت الدولة حظيرة أغنام على مائدة الثعالب حيث ينتشر العنف والفوضى والظلم والتحريض والإساءة في البلاد.