محمد كاميش
كل شيء كما كان في أيام انقلاب 28 فبراير/ شباط العسكري عام 1997 إذ كل الطرق والأساليب المتبعة اليوم في حكم البلاد صورة طبق الأصل لما كما كان في تلك الفترة الانقلابية.
تذكروا كيف كانت تُفَبْرك أخبارٌ على مرأى ومسمع الجميع وتُنشر في وسائل الإعلام المختلفة بهدف تهيئة أذهان الرأي العام ثم يعقبها تنفيذ العمليات المخططة مسبقاً اعتماداً على تلك الأخبار. وكانت مهمة الإعلام آنذاك تتمثل في اختراع الذرائع والمسوغات للعمليات التي تريد الدولة تنفيذها. فمراكز القوى كانت تنشر تلك الأخبار ثم تتخذها ذريعة لإجراء التحقيقات. وما نشاهده اليوم ليس إلا صورة طبق الأصل لذلك الفيلم المعروض آنذاك. فالحكومة تقود من جانبٍ عملية ضد معارضيها، وتستعد من جانب آخر للانتخابات بالتظاهر في صورة “الضحية” و”المظلوم” دون أي تغيير في أسلوبها هذا منذ عامين.
أجل إن حزب العدالة والتنمية ينفذ منذ 12 عاما من حكمه في تركيا عمليات ضد معارضيه باستخدام قوة الدولة، ويتبع الطريقة ويتخذ الخطوات ذاتها في هذه الأيام، لكنه في الوقت نفسه يحاول أن يلعب “دور المظلوم والضحية”. وهذه المرة كانت شخصية “سمية أردوغان” ابنة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان هي الأداة المستخدمة في ذلك. فلماذا يسمح الرئيس أردوغان باستخدام اسم ابنته في مثل هذا السيناريو المفبرك؟ إنه أمر يصعب فهمه. والحقيقة أن هذا السيناريو تافه إلى درجة أنه يعد استهزاء واستخفافاً بالعقل البشري. تصوّروا أن هناك أشخاصاً يخططون لتنفيذ عملية اغتيال يستهدف ابنة رئيس الجمهورية، لكنهم يتحدثون عن هذه الخطة عبر “رسائل مباشرة” على موقع” تويتر”! انظروا إلى مدى سخافة وتفاهة مثل هذا السيناريو المتداعي من كل النواحي!
انظروا إلى الوضع الذي آلت إليه حكومة العدالة والتنمية؟ فهي من جهةٍ تحيك مؤامرات ضد معارضيها من خلال سيناريوهات سخيفة، ومن جهة أخرى تجرّ الدولة إلى طريق ونفق مظلم من خلال مشروع قانون الأمن الداخلي.
لايتمالك الإنسان نفسه من أن لايسأل سبب ذلك. حقاً لماذا؟ إلى أين يذهبون بتركيا؟ ولأي أمر يعدون تركيا حتى يصرون إلى هذا الحد على تمرير قانون الأمن الداخلي من البرلمان؟ حكومة العدالة والتنمية تقلِب نظام الأمن والشرطة رأسا على عقب وتحطم الجهاز المناعي تماما، وتقصي ضباط الشرطة المخضرمين عن مهامهم من جانب، ومن جانب آخر تمنح كامل الحرية لكل التنظيمات الإجرامية، وتفتح المجال أمامها لتنتشر في المدن، ويبسط زعماء المافيا والمخدرات سيطرتهم عليها مجدداً.
إن تصريحات كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء التي تدعو المواطن المدني للنزول إلى الشوارع، وكذلك قانون الأمن الداخلي الذي يصرون على تمريره من البرلمان.. كل ذلك يؤدي إلى تشكُّل تصورات وتداعيات مختلفة في عقول الناس.
وبينما لم يجف حبر تصريحات رئيس الجمهورية التي قال فيها إن التجار والحرفيين يصبحون شرطة وجيشا إذا دعت الحاجة، جاءت من داود أوغلو تصريحات مماثلة إذ خاطب رؤساء البلديات قائلاً: “إن الجميع يحمي شارعه ومدينته في مواجهة المدافعين عن قنابل المولوتوف”. ومن الصعوبة بمكان إيجاد معنى لهذه الجملة. حيث إن المكلفين بحماية حقوق المواطنين من خلال القوات الأمنية في مواجهة الانتهاكات القانونية يدعون المواطنين المدنيين للخروج إلى الشوارع.
فإن جمعتم كل هذه الأحداث في صعيد واحد ثم ألقيتم عليها نظرة كلية شاملة لما وجدتم فيها صورة جميلة تبعث على السرور والاطمئنان. فالحكومة تمنح صلاحيات كبيرة لقوات الأمن والشرطة من خلال قانون الأمن الداخلي، وفي الوقت ذاته تدعو المدنيين للنزول إلى الشوارع. وتنتشر ادعاءات بأن آلاف المنسوبين لتنظيم داعش دخلوا تركيا من جهة، ومن جهة أخرى تُنفَّذ عمليات ضد المعارضة عبر سيناريوهات مفبركة، وبذلك يتمّ تسخين الأحداث وإثارة الشوارع.
وهنا أنادي مرة أخرى أعضاء العدالة والتنمية ممّن لم تنطفئ جذوة ضميرهم كلياً وفي قلوبهم بقية من الإنصاف: ما الذي يجري؟ إلى أين تُجرّ تركيا؟ هل تفكرون قليلاً فيما يحدث وهل تتوقعون المآلات المحتملة لبلادنا؟ وهل تلاحظون إلى أين تحمل حكومة العدالة والتنمية بلادنا من خلال اعتمادها “قاعدة المقابلة بالمثل” للرد على أدنى المشاكل؟
إن لساني لا يجرؤ على ذكر أفكاري حول المصير الذي ينتظرنا!