سفجي أكار تششما
إذا لم تكونوا مؤيدين للحكومة فلن يُعفى أحد من زوبعة العنف اللفظي والعملي ضمن مناخ تشعرون فيه بصعوبة في التنفس. فالمسؤولون مستعدون لفعل أي شيء من أجل البقاء في السلطة والإعلام الموالي الذي يشد على أيديهم يحدث خرقا جديدا كل يوم في السفينة التي تحملنا جميعا.
فالإعلام الموالي للحكومة يهدف إلى إرضاء الحاكم الفردي عن طريق إطلاق الأكاذيب دون كلل أو ملل، وهم لا يأبهون باتساق أخبارهم ما دام الحاكم الفردي راضيا عنهم.
فمثلا ادعوا أن هناك تعاونا بين فؤاد عوني المدون المشهور في” تويتر” وحزب الشعب الجمهوري مستدلين بالمراسلات عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، ولكن يمكن دحض ذلك بكل بساطة عبر تواريخ المراسلات. وقد كذّب حزب الشعب الجمهوري تلك الأنباء، وادعى أن جهاز المخابرات هو الذي تقف وراءها. وإن المخابرات التي تتدخل كثيرا في كل الأمور لم تهمل إخبار قوات الأمن والشرطة بتسلل 3 آلاف مقاتل من مقاتلي داعش إلى البلاد. أما حزب العدالة والتنمية فيبدو أنه أهمل هذا الأمر غير المهم (!) في حين يعمل جاهدا في البرلمان على إصدار قانون الأمن الداخلي بحجة الإسراع في مكافحة قنابل المولوتوف وهي أصلا تُعد جريمة في القوانين الموجودة حاليا.
تركيا في طريقها لتكون دولة تدار من طرف حزب واحد ليس من الناحية العملية فحسب بل من الناحية القانونية أيضا، وقال أورهان باموك (الكاتب الفائز بجائزة نوبل) أخيرا: “إنه يتم القضاء على مبدأ الفصل بين السلطات” وقد وُصف بالخيانة منذ وقت طويل وربما لذلك لم يتعرض لحملة تشويه جديدة.
والتحاليل الواردة من المراقبين الأجانب حول الوضع التركي لاتختلف عن ذلك للأسف. بل إنها أكثر جرأة من التحاليل المحلية لأنها لاتتعرض للضغوطات. وتجري تساؤلات اليوم حول ما إذا كانت تركيا دولة ديمقراطية أو لا بعد أن كانت النجمة اللامعة في هذه المنطقة منذ 10 سنوات.
ومن جانبه أوضح الخبير في شؤون الشرق الأوسط “ستيفن كوك” في مقال له في جريدة “بوليتيكو” أن كلمة الاستبداد غير كافية لوصف النظام الحالي في تركيا، فنظام الحكم في تركيا نظام سلطاني (يتم توارثه من الآباء إلى الأبناء) تقليدي على حد تعبيره. ويرى كوك أنه ليس في تركيا شخص أو مؤسسة تستطيع مراقبة سلطة أردوغان. ولذلك فالسياسة الخارجية لتركيا أصبحت تعكس ما يعتبر جيدا بالنسبة لأردوغان.
وكان توماس فريدمان الكاتب الصحفي في نيويورك تايمز قد عبر عن الحالة التي آلت إليها تركيا حيث قال في 18 فبراير/شباط : “من الصعب القول إنه توجد ديمقراطية في تركيا أردوغان”. وهم (أردوغان وأتباعه) يذكرون هذه الصحيفة بخير إذا نشرت ما تسرهم أو تعجبهم من الأخبار والتعليقات، ويلومونها ويسيئون إليها عندما تنشر ما تنتقد إجراءاتهم. وكان فريدمان يستدل بمقال المحلل السياسي الشهير لاري دايموند وقد نُشر ذلك المقال في يناير /كانون الثاني. حيث تحدث في ذلك المقال عن جميع العوامل التي تقضي على الديمقراطية لدى حزب العدالة والتنمية كفرض سيطرته على القضاء واعتقاله الصحفيين. وأصبح هناك إجماع على غياب دولة القانون في تركيا. والتصريحات التي تصدر من القصر التي تدعي أن القضاء يعرقلهم والإجراءات التعسفية التي نشاهدها يجعلنا نعيش صعوبة في الحكم بما يخالف القناعة الشائعة.
وعلى الرغم من بناء قصر لايزال شعبنا يدفع ثمنه غالياً إلا أنه يقلل من هيبة بلادنا ودولتنا. أما العزلة في العالم التي يعترف بها رئيس الجمهورية ويفسرها بالحسد أو الغيرة لدى الدول التي تعتزل تركيا تدحض محاولات التحاليل العقلانيةكليا. وليس هناك مجال للصحفيين الذين بامكانهم أن يسألوا: “يحسدون ماذا ليعتزلوا تركيا”؟
يبدو أن كل من ينتقد الحزب يُتهم بأنه يخدم اللوبي اليهودي. بينما ذهب جميع محاولات حزب العدالة والتنمية لإنقاذ هيبة دولتنا عن طريق دفعه 65 مليون دولار من ضرائبنا لهذا اللوبي أدراج الرياح. فالعالم لا يهتم لا بعظمة وفخامة القصر ولا بدعاية الإعلام الموالي بل يهتم وينظر إلى الحقائق التي تعكس واقع تركيا.