*حامد محمود
المنامة (زمان التركية)ــ هل نجحت ايران في شن حرب نفسية على تل أبيب ونشر الذعر بين الإسرائيليين خلال الأيام القليلة الماضية؟ سؤال يطرح نفسه ويتداوله الاف الباحثين والمحللين والصحفيين المتابعين لشئون الشرق الأوسط، وعشرات بل ومئات الملايين من القراء والمتابعين للأحداث فى العالم كله.
فالضربة الإسرائيلية فى العمق الايرانى باغتيال إسماعيل هنية فى طهران ثم تهديدات المسئولين الإيرانيين بردّة فعل عسكرية في العمق الإسرائيلي تزيد المخاوف من توسيع دائرة الصراع، ونقله إلى مستويات غير مسبوقة، سواء زيادة وتيرة الحروب بالوكالة التي تديرها طهران ضد تل أبيب، أو انزلاق الأمور إلى حرب مباشرة بين الجانبين، وربما انجرار أطراف إقليمية ودولية أخرى، وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.
ومما لاشك فيه أن تصريحات المسئولين الإيرانيين حققت المرجو منها، ونجحت في التأثير سلباً على الشارع الإسرائيلي الذى شهد حالة من التوتر والذعر غير المسبوق، وتزاحم الإسرائيليون على ماكينات الصراف الآلي، وبدأوا في تخزين الطعام والأدوية وشراء المولدات الكهربائية خوفاً من ضربة انتقامية إيرانية”.
فالحرب النفسية الإيرانية نجحت في رفع مستويات الذعر لدى الجمهور الإسرائيلي الذى وصف ما يحدث بعبارة «سوف هعولام»، أو نهاية العالم، والواقع أن هذا التوصيف ليس به قدر كبير من المبالغة، خاصة أن إسرائيل وإيران لديهما قدرات عسكرية جبارة، ولدى إيران وكلاء محليون في عدة نقاط ملتهبة بالمنطقة، بالإضافة إلى تحركات الحرس الثوري، ومن ناحية أخرى تملك إسرائيل دعماً أمريكياً مفتوحاً، والتزام الرئيس بايدن بحماية تل أبيب، ومن ثم فإن أي حرب بين البلدين ستكون ضارية وشديدة التدمير.
وحول سيناريوهات الرد الإيراني على إسرائيل، فالسيناريو الأول والأهم يتضمن توجيه ضربات مباشرة من الأراضي الإيرانية للعمق الإسرائيلي، وتشمل صواريخ أرض أرض، ومسيّرات انتحارية إيرانية، وأعتقد أن هذه الضربات إذا لم تحقق خسائر بالغة في إسرائيل، فإن تل أبيب قد تميل إلى سياسة استيعاب الضربة، والمضي قدماً في حربها ضد الفلسطينيين.
لكن في حالة وقوع خسائر فادحة فإن الحكومة الإسرائيلية قد تجد نفسها مضطرة لردة فعل تجر الأمور لحرب إقليمية، والسيناريو الثاني يتمثل في تفعيل الأذرع الإيرانية في المنطقة لتوجيه ضربات بالوكالة لإسرائيل، وهو سيناريو معهود ويتماشى مع العقلية الإيرانية في إدارة الصراع، أما السيناريو الثالث فهو الرد الإيراني المعتاد في حالات مشابهة وهو استيعاب الضربة الإسرائيلية، والاكتفاء بتهديدات كلامية لا يتم ترجمتها على أرض الواقع استجابة للضغوط والتهديدات الدولية، غير أن الظروف المحيطة وملابسات الهجوم والتصعيد الأخير لا تسمح لطهران بهذه الرفاهية ما لم تحصد في المقابل مكاسب كبرى من الولايات المتحدة الأمريكية .
وفى الرؤية التحليلية فان ايران تتقصد نهج سياسة الغموض في حربها الهجينة ضد الكيان الإسرائيلي، ومنها الحرب النفسية والضغط النفسي، لكسر ظهر رئيس الوزراء المتغطرس بنيامين نتنياهو، الذي أوعز بمهاجمة القنصلية الايرانية فى دمشق فى ابريل الماضى بعد إبادة الفلسطينيين في غزة .
فعدم نشر وسائل الإعلام المحلية والمصادر الرسمية الإيرانية تقارير واضحة عن الهجوم الإسرائيلي، الذي أسفر عن مقتل إسماعيل هنية في طهران، حتى صباح السبت 3 أغسطس،
بينما هناك تتقارير متعددة في وسائل الإعلام الأجنبية والمحلية تشير إلى حتمية وقوع هجوم إيراني على إسرائيل قريبًا.
ويشير المراقبون إلى أنه عند مقارنة الأخبار، التي نُشرت خلال الأيام الثلاثة الماضية، مع تلك التي سبقت هجوم 13 إبريل الماضي، عندما شنت إيران هجومًا صاروخيًا وبالطائرات المُسيّرة على إسرائيل لأول مرة، فإن إيران بدأت حربًا نفسية ضد إسرائيل من خلال تداول أخبار متفرقة.
وكتب موقع “نور نيوز”، المقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، عبر الحساب الخاص به على منصة “إكس”، منتصف ليل الجمعة، مع هاشتاغي “الانتقام لمقتل الضيف”، و”إسماعيل هنية”: “إن تنفيذ العمليات العقابية ضد النظام الإسرائيلي سيتم بالتأكيد في الوقت وبالطريقة المحددة. أما العلامات فهي الرعد الذي يعد ببرق نار الانتقام”.
ووفقًا للمراقبين، فإن هذا المنشور ذا المفهوم الخاطئ، الذي اعتُبرت فيه سرعة الصوت (الرعد) أسرع من الضوء (البرق)، بالإضافة إلى الأخطاء الكتابية التي حظيت باهتمام واسع، قد يكون جزءًا من الحرب النفسية الإيرانية. أو، كما حدث في هجوم 13 إبريل الماضي، يمكن أن يكون جزءًا من حملة إعلامية تهدف إلى جذب انتباه الجانب الآخر واستعداده، مما يقلل من تكاليف الهجوم على إسرائيل.
وفي وقت سابق، نشر محمد مرندي، وهو شخصية حكومية ومستشار إعلامي لفريق التفاوض النووي، على منصة “إكس” صورة لإطلاق عدة صواريخ، قائلاً: “اذهبوا، إنها قادمة”.
وتوقعت صحيفة “كيهان”، في عددها الصادر اليوم، السبت 3 أغسطس أن “الصواريخ والطائرات المُسيّرة الإيرانية اجتازت اختبارها بنجاح وهي بالتأكيد من بين خيارات الهجوم”، وتوقعت أن يكون الهجوم الإيراني المحتمل على إسرائيل “أكثر تنوعًا واتساعًا من هجوم 13 إبريل، ولا يمكن تعقبه سواء من بعيد أو من قريب”.
وأشار كاتب في صحيفة “كيهان”، المقربة من المرشد الإيراني، علي خامنئي، الذي يقوم بتعيين مديرها، إلى أنه لم يتم استهداف سوى عدد قليل من القواعد خارج المدن الإسرائيلية في عملية إبريل الماضي، وكتب: “هذه المرة سيتم استهداف عمق مناطق مثل تل أبيب وحيفا والمراكز الاستراتيجية، خاصة مقر إقامة بعض المسؤولين المتهمين في الجرائم الأخيرة”.
وأكدت صحيفة “كيهان” أن “إحداث خسائر بشرية مؤلمة يجب أن يكون أيضًا محور العمليات الخاصة هذه المرة”، بالإضافة إلى إلحاق الضرر بالسفن الإسرائيلية وإغراقها.
وفى التحليل السياسى فان طهران تتعمّد تمديد موعد الانتقام لإبقاء اسرائيل متأهبة في سياق حرب الأعصاب لكي لا تريحها بضربة عابرة ، فالتقارير التي تسرّبها الوكالات الأجنبية عن كيفية الرد الإيراني ترمي لرفع سقف توقعات الرأي العام من الانتقام عاليا، لكي لا تكون مضطرة على الرد عليه إذا ما جاء الانتقام أدنى مما روّجت له .
ومما لاشك فيه إن جزءا من التقارير المسربة على لسان مصادر أمنية وأخرى مطلعة تهدف للضغط على الجانب الإيراني، وحثه على تنفيذ الانتقام بسرعة لخدمة الجانب الإسرائيلي، ولكن أصحاب القرار الإيرانيين يتحركون بهدوء وبرود أعصاب ولا يأبهون للتهويل الخارجي.
فمنذ عملية اغتيال اسماعيل هنية , والقيادة الايرانية فى اعلى مستوياتها , كوّنت بالفعل خلية مصغرة جدا تعكف على إعداد خطة الرد وتحديد التوقيت، ولا يعرف أحد سواها قرار الرد وتوقيته وتفاصيله، وأن الإيحاء بتنفيذ الرد خلال سويعات هو جزء من الخطة المرسومة.
ونهاية فيمكن القول أن طهران لن تنفذ عمليتها في ظروف يكون حينها الجانب المقابل مستنفرا، وأنه لا تأثير للاتصالات الدبلوماسية والمبادرات الأجنبية لتراجع طهران عن انتقامها، فايران قد تخفض شدة الانتقام في حال إنهاء العدوان المتواصل على غزة، وإرغام تل أبيب على قبول هدنة فورية ودائمة، وضمان عدم مهاجمة الأهداف الإيرانية وحلفائها مرة أخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*باحث متخصص فى شئون ايران والخليج
[email protected]