القاهرة (زمان التركية)ــ تتعدد المواجهات العسكرية في بقاع كثيرة حول العالم ولعل أطرافها الرئيسيين دول عظمى.. فقد بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا في 22 فبراير 2022 وما زال مستمرًا، كما بدأت حرب “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر 2023 وبالطبع مازالت مستمرة، وانضم لجبهة المقاومة الفلسطينية عدة جبهات أخرى مساندة.. كما يساند إسرائيل قوى عظمى عالمية في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرهما، وفي هذه الحروب يتم استنزاف كل المشاركين فيها، ومكمن الخطورة أن تتسع نطاق تلك الحروب لتصل لصدام بين القوى الكبرى.. وهنا يكون استخدم أسلحة الدمار الشامل فرضية قائمة تهدد السلم والأمن العالميين رغم كل الاحتياطات التي تتبناها تلك القوى لتجنب هذه المواجهات..
ولاستشراف مستقبل الصراع القائم بمنطقة الشرق الأوسط بين إسرائيل وجبهات المقاومة، تجري جريدة زمان التركية، حوارًا صحفيًا، مع اللواء دكتور شوقي صلاح، الخبير الأمني والقانوني.
هل يُعَول على الولايات المتحدة في اتخاذ إجراءات من شأنها إنهاء حرب غزة؟
نظرًا لتدخل عدة جبهات لمساندة عناصر المقاومة في غزة؛ وأهمها حزب الله، والحوثيون، ومليشيات عراقية.. وهو ما يهدد باتساع نطاق الحرب لتصبح حربًا مفتوحة.. ولعل هذا يتعارض مع اعتبارات الأمن القومي الأمريكي والغربي، فسيصبح العمق الإسرائيل والقوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة في مرمى نيران الجبهات المشار إليها، ناهيك ما يترتب على تدخل إيران في الصراع.. ونؤكد في هذا المقام على أن قدرات إيران اليوم تختلف البتة عن قدراتها فيما قبل دعمها لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، وقد قالها بوتين “سنسلح طرفًا ثالثًا، حال تزويد أوكرانيا بصواريخ غربية تنال من العمق الروسي” فهل تكرر روسيا استنساخ النموذج الكوري الشمالي في منطقة الشرق الأوسط؟
هل يحقق نتنياهو هدفه بتحييد قدرات حزب الله، وهل تسانده الولايات المتحدة بضرب إيران وإجهاض قدراتها النووية؟
نعم، أتفق معكم تماما في هذا الشأن، ولكن لن تدعم الولايات المتحدة هذا الاتجاه، رغم تأكيد وزير الدفاع الأمريكي منذ أيام على أن الولايات المتحدة ملتزمة بحماية إسرائيل، إلا أن المصالح الأمريكية العليا وأمنها القومي سيبقى في المقدمة ومواجهة إيران وأذرعها مكلف للغاية وسيستنزف القدرات الأمريكية بشكل حاد.. ونتنياهو وحكومته يرغبون في تحقيق أهدافهم حتى لو تعارضت مع مصالح داعميهم وأمنهم القومي.
ويجب في هذا الصدد التنويه إلى إعلان رئيس الأركان الإسرائيلي مؤخرًا بأن الوقت الحالي مناسب جدًا للتوصل لاتفاق هدنة، وهو ما يعارضه نتنياهو بشكل قاطع، ولعل هاليفي بهذا قد أثبت موقفًا سياسيًا ضد نتنياهو ومعسكر المتطرفين لمنع اتساع نطاق الحرب بما لا طاقة لجيشه بها.. وسوف يكون لهذا التصريح قيمته السياسية والقانونية الكبيرة حال الوصول لاحقًا لمثول كل هؤلاء القادة أمام لجنة عليا يناط بها التحقيق في هجوم السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ وحتى نهاية الحرب.
هذا، ونؤكد أن الجيش الإسرائيلي الآن في أشد الحاجة لهدنة يلملم من خلالها قدراته فهو في حالة تردي جسيمة، ولعل حزب الله يدرك بأن توسيع دائرة الصراع مع إسرائيل في هذه الآونة هي فرصة يصعب تكرارها لهزيمة إسرائيل.. وأشرت من قبل بأن إسرائيل لن يكون أمامها في هذه المواجهة من خيارات سوي استخدام النووي التكتيكي كورقة أخيرة لمنع الانهيار العسكري، ولعل هجوم حزب الله الأخير على ثلاث مستوطنات يعد تطورًا نوعيًا في هجمات الحزب، فالأخير كان فيما مضى يستهدف أهدافًا عسكرية فقط، أما الآن فالأهداف أصبحت مدنية، وجاء هذا ردا على ما قامت به إسرائيل أيضًا في الآونة الأخيرة، لذا فإن ما يحدث يعد تطورا خطيرًا يمهد لاتساع دائرة الحرب.
قرار محكمة العدل بشأن الحق في إقامة دولة فلسطينية مستقلة، أزعج إسرائيل بقوة.. فهل تقوم العدالة الدولية بدور مؤثر على مسرح الأحداث الراهنة؟
أكدت محكمة العدل الدولية منذ أيام أنه: يجب على إسرائيل إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية في أقرب وقت ممكن، مؤكدة أن المحكمة تعتبر أنه، لا يمكن أن يستمر الاحتلال في منع الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره، وأضافت المحكمة أنها ترى أن معاملة الاحتلال للفلسطينيين بطريقة مختلفة يمكن أن يعد تمييزا عنصريًا، مؤكدة أن المحكمة ستتطرق لاحقا إلى شرعية وجود إسرائيل في الأراضي المحتلة. وأكدت المحكمة على جانب آخر؛ أن نقل المستوطنين إلى الضفة الغربية أو القدس الشرقية يتناقض مع المادة 49 من معاهدة جنيف، مشيرة أنه: لا يمكن لسلطات الاحتلال أن تقوم بتهجير سكان المناطق المحتلة أو توطين بعض مواطنيها فيها. وانتهت المحكمة إلى أن الرأي الاستشاري الحالي لا يشمل الحرب التي اندلعت في غزة في أكتوبر 2023.
وقد هز بقوة هذا الرأي إسرائيل قادة وشعبًا، لكونه صدر عن محكمة هي الأعلى على المستوى الدولي، وجاء قرارها بناء على طلب من السكرتير العام للأمم المتحدة، وليدحض هذا القرار القانون الصادر عن الكنيست الإسرائيلي منذ أسبوع مضى، والذي انتهى لعدم جواز اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية.
هذا ولدينا وطيد الأمل أن تتحرك المحكمة الجنائية الدولية لتؤيد دائرتها التمهيدية مذكرة المدعي العام للمحكمة “كريم خان” لتوقيف نتنياهو ووزير دفاعه وآخرين.. لمحاكمتهم عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خاصة وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه يستهدفون المدنيين الفلسطينيين بشكل يومي، ويترتب على هذا الاستهداف استشهاد العشرات وجرح وتشريد المئات، ولعل المحكمة تدرك أهمية إصدار قرارها هذا الآن ليتعاصر مع زيارة نتنياهو للولايات المتحدة للحصول على المزيد من الدعم لحملته للإبادة الجماعية ضد المدنيين الفلسطينيين.. وهنا أوجه لقضاة المحكمة الجناية الدولية رسالة مفادها: “إن لم تستطيعوا إنفاذ العدالة الجنائية فلتتنحوا عن مناصبكم.. وهذا أشرف لكم”.
ماذا يريد الحوثيون من مهاجمة إسرائيل والجهات المساندة لهم رغم فداحة الخسائر التي يتعرضون لها؟
يريد الحوثيون من خلال عملياتهم ضد جيش الاحتلال دعم المقاومة الفلسطينية باعتبارهم أحد الأذرع الإيرانية في المنطقة، كما يهدفون أيضًا لتغيير الصورة الذهنية لهم؛ من تنظيم إرهابي إلى حركة داعمة لقضية تحرير الوطن الفلسطيني، أي أنهم يحاربون بجسارة دولة الاحتلال ومن يساندها. ونشير هنا إلى ما صدر مؤخرًا عن جامعة الدول العربية من إزالة التصنيف الإرهابي عن “حزب الله”، الذي تم إقراره من ثمان سنوات بناء على طلب سعودي – إماراتي، بينما أعلن البيت الأبيض في يناير الماضي إعادة إدراج الحوثيين على قائمة التنظيمات الإرهابية العالمية.