بقلم: هيثم السحماوي
القاهرة (زمان التركية)ــ بداية المقصود بالحقيبة الدبلوماسية هي عبارة عن طرود يتم مداولاتها بين كلا من البعثة الدبلوماسية في البلد التي تعمل بها، ووزارة الخارجية في البلد التابعة لها هذه البعثة. وهي عبارة عن وسيلة لنقل البريد الدبلوماسي السري بين السفارة ووزارة الخارجية التابعة لها.
ومما يمكن الإشارة إليه هنا أن هذه الحقيبة توضع عليها علامة تفيد تبعيتها لدولة معينة، وتختم بالختم الدبلوماسي لهذه الدولة.
وربما من اسمها يتخيل القارئ شكلها وهو الشكل التقليدي المنتشر في الصورة الشهيرة لها، وهي الحقيبة الصغيرة التي تضم بعض الأوراق، ولكن هذا ليس فقط شكل الحقيبة الدبلوماسية وإنما يمكن أن تكون أكبر من ذلك بكثير تصل إلى حجم سيارة وهكذا.
وفيما يتعلق بهذه الحقيبة الدبلوماسية والحصانة فوفقًا لاتفاقية فيينا وتحديدًا في المادة رقم 27 فتتمتع الحقيبة الدبلوماسية بالحصانة الكاملة، فوفقًا لنص الفقرة الثالثة (لا يجوز فتح الحقيبة الدبلوماسية أو حجزها).
وفي الجزء الأخير من الفقرة الرابعة في المادة سالفة البيان نص هامّ للغاية، يقول بعدم جواز حمل في الحقيبة الدبلوماسية إلا الوثائق الدبلوماسية والمواد المعدة للاستعمال الرسمي.
ومن هنا يكون الأمر واضحًا والعلة منطقية لوجود هذا النوع من الحصانات، فهو أمر يتعلق بأسرار الدول.
ولذا مُنحت لها الحصانة المذكورة، ومنع فتحها أو الإطلاع عليها بأي وسيلة، وفقط إذا كان لدى الدولة مشكلة معها يمكن لها أن ترجعها إلي مصدرها وتمنع تمريرها، بالطبع إلا في بعض الحالات التي يمكن أن أطلق عليها حالات تلبس أو تأكد مائة بالمائة من احتوائها على شئ ممنوع، كما سيأتي في الواقعة التي سوف أسردها لحضراتكم الآن.
ومسألة الحصانة هذه أمر لا غضاضة به إذا ما كان وفقًا لهذا المنطق وهذه العلة يسير، ولكن تحدث المشكلة كالعادة دوما في مثل هذه الامور من إستخدام الشيء بعيدًا عن علته التي وُجد لأجلها، بل وعكس هذه العلة والمنطق الذي ما وجد إلا لأجلهما. و بالتعبير القانوني ما يسمى بإساءة استخدام الحق. ويحدث هذا في موضوع الحقيبة هذا بأن تستخدم هذه الحقيبة لحمل مالا يتعلق بأسرار الدولة ولا رسائلها الخاصة، وإنما يُحمل ما يتعلق بإرتكاب جرائم معينة وحمل أشياء ممنوعة ومجرم حملها مثل المخدرات والأسلحة … الخ . وهذا يمكن أن يحدث من الدولة نفسها بمعنى علم وارادة قيادتها السياسية العليا، ويمكن أن يتم من أفراد سياسيين أو دبلوماسين بعيدًا عن علم وإرادة الدولة نفسها.
ومن الوقائع وقضايا استغلال هذه الحصانة، الواقعة التي حدثت بين نيجيريا وبريطانيا، والمتعلقة بوزير البترول النيجيري، التي حدثت عام 1984،وتتلخص وقائع القضية في:
أن أحد الوزراء السابقين في حكومة نيجيريا فر من بلاده وأقام في بريطانيا، وكان يعارض الحكومة النيجرية من علي أراضي الحكومة البريطانية. فقامت حكومة دولته حينذاك(كانوا يسمون الانقلابيون الجدد) بخطفة من أحد الأماكن في بريطانيا وتخديره ووضعوه في صندوق كبير مكتوب عليه أنه حقيبة دبلوماسية. وكاد الأمر أن يمر ويصل الوزير إلى نيجريا ويُلقى حتفه وعيده المنتظر من حكومة بلده، ولكن لحسن حظه وسوء حظ الحكومة كان مفعول المخدر الذي تم تخديره به قد انتهى وقبل وصول الصندوق للطائرة وجد البريطانيون الصندوق يتحرك ويصدر صوتًا.
وأمام رد فعل البريطانيين بأن أرادو أن يفتحوا هذا الصندوق عندما رأوا ما حدث، رفض بشدة الأفراد النيجريون الذين كانوا يحملون الصندوق مطالبين بالحصانة!!!
وبالطبع رد عليهم الإنجليز بأن هذه ليس حقيبة دبلوماسية ومخالف للقانون وهموا بالفعل بفتح الصندوق، حتى يجدو أنفسهم وجهًا لوجه مع الوزير، ويكتشفوا ما أراد النيجريون إخفاءه ولكن ليس من أسرار دبلوماسية ولكن من جريمة تهريب هذا اللاجئ المقيم على أرض بريطانيا. وأعقب ذلك مباشرة حدوث مشاكل دبلوماسية كبيرة بين الدولتين كان أولى أثارها طرد السفير النيجيري من بريطانيا وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.