بقلم: ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية)_ قال السائق في هدوء وفي صراحة ووضوح ردًّا على سؤال لراكب ثقيل الظل أراد إحراجه وجعله مادة تسلية أمام سائر ركاب لسيارة الأجرة التي ركبنا فيها أنا للتو وصديق لي في ذلك الوقت في الطريق من عمان الى دمشق: نعم كنت منذ فترة استغل الركاب فأطالبهم بأجرة أكبر مما ينبغي عليهم سداده وهم لا يشعرون.
وقد فعلت ذلك عدة مرات يا رجل في الحقيقة، ولكني لاحظت أنني أتعرض لحادث أثناء أو بعد كل رحلة أتقاضى فيها أجرة أكبر من اللازم من زبائني. واضطررت -عقب كل حادث- إلى إصلاح سيارتي مقابل مبالغ أكبر بكثير مما أقتضيته ظلمًا من الركاب فخفت على نفسي وعلى سيارتي التي اتعيش منها وتراجعت عن استغفال الناس وعن أكل أموالهم بالباطل. كثير من الشخصيات والأشخاص الذين خضعت لهم الأرض يومًا ما ظنوا – في لحظة ما – أنهم يستطيعون فعل كل شيء كما يحلوا لهم ثم مواصلة الطريق إلى حيث يريدون دون ازعاج، ولكنهم انتهوا وشهدت حياة كل واحد مهم نهاية أسوأ من كل سوء وغدًا العالم لا يذكرهم -بعد كثير من السنين والعقود- إلا بما لا يتمنى أحد لنفسه من الذكريات.
ولكن ما زال هناك في العالم من يحب أن يأتي من التصرفات ومن القرارات ما شاء بمعزل عن سوابق التاريخ وعن آراء الناصحين ولو مهم كانت النتيجة أو هكذا يبدو الأمر. فقد لا يوجد من الناس من يستطيع أن يبيح لنفسه التفوه بمثل هذا التوجه -إلا بينه وبين نفسه وبينه وبين أصدقائه الذين يشاركونه آراءه- لأن ما يعلق برقاب الناس من المسؤوليات اكبر من كل تجاهل وأعظم من كل ميول شخصية أنانية بحتة. حتى بعد مرور عقود وقرون على وفاة بعض الطغاة ما زال الباحثون والأبحاث يكشفون عن أهوال وجرائم مما لا يحمد لصاحبه ولا يشكر. والباحثون يسجلون ويتسألون عن كثير من التفاصيل الجديدة التي تثير مزيدًا من الظلام ومزيدًا من الشكوك حول حجم وتعداد المآسي والمظالم التي ارتكبها الطغاة الراحلون هم وأعوانهم من الأشرار.
من المؤكد أن الوقوع في خطأ -أو حتى في أخطاء كثيرة- لا يحول دون إمكانية الرجوع إلى جادة الطريق وإلى صحيح الاختيار. فالعودة إلى طريق الرشاد لهو انجاز كبير وانتصار حقيقي يضاف إلى انتصارات المنتصرين العظام، اذ ما أصعب الانتصار على النفس. ولا يقع في أحلك المواقف الا المنكرون المستعلون، وقد خاب من استعلى. فالاستعلاء لا يقتل إلا صاحبه ومن يحبهم ويحبونه قبل كل شخص وقبل كل شيء . والاستعلاء هو الحالة التي قد تفسر صورًا كثيرة حول العالم الآن ، وليس القانون ولا السياسة.