- بقلم: أميمة حسين عبد التواب
القاهرة (زمان التركية)ـــ اتسمت العلاقة بين جنوب أفريقيا وإسرائيل على مدى سنوات طويلة بحالة من التأرجح بين التحالف والتباعد، فقبل قيام النظام الديمقراطي في جنوب أفريقيا عام 1994 لعبت الجماعة اليهودية دوراً مهماً ومؤثراً في سياسة اتحاد جنوب أفريقيا تجاه إسرائيل ومسار القضية الفلسطينية، حيث سيطرت هذه الجماعة على أغلب قرارات حكومات الاتحاد المتعاقبة وساندت الكيان الصهيوني بقوة؛ بل كانت أداة لتعزيز وتقوية العلاقات الدبلوماسية والعسكرية بين اسرائيل واتحاد جنوب أفريقيا، وهو ما كان له دور في تطور العلاقات بين الطرفين حيث ازداد التعاون بينهما في مختلف المجالات العسكرية والاستراتيجية والتكنولوجية والتجارية.
وعقب انتهاء النظام العنصري في جنوب أفريقيا وقيام النظام الديمقراطي بالدولة اختلفت طبيعة العلاقة بين جنوب أفريقيا واسرائيل بشكل كبير عن سابقها، فتعد فترة رئاسة “نيلسون مانديلا” لجمهورية جنوب أفريقيا مرحلة فارقة في تاريخها الحديث على مختلف المستويات، وعلى مستوى العلاقات بين الدولتين، حيث أصبحت جنوب أفريقيا دولة مؤيدة بشكل كبير للقضية الفلسطينية، واستمر هذا الدعم والتأييد لسنوات كثيرة حتى عملية طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023، حيث قامت جمهورية جنوب أفريقيا بقطع علاقتها الدبلوماسية أو تجميدها مع اسرائيل أكثر من مرة على خلفية دعمها للقضية الفلسطينية آخرها في مايو 2018، إلى أن جاءت أحداث 7 أكتوبر 2023 وعملية طوفان الأقصى لتكون عاملاً وسبباً في تأزم العلاقة بين دولة جنوب أفريقيا واسرائيل بشكل كبير، حيث قامت دولة جنوب أفريقيا برفع دعوى ضد اسرائيل أمام محكمة العدل الدولية لارتكابها جرائم ابادة في حق الشعب الفلسطيني في غزة، وهو ما يُتوقع أن يزيد من حجم الخلاف والعداء بين جنوب أفريقيا واسرائيل مستقبلاً.
العلاقة بين جنوب أفريقيا واسرائيل قبل أحداث غزة 7 أكتوبر 2023 (طوفان الأقصى):
لم تكن أحداث 7 أكتوبر 2023 في غزة هي المحرك الأول لدولة جنوب أفريقيا لاتخاذ إجراء ضد إسرائيل وممارساتها العدائية ضد الشعب الفلسطيني، فمنذ أن تولى الرئيس “نيلسون مانديلا” الحكم في جنوب أفريقيا عام 1994 وما جاء بعده من حكومات، والنظام السياسي في الدولة يدعم القضية الفلسطينية بشكل كبير وينادي بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم؛ ولذلك كانت العلاقات بين جنوب أفريقيا وإسرائيل تمر بمرحلة من التوتر والتباعد في فترة حكم الرئيس “نيلسون مانديلا” وما تلاها من حكومات حتى أحداث طوفان الأقصى، عكس ما كانت العلاقات أثناء نظام الفصل العنصري والجماعة اليهودية التي عملت على تعزيز العلاقة بين الدولتين وتوطيدها.
فعندما وصل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي للحكم عام 1994 وهو يدعو بشكل دائم للتضامن مع حقوق الشعب الفلسطيني ويدعو إلى انسحاب اسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة تطبيقاً للمعاهدات والاتفاقات القائمة وقرارات الأمم المتحدة المناصرة للفلسطينيين، وفي عام 1997 صدر عن “نيلسون مانديلا” تصريح قوي لدعم منظمة التحرير الفلسطينية من أجل تقرير المصير؛ حيث قال: “نحن نعتبر جميعاً أن حريتنا غير مكتملة بدون حرية الفلسطينيين”، وفي العام نفسه أرسل “نيلسون مانديلا” رسالة رسمية لدعم ياسر عرفات والفلسطينيين من أجل تقرير المصير واقامة دولة مستقرة في اطار عملية السلام، واستمرت حكومة جنوب أفريقيا تؤيد كل القرارات الصادرة لصالح فلسطين عن مجلس حقوق الإنسان ومجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة من 1998 وحتى 2006.
وكل هذا تسبب في توتر العلاقة بين اسرائيل وجنوب أفريقيا خاصة في عام 2008، حيث حدث تحول في علاقة جنوب أفريقيا بإسرائيل من مجرد نقد شفوي لسياسات وممارسات اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني إلى إجراء فعلي تمثل في توقيع أكثر من 12 مسؤول حكومي في جنوب أفريقيا على خطاب مفتوح معلنين فيه أن اسرائيل تنتهك حق الفلسطينيين وأنها دولة أبارتهايد؛ وذلك نظراً لخرقها القانون الدولي الإنساني، وفي عام 2010 أصدرت الحكومة احتجاجاً ضد اسرائيل بسبب هجومها على مدنيين أبرياء في المياه الدولية واستدعت سفيرها في اسرائيل، وفي عام 2013 جمدت جنوب أفريقيا علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل بسبب منعها دخول وزراء من جنوب أفريقيا إلى اسرائيل، وفي عام 2018 سحبت جنوب أفريقيا سفيرها من اسرائيل بسبب قتل 52 فلسطينياً على خلفية احتجاجات في غزة، واقتصرت الأمور بين الدولتين على إدارة الشؤون القنصلية، وفي عام 2022 أوضحت وثيقة تم نشرها مؤخراً من قِبل جنوب أفريقيا أن اسرائيل دولة أبارتهايد ودعت إلى تخفيض التمثيل الدبلوماسي معها.
تأثير أحداث غزة 7 أكتوبر 2023 “عملية طوفان الأقصى” على العلاقة بين جنوب أفريقيا واسرائيل:
جاءت أحداث عملية طوفان الأقصى في غزة أكتوبر 2023 لتزيد من حدة التوتر بين اسرائيل وجنوب أفريقيا ولتكون عاملاً في تأزم العلاقة بين الدولتين، فمنذ أن اندلعت هذه الأحداث تعمل جنوب أفريقيا على دعم ومساندة الشعب الفلسطيني سواء على المستوى الرسمي المتمثل في الحكومة أو المستوى الشعبي المتمثل في الشعب:
فعلى المستوى الرسمي: استدعت حكومة جنوب أفريقيا كل ممثليها الدبلوماسيين من تل أبيب في أوائل نوفمبر 2023، وصوت البرلمان عبر قرار أصدره على إغلاق السفارة الاسرائيلية في بريتوريا وتعليق العلاقات الدبلوماسية وذلك لحين امتثال اسرائيل لقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بفلسطين، ولم يتوقف دعم جنوب أفريقيا لفلسطين عند هذا الحد؛ بل تجلت قوة تأييد جنوب أفريقيا لفلسطين في الدعوى التي قدمتها ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية لارتكابها جرائم ابادة في حق الشعب الفلسطيني في غزة.
وعلى المستوى الشعبي: خرجت الكثير من المظاهرات في جنوب أفريقيا منددة بالأعمال التي ترتكبها اسرائيل في حق الشعب الفلسطيني وتطالب بحقه في الحرية والسلام، فضلاً عن تعليق أعلام فلسطين على المباني وانتشار الجداريات واللافتات المناهضة للإبادة الجماعية لإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وهو ما اعتاد عليه شعب جمهورية أفريقيا في تأييده ونصره للقضية الفلسطينية حيث أنه في عام 2014 خرج مئات الآلاف من المحتجين في جنوب أفريقيا في مظاهرات بشوارع “كيب تاون” منددين بقصف اسرائيل لغزة بالقنابل ومطالبين جنوب أفريقيا بقطع علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع اسرائيل.
كل هذا يشير إلى تباعد العلاقة بين الدولتين مستقبلاً وفق ما يتوقعه الكثيرون، حيث أنه من المحتمل أن تتراجع العلاقات الاقتصادية بين الدولتين كما هو الحال في العلاقات الدبلوماسية، خاصةً مع دعوة وزيرة خارجية جنوب أفريقيا رسمياً إلى مقاطعة المنتجات والبضائع الاسرائيلية، وهو ما يعني بالتالي أن اسرائيل ستخسر شريكاً تجارياً مهماً لها في القارة، فضلاً عن تداعيات رفع جنوب أفريقيا لدعوى ضد اسرائيل في محكمة العدل الدولية والتي قد يمتد البت فيها لسنوات عديدة.
وختاماً: يمكن القول أن العلاقة بين جنوب أفريقيا واسرائيل كانت على مستوى السنوات الماضية ومنذ أن تولى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي مقاليد الحكم في جنوب أفريقيا 1994 وهي تتسم بالتباعد والخلاف، نتيجة رفض النظام الحاكم في جنوب أفريقيا لممارسات وسياسات إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني، في ظل النظام الحاكم وهو يدافع عن القضية الفلسطينية على كافة المستويات وبمختلف الطرق، إلى أن جاءت أحداث عملية طوفان الأقصى في غزة 7 أكتوبر 2023 لتُحدث تأزم في العلاقة بين الدولتين، حيث اتخذت جمهورية جنوب أفريقيا العديد من الإجراءات التي تدين بها إسرائيل ممارساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، وظهر جُلّ تأييدها لفلسطين ومعارضتها لإسرائيل في الدعوى التي قدمتها أمام محكمة العدل الدولية والتي أدانت بها اسرائيل أمام العالم كله، حيث قدمتها للمحاكمة أمام محكمة العدل الدولية، وهو ما يُتوقع أن يكون له أثر كبير في تدهور وتوتر العلاقة بين الدولتين مستقبلاً.