القاهرة (زمان التركية) – عقب هجوم فصائل المقاومة الفلسطينية على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، وإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي الحرب على غزة، فقد بدأ الجيش الإسرائيلي باقتحام شمال غزة ثم وسطها، مع تهجير السكان لمنطقة جنوب القطاع، وبهذا فقد تركز حوالي مليون وثلاثمائة ألفًا من المدنيين في منطقة رفح الفلسطينية داخل الخيام، ومُنِعوا – حتى الآن- من العودة لمساكنهم المهدم غالبيتها.
هذا ويهدد من شهور مضت نتنياهو وحكومته ومجلس الحرب باقتحام رفح بريا، توهما منهم بإنجاز مهمة القضاء على فلول فصائل المقاومة وتحرير الرهائن والأسرى، رغم ما يحيط بهذه المهمة من مخاطر جسام؛ خاصة على أرواح السكان المدنيين الفلسطينيين المكدسين في جنوب القطاع، ورغم التحذيرات الأمريكية والأوروبية لإسرائيل من انعكاسات هذا الاقتحام على أمن المنطقة بصفة عامة.
مقتل ثلاث رهائن بنيران إسرائيلية
* ولنعرض في هذا المقام وبشكل تحليلي؛ لخسائر إسرائيل حال اقتحام رفح بريا:
١- سيخسر الرهائن والأسرى، ولن يستطيع أن يحررهم بعمليات عسكرية كما يدعي، وإن فعل فسيستلمهم جثثًا، وهنا لن يبقى أي معنى لانتصار إسرائيلي يذكر، حتى وإن تمكن من تصفية كل قيادات المقاومة. وجدير بالذكر أن “أبو عبيدة” المتحدث باسم كتائب القسام قد هدد منذ أيام في تصريح له بأن: “الأسرى سيكون مصيرهم مصير الطيار الحربي رون أراد”؛ والأخير هذا؛ ملاح جوي سقط من طائرته بجنوب لبنان عام ١٩٨٦، واعتقلته حركة أمل، ومن يومها، لم يعثر له على أثر حتى الآن.
٢- سيتكبد نتنياهو خسائر بشرية جسيمة في جنوده.. فمعركة رفح ستكون بالنسبة لعناصر المقاومة بمثابة “أم المعارك”.
٣ – لن يقضي الجيش الإسرائيلي بشكل تام على عناصر المقاومة كما يدعي نتنياهو لسبب رئيسي؛ أن أغلب تحركاتهم ليست على الأرض، وإنما عبر طرقات الأنفاق، ويؤيد هذا أن الجيش الإسرائيلي اقتحم خان يونس أكثر من ثلاث مرات، وفي كل مرة يصرح بأنه طهر بؤرة خان يونس على حد قوله، ثم يعاود اقتحامها مرات أخرى لقيام عناصر المقاومة بتوجيه ضربات مؤثرة لقوات جيش الاحتلال، حيث يصل الأمر أحيانا لاستخدام المقاومة في خان يونس لصواريخ ضد أهداف إسرائيلية.
٤ – الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين ستتضاعف بالاقتحام البري، وهنا سيثبت بشكل قاطع ارتكاب جيش الاحتلال لجرائم الإبادة الجماعية، هذا وصوت مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة لصالح قرار يمنع بيع الأسلحة لإسرائيل، ويدعو لمحاكمة المسئولين الإسرائيليين عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويدعو إلى تقديم المساعدات بشكل أقوى للمدنيين. هذا وإن كانت قرارات هذا المجلس غير ملزمة، لكنها تعبر عن ضمير المجتمع الدولي، ومما لا شك فيه أن هذا القرار سيؤثر على ملف قضية دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، حيث تتهمها أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية للمدنيين الفلسطينيين. كما يثير التقرير السنوي الأخير لوزارة الخارجية الأمريكية حول أوضاع حقوق الإنسان، وجود مخاوف حادة بشأن الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، مشيرًا إلى مزاعم بارتكاب الجيش الإسرائيلي وعناصر المقاومة الفلسطينية لجرائم حرب، وذلك بحسب ما نشرته شبكة (سي إن إن) الأمريكية.
٥ – هذا، ووارد بقوة كرد فعل على الاقتحام البري المحتمل اتساع نطاق الحرب، وهو ما تحذر منه الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا.
احتجاجات طلاب جامعات أمريكية واعتقال المئات منهم
٦ – الرأي العام العالمي ربما يتحد لإنفاذ العدالة الدولية؛ من خلال عقد محاكمة جنائية لقادة إسرائيل (لارتكابهم جرائم إبادة جماعية – المادة (٦) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية) وكذا محاكمة قادة المقاومة الفلسطينية (لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية (الإخفاء القسري لمدنيين – المادة (٧) من النظام المشار إليه). هذا وجدير بالذكر أننا تابعنا لمرة أخرى في الآونة الأخيرة احتجاجات طلابية عارمة في كبرى الجامعات الأمريكية.. ولعل أهم أسباب تلك الاحتجاجات إنما ترجع إلى ارتكاب إسرائيل لجرائم للإبادة الجماعية لمدنيين فلسطينيين وصل أعدادهم لما يزيد على المائة ألف بين شهيد وجريح، هذا في ظل صمت دولي على الهولوكوست الإسرائيلي المشار إليه، والدعم العسكري الأمريكي الداعم له.
– كما أن هناك سببًا آخر للانتفاضة الطلابية الأمريكية؛ يتمثل في كم الإساءات التي صدرت عن رئيس الحكومة الإسرائيلية وبعض وزرائه على أثر تداول أخبار عن توقيع الإدارة الأمريكية لعقوبات على كتيبة “نتساح يهودا” التابعة للجيش الإسرائيلي تطبيقا لقانون “ليهي” الأمريكي؛ وتشير أحكامه إلى التزام الجيوش التي تتسلح بأسلحة أمريكية بمبادئ حقوق الإنسان، وإلا خضعت لعقوبات في مقدمتها منع بيع أو مساعدة هذه الجيوش بالأسلحة الأمريكية، وقد ارتكبت هذه الكتيبة جرائم إبادة وأخرى ضد الإنسانية لا حصر لها.
– وصرح نتنياهو عقب ما نشر إعلاميًا من اعتزام وزارة الخارجية الأمريكية توقيع العقوبات المشار إليها بقوله: “سنحارب كل من يعتقد أن بإمكانه فرض عقوبات على الجيش الإسرائيلي.. وأن هذه العقوبات سخيفة، وتمثل نوعًا من الانحطاط الأخلاقي“. كما صرح أيضًا بن غفير وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي بأن: “مشروع القرار الأمريكي يعد تجاوزا للخطوط الحمراء“، وزايد عليهما سموتريتش وزير المالية بقوله: “أن في هذا الأمر جنون من الإدارة الأمريكية”. وفي ضوء هذه الإساءات العلنية غير المسبوقة من قبل قيادات الحكومة الإسرائيلية للمسئولين في الإدارة الأمريكية، فإننا لا نتعجب بعدها من قيام طلاب أهم الجامعات الأمريكية وجانبًا من أعضاء هيئات التدريس بالاحتجاج تارة والاعتصام تارة أخرى، باعتبارها انتفاضة شبابية للكرامة الأمريكية المهدرة.. خاصة وأنها جاءت في اليوم التالي مباشرة من موافقة الكونجرس الأمريكي على اعتماد سبعة عشر مليارًا من الدولارات الأمريكية كمساعدات عسكرية للكيان الصهيوني !!!.
صورة من السياج الحدودي بين مصر وغزة
٧ – ستتحمل إسرائيل مردود هروب أعداد من المدنيين لرفح المصرية كنتيجة لتعرضهم لمخاطر الإبادة الجماعية، حيث أتوقع كمحلل؛ أن السلطات المصرية سيتعذر عليها إحكام الرقابة الكاملة على الحدود في هذه الحالة، ولكنها حتما ستعيد المدنيين لغزة مرة ثانية وفي أقرب وقت ممكن، كما أعتقد أنه لن يُسمح لإسرائيل بأي نوع من أنواع السيطرة على محور صلاح الدين.
٨ – التداعيات المترتبة على الاقتحام البري الإسرائيلي لرفح ستمثل في جانب منها خرقا لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، لذا فإنه من المؤكد أن الجيش المصري سيتخذ كافة الإجراءات الكفيلة بحماية أمن مصر القومي خاصة في سيناء.
* وعطفا على ما أوردناه عاليه من مخاطر محتملة ستتعرض لها إسرائيل حال قيام جيشها باقتحام رفح بريا.. فهل سيصر نتنياهو مع هذا على خوض غمار هذه المغامرة ؟ سأترك للقارئ الكريم التنبؤ بالموقف النهائي لرئيس الوزراء الإسرائيلي ومجلس حربه المصغر.