بيروت (أ ب)- المعرض المقام في محكمة في هولندا مهجور كما هي حال مقاعد المتهمين في محاكمة خمسة من المنتمين لحزب الله اللبناني المشتبه بهم في قضية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، أحد أبرز السياسيين السنة في الشرق الأوسط.
الانفجار الضخم الذي دمر موكبة المار عند شاطيء البحر في بيروت قبل عشرة أعوام تسبب في اطلاق هزة في المنطقة أطلقت العنان لإنتفاضة شعبية وحدت اللبنانيين، ولو لفترة وجيزة، وطردت القوات السورية من البلاد. لكن بعد عقد من الزمان، وبرغم ملايين الدولارات التي انفقت، لا تزال العدالة عصية على التحقيق في قضية هيمنت عليها الإضطرابات الأخيرة.
يقول هلال خاشان، استاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت “المحكمة تعود بالذاكرة الى حقبة أخرى، والتطورات الأخيرة طغت عليها للأسف.”
لكن وعلى الرغم من اخفاقاتها، لا يزال ينظر الى المحكمة وعلى نطاق واسع بأنها خطوة صغيرة ولكن ضرورية في إنهاء ثقافة الإفلات من العقاب في منطقة عنيفة بامتياز.
اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير شباط من عام 2005، والذي يشير اليه البعض بأنه 11 سبتمبر أيلول اللبناني، أودى بحياة رئيس الوزراء السابق و22 شخصا آخرين، وأصاب أكثر من 200 بجراح. أذهل امة اعتادت على العنف والإغتيالات. الحريري، رجل الأعمال المليونير الذي يتمتع بكاريزما عالية، كان أبرز السياسيين السنة في لبنان، ويعزى اليه الفضل في بناء وسط بيروت الخارجة من ويلات حرب أهلية استمرت 15 عاما من 1975 وحتى 1990.
الأحزاب المناوئة لسوريا، والتي كانت في المعارضة حينها، حملت الحكومة السورية مسؤولية اغتيال الحريري، وهو اتهام رفضته دمشق. الحشود اللبنانية تدفقت نحو ساحة الشهداء وسط بيروت في مشاهد تشبه الى حد كبير انتفاضات الربيع العربي التي اندلعت بعد ذلك بست سنوات.
سوريا، التي كانت تحتفظ بنحو 15 ألف جندي في لبنان، اجبرت على الرحيل لتنهي 30 عاما من الهيمنة العسكرية على جارتها الصغيرة.
لكن مقتل الحريري والتحقيق الذي أعقبه، والذي ركز على سوريا وحليفها الشيعي حزب الله اللبناني، شحذ الإنقسام الطائفي في البلاد ورفع من حدة السجالات المستعصية الأخرى، من ضمنها دور حزب الله وترسانته الواسعة من الأسلحة والتي طالب المعارضون تفكيكها.
تعاني البلاد الآن من تهديد عسكري عند حدودها وعنف عادة ما يطالها من الحرب الأهلية السورية. نجل الحريري، سعد، الذي تولى ارتداء عباءة والده السياسية، مقيم بين باريس والعربية السعودية، خشية أن يلقى مصير والده إن عاد الى لبنان.
وحذر زعيم حزب الله حسن نصرالله، الذي وصف عملية الاغتيال والمحاكمة بأنها مؤامرة إسرائيلية، من أنه “سيقطع يد” كل من يحاول اعتقال الخمسة المشتبه بهم من حزب الله، وقال إن المحاكمة لن تنال منهم أبدا “حتى ولو بعد 300 سنة”.
وبدأت محاكمة الخمسة أشخاص المشتبه بهم غيابيا في يناير/ كانون ثان 2014، وذلك في محكمة خاصة بشؤون لبنان تدعمها الأمم المتحدة أقيمت في بلدة ليدشيندام الهولندية.
وتوجه العديد من السياسيين والشهود اللبنانيين إلى المحكمة في هولندا للإدلاء بشهاداتهم العام الماضي.
كان من ضمنهم مروان حمادة، وهو نائب لبناني بارز ووزير سابق كان مقربا من الحريري. وكان قد تعرض لإصابات بالغة في محاولة اغتيال قبل أربعة أشهر من مقتل الحريري. ويعتقد أن الحكومة السورية كانت تقف وراء عملية القتل.
وقال للأسوشيتد برس من مكتبه في وسط مدينة بيروت: “لم نسع أبدا للانتقام. ولكن عبر الكشف عن منفذ الجريمة فنحن أيضا نكشف تدريجيا عمن حرض على الجريمة واتخذ القرار بشأنها”.
وأضاف حمادة إنه يتوقع أن تصدر الأحكام خلال عام، دون وجود القتلة في قاعة المحكمة.
وتظهر صورة الراحل الحريري على لافتات علقت في شوارع بيروت بمناسبة الذكرى العاشرة وعبارة: “عشرة.. ميّة.. ألف سنة.. مكملين”.
وداخل المحكمة يوم الأربعاء الماضي، خلت القاعة العامة – المؤلفة من عشرات المقاعد ذات اللون الرمادي والتي يفصلها عن قاعة المحكمة جدار من الزجاج – عدا من صحفي واحد واثنين من حراس الأمن.
وداخل قاعة المحكمة نفسها، حضر الجلسة نحو عشرين شخصا من قضاة ومحامين وموظفين وحراس أمن، حيث استمعوا لشهادات الشهود المكتوبة باختصار والتي ألقاها ممثلو الادعاء. وهؤلاء الشهود استخدمت اسمائهم في شراء هواتف متحركة يزعم أنها استخدمت في عملية التفجير.
ويتولى ممثلو الدفاع دورهم في الدفاع عن المتهمين عقب انتهاء الادعاء من تقديم أدلتهم.
ويقول سياسيون لبنانيون موالون لحزب الله إن المحاكمة ليست ذات قيمة، وطالب البعض بتوقف لبنان عن دفع حصتها في ميزانية المحاكمة، والتي تصل إلى 49 بالمائة، قائلين إن دول الخليج الغنية بالنفط هي التي يجب أن تسدد بدلا منه.
والحريري كان يحمل الجنسيتين اللبنانية والسعودية.
وقال وئام وهاب، أحد الساسة الموالين لحزب الله، إن المحاكمة لم تفعل “أي شيء يمنحها المصداقية”.
وفي مقابلة تلفزيونية، أضاف أن المحاكمة “لن تتمكن من المساس بظفر أي عضو من أعضاء المقاومة” في إشارة إلى أعضاء حزب الله.
وقالت الناطقة باسم المحكمة ماريان الحاج إن المحاكمة تقدم العدالة، حتى دون وجود المتهمين في المحكمة، وعبرت عن أملها في أن يكون لها تأثير إيجابي في أنخاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقالت “المنطقة تشهد تغييرا وشعوبها تطالب بالعدالة والمساءلة”.
وقال دبلوماسي غربي في الشرق الأوسط إن المحاكمة “توضح أنه ليس هناك مجال للإفلات من العقاب، رغم أن من الصعب الحكم بالسجن على أي شخص”.
وأضاف قائلا: “للمحاكمة قيمة رمزية”.