نوح جونولطاش
جهاز الدولة له شكلان أساسيان:
- الدولة الظالمة.
- الدولة العادلة.
وجميع كيانات الدول تتراوح عملياً بين هذين الشكلين. ولا أحد يريد العيش في دولة ظالمة حتى الظالمون أنفسهم.
فالكل يود العيش في دولة عادلة تحترم الحقوق وتكون مرفهة قدر الإمكان. فإن كانت الدولة التي يعيش فيها على هذا النحو فإنه يتبناها ويحترمها وإلا فسوف يكون “عدو الدولة”.
هذا وإن كل كيان إيديولوجي يتطلع لامتلاك “الدولة”. لأن الدولة هي الوسيلة الرئيسة للحكم والآلية الوحيدة التي تسوِّغ استخدام الشِّدة ضد الآخرين.
وإذا كان الأمر كذلك، فإنه تظهر جريمة غريبة تطلق عليها “السيطرة على الدولة”.
وانتقال “الدولة” إلى أحد الشعوب التي تعيش أو تقيم في ظلها احتمال وارد دائماً. وهذا ما يزعج الشعوب الأخرى. لأن الدولة التي يحكمها هيكل أو كيان نمطي موحد لا تُسخَّر إلا لخدمة مصالح المنتسبين لهذا الكيان فقط. والدول التي تلاحظ هذه الحالة تستغل الفروق بين الشعوب وتوظّفها في تحريض بعضها ضد بعض سراً أو علناً لمنع سيطرة إيديولوجية أخرى على آلة الدولة، كما يجري في تركيا. وبذلك يُدفَع الآخرون إلى دنيا الجرائم ويُعلَنون مجرمين حتى يتمكَّن القسم الآخر من التمسّك بالسلطة والبقاء فيها.
إن أساس طمع السيطرة على الدولة هو القوة والثراء اللذين توفّرهما الدولة لأصحابها. ولأن الدولة في تركيا لاتزال مصدرَ الثراء فالجميع يطمح للوصول إلى قمتها. والواجب بعد التجارب التي عشناها هو تحويل الدولة إلى كيان لايطمح أحد إلى السيطرة عليه بل يتخلى عن هذا الحب. وهذا يتطلّب تصغير آلية الدولة وتجنيبها من الدخول والتدخل في الأمور الخارجة عن إطار مهامها.
فالدولة يجب:
- ألا توزع الثراء.
- ألا تستخدم قوتها ضد أية فئة من شعوبها حتى لايطمح أو لايسعى أي منها إلى السيطرة عليها.
وهذا النوع من كيان الدولة المذكور قابل للوجود والتطبيق، وهذا هو ما نحتاجه نحن كشعب ودولة.
وعموما أغلب الناس لدينا من التيار اليميني المحافظ ولايزالون يرون أن “الدولة شيئ مقدس” ويتمنون أن تحظى دولتهم بقوة إمبريالية تمكنهم من تصدير معتقداتهم للمجتمعات الأخرى.
بينما مهمة الدولة هي:
- حماية المجتمع من هجمات المجتمعات الأخرى.
- تأمين العدالة بين المواطنين الذين يعيشون في الدولة ومنع الخصومات وتطبيق القانون على الخارجين عنه.
- التشجيع على الخدمات التي لايستطيع القطاع الخاص تحقيقها والتوسّط فيها.
- أما مايقع خارج نطاق المواد المذكورة من الأفعال والأعمال فإسنادها إلى الدولة كمهمة بموجب إيديولوجياتنا ومعتقداتنا ليس إلا بمثابة التدخل في حقوق الآخرين.
فإن كان الذين يعيشون في تلك الدولة يريدون نشر إيديولوجياتهم ومعتقداتهم بين الآخرين يمكنهم فعل ذلك عن طريق مؤسسات المجتمع المدني المستقلة عن الدولة شريطةَ التزامِ ومراعاةِ مبادئ القانون والعدل.
وخلاصة القول: إن الدولة ليست ملكاً خاصاً لأحد، وإنما هي آلة تحقِّق القانون والعدل والأمن. والمقاربات التي تسند إلى الدولة مهامَّ خارجةً عن هذا الإطار وتطالبها بصياغة نفسها على هذه الصورة، سواء تتبناها السلطة أو أفراد الشعب، تفتح المجال للظلم والجور والانتهاكات القانونية.