إسطنبول (زمان عربي) – دخلت تركيا في السنوات الأخيرة من حكم رجب طيب أردوغان في دوامة من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية.
ففي الوقت الذي يزداد الفقراء في البلاد فيه فقرا بدأت الفجوة تتسع بين طبقة الفقراء والأغنياء في البلاد. وبدأت جرائم السرقة والفساد والرشوة والانحلال الأخلاقي وتعاطي المخدرات والمحسوبية في الانتشار سريعا داخل المجتمع كالنار في الهشيم. بل ووصل الأمر إلى أن الخطاب العنصري التفريقي الذي يستخدمه أردوغان وحزبه بدأ في إحداث صدوع وشروخ بين أفراد الأسرة الواحدة.
كما تشهد البلاد للمرة الأولى في تاريخها خطر انقسام حقيقي في ظل عجز حكومة حزب العدالة والتنمية عن حل أزمة الأكراد المتفاقمة يوما بعد يوم.
وتحولت تركيا من دولة محط أنظار بين الدول الإسلامية وقبلها الغربية إلى دولة منعزلة تعاني من الوحدة بعد أن ابتعد عنها كل الأصدقاء. وتحولت سياستها الخارجية التي أطلقها وزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو من “صفر المشكلات” إلى “صفر العلاقات” مع جيرانها.
ولفهم سبب الوحدة والعزلة الدولية التي تعاني منها تركيا مؤخرا يكفي تسليط الضوء على جولات أردوغان في الخارج فقط.
فقد قام أردوغان بزيارة كوبا بالقارة الأمريكية اللاتينية بعد أن أجرى زيارة لثلاثة دول أفريقية خلال شهر يناير/ كانون الثاني الماضي. وأصبح تقريبا كل القادة العرب والغربيين لايريدون الاجتماع معه أو أن تجمعهم به صورة واحدة.
وعلى الرغم من كل الأزمات الكبيرة التي تواجهها تركيا مؤخرا إلا أن حزب العدالة والتنمية لايزال يتربع على رأس الأحزاب السياسية في البلاد ويبدو وكأنه سيحصل على الأغلبية مجددا في الانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة في 7 يونيو/ حزيران المقبل كذلك.
وهنا السؤال يطرح نفسه؛ لماذا يصوت الشعب لأردوغان على الرغم من الأزمات والسلبيات التي يعاني منها المجتمع في تركيا؟
ضعف المعارضة..
1- يعتبر ضعف المعارضة السياسية في البلاد أحد أهم الأسباب. حتى حزب الشعب الجمهوري (CHP)، أقوى أحزاب المعارضة التركية يعاني من تكون صورة سيئة عنه في أذهان الشعب التركي. إذ يوصف ويعامل حزب الشعب الجمهوري ذي الأصول اليسارية، على أنه عدو للدين بسبب الممارسات المعادية للدين التي اتخذها في الماضي. بينما يعتبر حزب الحركة القومية (MHP) قومي تركي، وحزب السلام والديمقراطية (BDP) قومي كردي. ونتيجة عدم قدرة هذه الأحزاب على تطوير لغة خطاب قادرة على التأثير على طبقات عريضة من الشعب التركي.
المساعدات التي يقدمها الحزب الحاكم باسم الدولة..
2- حولت حكومة حزب العدالة والتنمية الشعبَ التركيَ، الذي يعاني أكثر من نصفه من الفقر، على مدار 12 عاما إلى طبقات مستهلكة تعتمد على مساعدات الحكومة في مجالات الصحة، والزراعة، والطعام، والمحروقات.. وغيرها من المواد الاستهلاكية؛ بدلا عن محاولة إغناء الشعب التركي عن طريق فرض حزم تشجيع صغار المستثمرين والمصنعين. ويرى خبراء الاقتصاد أن تلك المساعدات تصل قيمتها سنويا إلى 15 مليار دولار. وينتاب المواطنون مخاوف من انقطاع تلك المساعدات والمعونات في حال تنحي حزب العدالة والتنمية من الحكم.
الصراعات السياسية في الماضي..
3- شهدت تركيا أزمات اقتصادية وسياسية غاية في الخطورة قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم عام 2002. ومرت البلاد بفترات تخطى فيها التضخم 100% بسبب توالي الأزمات. لذلك تخشى طبقات عريضة من المجتمع من حالة عدم الاستقرار التي قد تعقب رحيل حزب العدالة والتنمية.
إثقال كاهل المواطنين بالديون..
4- تسببت سياسات الحكومة في إثقال كاهل قطاع عريض من المواطنين بالديون. وهذا أيضًا يقوي مخاوف المواطنين من عجزهم عن سداد ديونهم المستحقة في حال حدوث عدم استقرار. ويتوقع خبراء الاقتصاد اعتمادا على المعطيات الاقتصادية المعلنة أن ديون المواطنين ببطاقات الإئتمان وصلت إلى 6 مليارات دولار.
كاريزما أردوغان…
5- يصوت عدد كبير من المواطنين لأردوغان لشخصه أكثر من إعجابهم بسياسات حزب العدالة التنمية. إذ يتمتع أردوغان بكاريزما جيدة من أسلوب خطابة وطريقة سيره وطول قامته وكل ذلك له تأثير إيجابي على المواطنين.
استخدام الدين كآداة للسياسة..
6- يستغل أردوغان وطبقة المسؤولين المحيطين به والمقربين منه تأثير الخطاب الديني على المواطنين. وعلى الرغم من الخطابات المعادية أو المخالفة للإسلام التي يستخدمها بعض الوزراء أو نواب البرلمان التابعين لحزب العدالة والتنمية إلا أن الحزب يقوم بالتشويش على هذه الإساءات عبر الخطابات والمشاريع الرنانة.
السيطرة على وسائل الإعلام..
7- يقوم رئيس الجمهورية التركي رجب أردوغان بنشر حملاته الدعائية أكثر فاعلية بعد أن سيطر على 90% تقريبا من وسائل الإعلام والصحف في البلاد. وفي الوقت نفسه يشن حملات تشويه ضد معارضيه منها. فضلا عن محاولات إسكات وسائل الإعلام المعارضة من خلال شن حملات مداهمة ضدها.
أردوغان يختلق أعداء جددا في كل مرة
8- يختلق أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية دائما أعداء جددا لأنفسهم، ويوهمون الشعب التركي بأن البلاد ستشهد موجة من الأزمات وحالة من الفوضى في حالة رحيلهم عن الحكم. فقد كان أعداؤهم في السابق الجيش، والدولة العميقة، والبيروقراطية، والقضاء، أما الآن فأعداؤهم “الكيان الموازي” المزعوم والوهمي وإسرائيل، والمعارضة…
استغلال جميع مؤسسات الدولة..
9- في ظل حكم حزب العدالة والتنمية تشهد تركيا للمرة الأولى في تاريخها تعمل جميع مؤسسات الدولة من قضاء، وقوات الأمن، والاستخبارات، والوزارات، ورؤساء البلديات والإدارات المحلية لصالح الحزب الحاكم المتربع على السلطة في البلاد. والحزب يستغل العاملين في كل قطاعات الدولة وكأنهم أعضاء بالحزب.