أحمد كوروجان
كنتُ قد تابعت تصريح مفتي الديار المصرية السابق الدكتور علي جمعة لتليفزيون غربي منذ مدة. وكان يتحدث عن الفتوى.
وقد ذكر رقما لفت انتباهي. حيث قال في تفاصيل كلامه: “تصدر قرابة 5 ملايين فتوى سنويا في العالم الإسلامي”. إنه أمر غريب جدا. لا أدري من أين أتوا بهذا الرقم. لا أستطيع الجزم بصحته أو خطأه. ولكن من المؤكد أننا نعيش في عصر كثرت فيه الفتاوى. وأذكر عبارة علقت في ذاكرتي منذ سنوات وقد سمعتها في أحد البرامج التلفزيونية “كل من له فم يتكلم وكأنه مختص في الموضوع”. وهذا أفقد الفتوى قيمته ومنزلته لدى العامة.
فلو كان الجميع يعلمون ما هي الفتوى؟ وفي أي المواقف تُقدَّم؟ وعمّن تصدر؟ وما هي الأسس التي يجب اعتمادها لإصدارها؟ لما صدرت في السنة الواحدة 5 ملايين فتوى، ولما استهلكنا مفهوم الفتوى كنتيجة طبيعية لذلك.
إن هذا الوضع المؤسف يقودني للتساؤل: هل نحن نعيش العصر الذي أنبأنا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم منذ قرون طويلة؟ حيث روى عمرو بن العاص أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا”(متفق عليه).
بيد أن هناك العديد من المنظومات المتعلقة بعلم الفقه الذي هو محور الفتوى، كما في كل العلوم الأخرى. وتأتي في مقدمة هذه المنظومات بلا شك صدور الفتوى عن أهلها. وقد ذكر أحمد بن حنبل 5 صفات يجب أن يتحلى بها المفتي، وهي:
1-سلامة النية وعدم ابتغاء أي شيء سوى مرضاة الله.
2-أن يتصف بالعلم والحلم والوقار والجدية.
3-أن يكون واثقا بنفسه وعلمه.
4-أن تكون له منزلة علمية معتبرة ومكانة مرموقة بين الناس.
5-أن يعرف الناس جيدا كأفراد وكمجتمع.
ويمكننا أن نضيف شروطا أخرى تتوافق مع العصر الذي نعيشه.
وبناء على ذلك لا أظن أنه من الخطأ قولنا إن إفتاء الشخص في العلوم الإسلامية دون أن يمتلك المعرفة الكافية والخبرة اللازمة في المجالات التي يفتي فيها، خطأ وغلط وذنب وجناية بحق الدين. ففي مثل هذا الوضع لا أحد يستفيد، بل الكل يخسر. المفتي، والسائل، والذي يعمل الناتج عن الفتوى وكذلك المجتمع، والأهم من ذلك كله أن الدين سيتضرر. وهذا ما أقصده بقولي “جناية بحق الدين”.
ولا داعي لضرب الأمثلة من الأماكن البعيدة، فهلا فكرتم في منفذي العمليات الإرهابية؟ تابعوا كلامهم الذي يمكن أن تستمعوا إليه بسهولة عبر الإنترنت. فهم لا يكتفون بقتل أنفسهم من أجل أحلام مبنية على أوهام، بل يتسببون أيضا بمقتل مئات أو آلاف من الأبرياء معهم. فهم يرتكبون جريمة القتل العمد باسم الدين، ويستندون في ذلك إلى آراء عندية لأناس يتكلمون وكأنهم يصدرون الفتاوى، ولا يستندون إلى أي دليل علمي كما ورد في الحديث الشريف.
الأسئلة التي وُجِّهت للدكتور علي جمعة وكأنها استجواب في ذلك البرنامج التلفزيوني، كانت في أغلبها حول ما يقال إنها فتاوى متعلقة بالهجمات الانتحارية.
إن الفتاوى عبارة عن قناعات متعلقة بمجالات الدين والدنيا ولا سيما العبادات. ويمكن للمفتي أن يعرض اجتهاده الشخصي، أو يرجع إلى أحد الاجتهادات القديمة لأنها تفي بالغرض؛ وذلك حسب الموضوع الذي يجيب عنه. فإن نظرنا من هاتين الزاويتين تبين لنا أن الشروط التي يجب توافرها في المفتي هي نفس الشروط الواجب توافرها في المجتهد والقاضي. وتعبيرا عن ذلك يقال في الكتب الفقهية باختصار: “على المفتي أن يكون مجتهدا وقاضيا في الوقت نفسه”.