القاهرة (زمان التركية)- مازال بنيامين نتنياهو مُصرًّا على الاستمرار في الحرب على غزة بدعوى القضاء على حركة حماس، بينما هناك دعوات من قبل قادة جميع الدول الأوروبية –عدا المجر- لإنهاء الحرب، ثم فاجأنا دونالد ترامب -الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الرئاسي الحالي- مؤخرًا بتصريح يدعو فيه نتنياهو لإنهاء هذه الحرب والعمل على إحلال السلام في الشرق الأوسط، كما حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن من خطورة اجتياح رفح لما يترتب عليه من احتمالات قوية لاتساع نطاق الحرب، ومع هذا تصر حكومة إسرائيل المتطرفة على الاستمرار في الحرب واقتحام رفح..
لمناقشة بعض جوانب القضية من منظور أمني وقانوني، تحاور (جريدة زمان التركية) اللواء الدكتور/ شوقي صلاح، المحامي وأستاذ القانون والخبير الأمني. وفيما يلي نص الجزء الثالث من الحوار:
9- د. شوقي، أشرت في إجابتك بالجزء الثاني من الحوار، إلى أنه نظرًا لهشاشة المنظومة الأمنية الإسرائيلية.. فإنك تتنبأ بقيام واشنطن بدراسة نقل الأسلحة الاستراتيجية لدى إسرائيل لمواقع آمنة، وأن تل أبيب غالبًا سترحب بهذا.. فهل لك أن توضح لماذا ترحب إسرائيل كما أشرت؟
– نعم، الاختراق الأمني الذي حدث لمنظومات الأمن الإسرائيلية في السابع من أكتوبر 2023، يعد حدثًا تاريخيًّا سيدرس بأجهزة الأمن على المستوى الدولي، وإسرائيل تحتضن أسلحة استراتيجية غير تقليدية.. لذا فإن هذه الحكومة يجب أن تكون منظوماتها الأمنية تتسم بالكفاءة في قمة مستوياتها، وقد ثبت العكس.. أما لماذا ترحب إسرائيل بنقل أسلحة واشنطن، فذلك تجنبًا من استهدافها من قِبل دولة نووية كروسيا أو الصين حال اندلاع صراع نووي بين أي منهما والولايات المتحدة.
– وقد يعترض أحد على ما تقدم بدعوى أن هذه الأسلحة هي للردع فقط.. والرد على هذا يأتي من متابعة التصريحات المتعددة الصادرة من القادة الروس، الذي هددوا باستخدام تلك الأسلحة في مواجهة الناتو، ولأهمية هذا الموضوع فقد صرح بوتين -في مؤتمر صحفي عقده في موسكو بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية- قائلًا “لا يمكن استبعاد صراع واسع النطاق مع حلف شمال الأطلسي، وكل شيء ممكن في هذا العالم. وليعلم الجميع أن هذا سيكون على بعد خطوة واحدة من حرب عالمية ثالثة واسعة النطاق”.
– كما رد بوتين أيضًا على تصريح ماكرون بأنه يدرس إرسال قوات لدعم كييف.. مصرحًا: في هذه الحالة سنستهدف تلك القوات، وستكون المواجهة مباشرة بين روسيا والدول التي أرسلتها، وبعد هذا التصريح خرج مباشرة جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي ليصرح بأنه: “لا نية مطلقًا لإرسال واشنطن لقوات لدعم أوكرانيا” كما صرح بايدن بأن: الولايات المتحدة لم ترصد أي استعدادات روسية لاستخدام أسلحتها النووية، وبهذا فلسان حاله يقول؛ تلك الأسلحة الروسية مراقبة رقابة صارمة.
– لذا ووفقًا لما تقدم؛ فلا يجب أن نستبعد اندلاع مواجهة نووية بين روسيا والناتو، فالمواجهة بينهما بفرض وقوعها لن يقتصر الأمر فيها على الأسلحة التقليدية؛ فقدرات 32 دولة هم مجموع دول الناتو تحسم بالطبع المعركة لصالحهم.. لذا فإن روسيا ستجد نفسها مضطرة لاستخدام تلك الأسلحة، وبالطبع ستوجه ضرباتها لمراكز وجود تلك الأسلحة.. ومنها ما يوجد على الأراضي الإسرائيلية، ولن تنفع في هذه المواجهة المحتملة قبة حديدية.. وبالطبع فإن حدث – لا قدر الله – مثل هذا السيناريو الكارثي فإن جيران إسرائيل سيتضررون بالطبع من هذه الحرب.. وجدير بالذكر أن مثل تلك الحروب لا يوجد فيها منتصر ومهزوم، فالدمار الشامل سيلحق كافة أطراف الحرب.
10- أشرت إلى أنك تتمنى أن يَمثُل كل من ارتكب جرائم جنائية في حرب “طوفان الأقصى” أمام القضاء الدولي، فكيف يتحقق ذلك؟
– للأسف، هي أمنية صعب جدًّا تحقيقها نظرًا للدعم السياسي والقانوني من قبل الولايات المتحدة لإسرائيل، فالمحكمة الجنائية الدولية لن تتحرك إلا بتفويض من قبل مجلس الأمن الدولي، والفيتو الأمريكي سيعطل القرار، وسبق واستخدم أكثر من مرة اعتراضًا على قرار بإيقاف الحرب، وبالتالي ووفقًا لمعطيات الموقف الراهن فإن الولايات المتحدة –وغيرها- سوف يقفوا حجر عثرة في سبيل محاكمة قادة إسرائيل على جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبوها في حق المدنيين الفلسطينيين خاصة في قطاع غزة.
– ومع هذا، فإن المواجهة القانونية يمكن أن نضعها موضع التطبيق من خلال تجريم أفعال الإبادة الجماعية على المستوى الوطني، خاصة عندما يتبنى التجريم قطاعًا واسعًا من دول العالم، ولنقدم مثالًا لهذا بقيام مصر بإصدار قانون يجرم الأفعال الآتية ويضع لها عقوبات :
– إنكار الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين عقب أحداث هجوم السابع من أكتوبر 2023.
– تجريم أعمال الإبادة الجماعية أي كان مكان ارتكابها، طالما ترتب عليها الإضرار الجسيم بالأمن القومي المصري، أو الإضرار الجسيم بأحد المواطنين المصريين، على أن يوجه الاتهام للقادة الذين أصدروا الأوامر بارتكاب هذه الجرائم وكذا من قام بتنفيذها.
– وبالطبع سيترتب على مثل هذا التجريم منع الجناة طوال حياتهم من دخول الدول التي جرمت مثل تلك الأفعال، خشية صدور أوامر قضائية بالقبض عليهم، ويعد هذا الأمر ورقة ضغط قوية تجاه الجناة مرتكبي تلك الجرائم الخطيرة، خاصة إذا اتسع نطاق هذا التجريم من قبل دول العالم.
– هذا، ولتعريف جريمة الإبادة الجماعية، تجدر الإشارة إلى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها – اعتمدتها الأمم المتحدة عام 1948- وتشير الاتفاقية إلى التزام المجتمع الدولي بألا تتكرر فظائع الإبادة الجماعية مستقبلاً. ووفقًا للمادة (2) من الاتفاقية: ” تعني الإبادة الجماعية ارتكاب أي من الأفعال التالية؛ بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:
(أ) قتل أعضاء من الجماعة.
(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
(ج) إخضاع الجماعة، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيًا… “.
11- قرر بايدن بناء ميناء بحري على شواطئ غزة لإدخال المساعدات للمدنيين، فما تحليلك لهذا القرار؟
– يبدو القرار الأمريكي ظاهريًّا أنه في صالح دعم دخول المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين بالقطاع من خلال البحر، وسوف يستغرق تنفيذ أعمال إنشاء هذا الميناء مدة شهرين تقريبًا.. كما أصدر الرئيس الأمريكي أوامره أيضًا بإسقاط المساعدات جوا، وشاركت في هذا الإنزال دولاً أخرى منها مصر، وبالطبع فإن الدعم الجوي مُكلف جدًا ومحدود القدرة، بجانب ما يمثله من خطورة على سلامة البشر.. ويظل التساؤل قائمًا: لماذا لا تدخل المساعدات من خلال المنافذ البرية؟!.
– وجدير بالذكر، أن إنشاء ميناء بحري على شواطئ غزة يكون تحت السيطرة الكاملة للقوات الإسرائيلية.. كان مشروعًا إسرائيليًّا تم تأجيله، وحان وقت تنفيذه الآن، وربما تهدف إسرائيل من خلاله تنفيذ عمليات تهجير قسرية أو طوعية لسكان قطاع غزة.. .
12- د. شوقي، صرح نتنياهو مؤخرًا أن اقتحام رفح يأتي في نطاق حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.. فما رأيك في هذا المبرر، وقد أيده قادة غربيين؟
– نؤكد على أن حق الدفاع الشرعي عن النفس مبدأً تقره التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية وفق ضوابط.. ومقتضاه أن من يتعرض لاعتداء حال، سواء على المستوي الوطني أم الدولي فله أن يدفع هذا الاعتداء بشكل يتناسب مع خطورة الاعتداء، وسوف تَدعي إسرائيل أنها تعرضت لاعتداء في السابع من أكتوبر ترتب عليه خطف رهائن من المدنيين، وأسرى من الجنود، ومازالوا معتقلين لدى حماس ومن حق جيش الاحتلال أن يبذل كل جُهده لتحريرهم بالقوة، وأن هذا من قبيل الدفاع عن النفس.
– ولدحض هذا الادعاء، ندفع احتجاج إسرائيل بأنها تباشر حقها في الدفاع عن مواطنيها بالقول؛ أن لديها وسيلة آمنة من خلال مفاوضات تبادل الأسرى والمعتقلين من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وقد نفذت بنجاح هدنة قصيرة وتبادل سابق للمعتقلين.. وأكدت الأحداث أن استخدام القوة العسكرية لتحرير الرهائن والأسرى ستنتهي غالبًا بالفشل، وسيعرض الرهائن والأسرى للهلاك. هذا؛ وحري بنا التأكيد على أن: جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها جيش الاحتلال وراح ضحيتها ما يزيد على المائة ألف من المدنيين الفلسطينيين، لا يبرره مطلقًا الادعاء بأن هذه الجرائم من قبيل الدفاع الشرعي عن النفس، بل هي أعمال انتقامية مجرمة ويستحق مرتكبها العقاب.
وفي نهاية هذا الحوار أؤكد من منطلق التحليل الأمني أن قادة المقاومة في غزة لا يجتمعون في موقع واحد مطلقًا.. وأن كل منهم في موقعه بالقرب منه جانب من الجنود الإسرائيليين الأسرى.. لذا فإن إعلان إسرائيل استخدامها لقنابل شديدة التدمير وتصفية القيادي مروان عيسى، يجعلنا نتساءل: كم جندي إسرائيلي مات على أثرها؟؟؟