سلجوق جولطاشلي
يسألون: مضى أكثر من عام وأنت تكتب كل أسبوع (ولو كان بوسعك لكتبتَ كل يوم) عن أخطاء الحكومة في كل خطوة تتخذها وكل نفس تتنفسه وكل عمل تقوم به منذ 17 ديسمبر/كانون الأول 2013 إلى الآن لكن أليس لحركة الخدمة أي خطأ؟
وأجيبُ قائلا: طبعا لها خطأ وخطأها وخيم وعظيم جدا.
أرى أن أكبر خطأ ارتكبته حركة الخدمة هو أنها لم تتوقع ولم تتنبأ بأن حزب العدالة والتنمية الحاكم والقائمين عليه الذين يدعون التدين يمكن لهم أن ينزلوا إلى هذا المستوى الوضيع من الدناءة والابتزال والكراهية ويمكن لهم أن يتخلوا عن كل المقدسات في لحظة واحدة من أجل البقاء في السلطة وأن يتاجروا بالدين الذي يدعون أنهم يعيشون في سبيل إعلاء شأنه ومكانته تجارة رخيصة وقذرة إلى هذا الحد.
ولو أن أحدا ادعى – قبل أكثر من عام تقريبا – أنه قد يصل الأمر بأردوغان وجول وأرينتش وداود أوغلو وباباجان إلى هذا الحد لجعلنا صاحب هذا الادعاء يلعن يوم ولدته أمه بسبب حبنا وحسن ظننا بهم. فما كان ليخطر ببالنا ولو للحظة واحدة أن يتحول أردوغان إلى خابية تفيض بالأحقاد، ويتحول جول إلى صائد للمناصب، وأرينتش إلى صاحب ضمير يلتزم السكوت وداودأوغلو إلى ماكينة منتجة للافتراءات، وباباجان إلى متعاون شبه أخرس.
وكما قال الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي: “المحبة غير المشروعة ينجم عنها عذاب بلارحمة”. ونحن الآن نعاني من العذاب الناجم عن عدم التبصر هذا.
لقد نجح أردوغان في أن يقول 4 كذبات في بضع دقائق فقط من خطابه الذي ألقاه في مدينة بورصا. وقال إن الأستاذ فتح الله كولن كتب مقالا في جريدة” نيويورك تايمز” من أجل بنك آسيا، وسأل له بعد ذلك: “هل أنت شيخ أم صاحب بنك”؟ ولحسن الحظ فإن المقال في جريدة يمكن لأي إنسان في العالم كله أن يتوصل إليها بضغطة زر في الإنترنت. فليس فيها عبارة واحدة متعلقة بالبنك. طبعا هذا لايهم بالنسبة لأردوغان الذي حدق بعينه في الفوز بالانتخابات. فقد تم تجييش كل المقدسات من أجل هذه المسيرة المباركة وإحياء الحضارة التي لامثيل لها وأهداف عام 2023. وإن عدم ذكر كلمة “بنك” ولامرة واحدة يُسقط القناع عن هذه القصة، ولكن يجب ألا تضيع هذه القصة الجميلة من أجل رعاية الحق والحقيقة! وليست مشكلة إذا قام بتحريف الحقائق في سبيل كسب محبة الجماهير وتسخيرهم بعد سحرهم، والبقاء في السلطة لسنوات طويلة.
وقد ادعى داود أوغلو – القاطع لأذرع اللصوص ومرتكبي الفساد- أن الأستاذ كولن من خلال مقاله حاول تحريض اللوبي الرومي واللوبي الأرميني واللوبي اليهودي، هكذا جميعا، وهو يعيش حالة قلق من عدم تمكنه من إطلاق الافتراءات والإساءات يوميا من أجل مكافحة ما يُسمى بالكيان الموازي حتى يكسب ود زعيمه (أردوغان). وبالتالي أصبح يسابق الانقلابيين الساقطين في الدفاع عن فتات الأفكار التي كانوا يتمتعون بها. إذ يتساءل داود أوغلو: “بأية صفة كتب الأستاذ كولن ذلك المقال في صحيفة” نيويورك تايمز”؟ لأنه لم يكن أكاديميا، ولا صحفيا، ولا موظفا أو سفيرا يمثل الدولة؟ ويبدو أنه خلط بين نيويورك تايمز والإعلام الموالي للحكومة. إذ نسيت الجريدة أن تستأذنه قبل نشر المقال أو تطلب منه قائمة بأسماء الذين يمكنهم الكتابة حول تركيا حتى لاتقع في شرك الكيان الموازي!
يوضح البروفيسور داود أغلو الموضوع بسؤال: “أسأل وأنا مخلص في مشاعري هذه ولا أسأل بصفتي المسؤول عن النظام العام في البلاد، أسأل باسم المواطنين الذين بذلوا من أعمارهم عشرات السنين وبذلوا من جهودهم وعرق جبينهم الكثير وأنفقوا جزءا كبيرا من رزقهم ورزق أولادهم لأنهم وثقوا في هذا الرجل (الأستاذ كولن) هل كانوا يتوقعون ذلك”؟ فأنا أجيب على داود أوغلو: الذي لم نتوقعه ولم نتنبأ به هو ملاحظاتكم هذه التي تفتقر إلى المنطق والفكر.
وأقولها وأنا مخلص في مشاعري هذه: لم نكن نتخيل سقوطكم إلى هذه الحالة. والغريب أن البروفيسور يقول هذا الكلام على الملأ في الوقت الذي ألغى فيه أردوغان حزمة الشفافية التي أعلن عنها داودأوغلو بافتخار وتبجح في الكلام.
كان لنا رئيس جمهورية يُعرف باسم العائلة “جول” وكان مؤمنا بالاتحاد الأوروبي وكنا نظن أنه مصلح ويمثل القوة الناعمة لتركيا وأنه ديمقراطي حقيقي. ولم نتوقع أنه سيوقّع على العديد من القوانين التي تلغي الإصلاحات الرامية للانضمام للاتحاد الأوروبي، وسيتهم المحكمة الدستورية بأنها إنقلابية مع أنه كان يتفاخر من قبل بأنه عيَّن بنفسه بعض أعضائها. وأنا أقول ذلك مخلصا في مشاعري.
وكان الأستاذ كولن قد قال: “عاملنا هؤلاء (القائمون على حزب العدالة والتنمية) معاملة لم نعامل بها أحدا من الحكومات من قبل (إذ أيد الأستاذ وحركة الخدمة كثيرا من إجراءات حزب العدالة والتنمية واقترب منه عكس موقفه المحايد من السياسة ومن الأحزاب) وأعطينا لهم قيمة أكثر مما يستحقون وكان هذا مخالفا للحق. وإن منح التقدير الكبير للناس الذين ليسوا أهلا له يُعتبر قلبا للحقائق”. فقد بالغنا في حب وتوقير من ليسوا أهلا للحب والتوقير. ولم نتنبأ بأنهم غير مستحقين وغير مؤهلين إلى هذا الحد.