بقلم: علي بولاج
ليس في الإسلام مؤسسة روحية دينية ولا طبقة من رجال الدين يزعمون أنهم يمتلكون صلاحية استبدادية مطلقة في التأويل وتفسير النصوص الدينية.
مع ذلك فإن المنتسبين للدين الإسلامي لم ينجحوا نجاحا كاملا في تحقيق أهداف ومقاصد دينهم. وشكَّلت السياسة عوائق واضحة أو خفية أمام تنفيذ الدين أدواره ووظائفه الحقيقية في التاريخ لدرجة أن رموز الدين الأساسية تحولت إلى مبادئ تُضفي المشروعية على السلطة السياسية الحاكمة في البلاد، منذ أن تحولت الخلافة إلى سلطنة.
بل ووصل بهم الأمر إلى أنهم اعتبروا من يعارض السلطة السياسية في البلاد وكأنه يعارض الدين بذاته ومبادئه وقتلوهم بعد أن حكموا عليهم أنهم “مرتدون”.
مازال السبب الرئيسي في التشدد المجتمعي في العالم الإسلامي إلى الآن، هو الخلاف والصراع بين الطلبات الإسلامية العامة والمدنية التي تقع السياسة في مركزها، والمنهج الإسلامي الرسمي أو مايمكن أن نصفه بالسياسات والمشاريع العلمانية الرسمية الذي أضفي عليه طابع ديني خارجيا.
فحتى وإن كان فكر وتوجه الأنظمة الاستبدادية الأوتوقراطية المخالف لروح الإسلام، يختلف عن فكر الأنظمة الملكية والديكتاتورية حول الإسلام، إلا أن كليهما اجتمعا واتفقا حول دور المنظور السياسي نحو الدين. وفي بعض البلدان تقوم السلطات العلمانية بتجريد الدين من كل مناحي الحياة في البلاد، سواء من السياسة أو العادة العامة أو حتى الحياة المدنية. وفي دولٍ أخرى يدخل الدين تحت عباءة الدولة والسلطة تماما. بينما يكون وحدة متراصة مستقلة بذاتها في بعض الدول ويستخدم وكأنه الدين الرسمي للبلاد.
وعند النظر إلى الحكام الذين أبعدوا الإسلام عن أهدافه الحقيقية، وليس الأنظمة العلمانية سواء كانت وضعية أو مادية، نجد أنهم لاينكرون ذلك في خطاباتهم. فالحكام المسلمون هم الذين يصيبون الإسلام والمسلمين بضرر أكثر. فالخلفاء الذين ظلموا الإمامين أحمد بن حنل وأبي حنيفة وأئمة أهل البيت كانوا مسلمين، حتى أن الحجاج بن يوسف الثقفي الذي اشتهر بظلمه كان مسلما، إلا أن المسلمين في عهده كانوا يفضلون الحاكم الساساني أنوشيروان (531-579 ه) المعروف بعدله عليه. لأن أنوشيروان كان أكثر عدلا من الحجاج.
فالسبب الرئيسي وراء تحول الحكام المسلمين إلى الظلم هو طمعهم وحرصهم في الحكم والتحكم. وحب السلطة والحكم دائما ما يسيطر على روح الحكام المسلمين. وعندما يتباهى أحدهم بالسلطة كان يتحول إلى صاحب قوة مفرطة لا حاكم ولا ضابط لها. فاستناد الحاكم على الأسرة الحاكمة أو العائلة أو الفكر الأيدولوجي أو الديمقراطية أو أي من ذلك لايعطيه المشروعية لاستخدام قوته واستغلال نفوذه بدون ضابط أو رابط لها. فالحكام الذين لايمتثلون للقانون إن قالوا “أنا صاحب الملك” أو “أن الأغلبية تدعمني وأنا أمثل الإرادة الوطنية”، فلا يوجد فرق بين كلا القولين. فالفرق بين النظام الملكي والأوتوقراطية هو أن من يملك القوة في النظام الملكي هو أحد أعضاء الأسرة المالكة، أما في النظام الأوتوقراطي فتكون القوة في يد من اختاره الشعب. ومن خلال هذا السياق لايكون أساس الشرعية هو دعم الشعب أو الإرادة الوطنية.
وهذه الظاهرة كانت تخص في البداية الأديان قبل أن تخص المذاهب والتوجهات السياسية. وخاصة الدين الإسلامي؛ لأنه لم يعط لأي إنسان الحكم المطلق. فمبدأ التوحيد يجعل من الضرورة تخصيص الحكم المطلق لله عز وجل وحده. وتبقى السلطة داخل نطاق الحدود المرسومة له.
والأزمة التي نمر بها حاليا تحمل في طياتها مشكلات مشتركة من ناحية الأديان؛ الصراعات العرقية والدينية؛ التسلح والتهديد بالحرب؛ الفقر والجوع؛ تلوث البيئة؛ أطفال الشوارع؛ المخدرات والمواد الكحولية؛ العنف والإرهاب؛ اللاجئون؛ الانحرافات الجنسية؛ الاستخدام السياسي السلطوي للعلمانية؛ الإلحاد والمادية؛ الثقافة الخالية من الأهداف والمعاني؛ تقديس المتعة والأنانية؛ تفتت العائلة وعزلة الشيوخ عن المجتمع؛ الأمراض العقلية؛ وتحويل المرأة إلى أداة تستخدم للأغراض الجنسية وبيعها واستغلالها جنسيا… وغيرها من المشاكل التي تعاني منها جميع المجتمعات.
ومنتسبو الأديان يجب عليهم أن يتحملوا مسؤولية مشتركة في مواجهة تلك المشكلات المشتركة. ومن هنا تنبع الحاجة للحوار. وتقع مسؤولية تلك المشكلات بالدرجة الأولى على عاتق السلطات الحاكمة. فالدين عندما يتخلص من سيطرة السلطة، ويدخل السياسة والسلطة في مهمتهما الأصلية، يكون قد حقق أحد أهم وظائفه ومهامه المكلف بها. وهذا لا يتم من خلال الهروب من السياسة والسلطة بل بالنضال بهما والإقدام على مواجهتهما بهدف إصلاحهما.