بقلم: ماهر المهدي
من المكيفات الخلافية التدخين والكحوليات، وهي أشياء بلا طعم كأنها تعمد إلى استدراج المقبلين عليها إلى مسافات بعيدة ومفتوحة أملًا في العثور على الطعم المنشود الذي لا يأتي أبدًا، أو إرواء العطش الذي لا يرتوي يومًا ما حتى الموت، كأنها مخادعة مستمرة ماكرة ولكنها بموافقة الخادع والمخدوع معًا. فالإنسان يهوى أعمال المطاردة والملاحقة، والحياة كلها مطاردة وملاحقة. نطارد أحلامنا ورغباتنا، وتطاردنا واجبات والتزامات وزمن لا يتوقف لأحد أبدًا مهما كان. والإنسان يهوي الاكتشافات والأسرار، فهل في المكيفات -مثل التدخين والكحوليات- أسرار سعيدة أو هامة أو مفيدة تكتشف؟ ربما لا يوجد أسرار سعيدة للاكتشاف في هذه المكيفات، ولكن الأيام تكشف كل يوم عن أسرار حزينة وسيئة في هذه المكيفات التي تعاشر الناس في كل مكان: من دورات المياه إلى غرف النوم والمكاتب والشوارع والسيارات والنوادي. كل يوم وهذه المكيفات تتخذ أشكالًا أجمل وتعبأ في عبوات أصغر وأيسر وتتحلى بنكهات أكثر وألوان جديدة مبهرة ومغرية بالاقتناء قبل الشراء. ولا يعوق سوق المكيفات ارتفاع أسعارها، فالغواة والمريدون يدفعون ولو تزمروا قليلًا أو كثيرًا. فالتزمر لا يجدي نفعًا ولا يغير سعرًا ولا يفت في إقبال الراغبين المحبين للمكيفات على ما يريدون. حتى الصور المرضية المفزعة التي باتت تزين صدور عبوات السجائر وكلمات التحذير من الموت على يد الدخان لا تستوقف مدخنا ولا يراها ولا يقرؤها إلا غير مدخن هاله صراحة التحذير الصريح المخيف الأقرب إلى التبشير بالموت منه إلى التحذير. وسوء المنظر على صدر عبوات السجائر لا يراه المدخنون
الناس تتكاثر بسرعة رهيبة في كل بلاد الدنيا، والطمع في قلوب الناس يتكاثر أيضًا بشراسة ووحشية: فالمليون لا يكفي وعشرات الملايين من الجنيهات والدولارات ومن كل العملات لا تكفي البعض ولا تلبي أحلامهم الوحشية في الثراء وفي اكتناز المال، بينما البعض لا يجد قوت يومه. ومن لا يجد قوت يومه قد لا يجد من يسمعه ويسمع شكواه وشكايته سوى المكيفات عديمة الطعم عديمة المعنى عديمة السؤال عديمة الإيجابية مثل السيجارة ومثل الكحول، على سبيل المثال. والطعم الغائب أو الهارب ربما التبس بالهدف الباهت الملامح البعيد الراقد على نهاية طريق طويل لا تدرك العين نهايته ولو كانت عفية قادرة. وربما كان في الهدف الباهت مسعى لمن يبحث عن هدف سحيق يطارده حتى نهاية السيجارة أو انتهاء المشروب أو نهاية الحياة واكتشاف السر المعلن للجميع منذ زمن بعيد على جميع الأشجار وعلى أسفلت الطريق .