بقلم: اللواء د. شوقي صلاح
الخبير الأمني وأستاذ القانون بأكاديمية الشرطة المصرية
– بداية: الصراع الذي تدور رحاه في غزة المحتلة وإسرائيل الآن، وكذا الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، هي بحسب الأصل حروب بالوكالة، فالخصوم الحقيقين هما: المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية، وروسيا الاتحادية من ناحية أخرى.. والبداية كانت بدفع روسيا إلى غزو أوكرانيا في 21 فبراير 2021، بعد جولات من إعداد الأخيرة لضمها للناتو، خاصة بعد تولي فولوديمير زيلينسكي الموالي للمعسكر الغربي رئاسة أوكرانيا في مايو 2019، ثم بدأ مسلسل الاستنزاف لروسيا التي كانت تنطلق بسرعة الصاروخ على المستويين العسكري والاقتصادي، فتم توقيع عقوبات اقتصادية هائلة عليها مع استنزافها في حرب هجينة يطول أمد الصراع فيه سعيًا لانهيارها اقتصاديًّا ثم عسكريًّا، ولولا أن القيادة الروسية كانت قد أعدت العدة لهذا الصراع الشرس.. لسقطت بالفعل، ومع هذا فإن الحرب في أوكرانيا لا شك أنها استنزفت بقوة الدولة الروسية، لذا فإن روسيا قد عوضت خساراتها الجسيمة بضم أراضي من أوكرانيا تزيد على خمس مساحة الأخيرة، بما فيها من ثروات كتعويض عن الخسائر التي تكبدتها…
– ثم نفذت روسيا هجمتها المرتدة على أعدائها لاستنزافهم؛ فالهجوم الذي شنته فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة على المستوطنات الإسرائيلية بتاريخ 7 أكتوبر 2023، يحمل بصمات مُخطط استراتيجي روسي محترف، لتنزلق إسرائيل في الصراع ويندفع حلفاءها لدعمها عسكريًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، ويدافعون عنها من مخاطر توسع دائرة الصراع، وهنا يبدأ مسلسل الاستنزاف؛ وقراءتي التحليلية لهذا المسلسل أن الفصل الأول فيه كان لخطة خداع استراتيجي تَأمن فيها القيادة السياسية وجيش الاحتلال جانب المقاومة.. واستغرق هذا الخداع سنة على الأقل قبل تاريخ هجوم الطوفان، ثم بدأ الهجوم في يوم عيد، وحققت فيه المقاومة انجازًا عسكريًّا وأمنيًّا تاريخيًّا، وبدأت المرحلة الأولى من الحرب وتكبد فيها الجانبان خسائر فادحة على المستويين الاقتصادي والعسكري.. ولعل الأخطر يأتي في المرحلة الثالثة للصراع، والتي تأتي مع توسيع دائرته؛ بدخول إيران أو مصر أو كلاهما معا لحلبة الصراع.. وهنا ستتصاعد فاتورة الاستنزاف للجانب الغربي، وسيتحمل الجميع خسائر عسكرية واقتصادية واسعة النطاق، ولكن الخاسر الأعظم في هذا المرحلة سيكون إسرائيل؛ فلا أبالغ بالقول بأن وجودها سيصبح على المحك.. وجدير بالذكر أن قادة إسرائيل الحاليين يأخذونها للهاوية، متأثرين بدوافع شخصية باعتبارهم المسئولين عن انتكاسة “طوفان الأقصى”.
– وقد يسألني القارئ الكريم: ما هي الأسباب التي تؤكد بها وجهة نظرك بأن روسيا هي المخطط الاستراتيجي لحرب “طوفان الأقصى” خاصة أنها لم تعلن هذا؟؟؟ ولعل الأسباب الآتية هي التي دفعتني لتبني هذا التحليل لمعطيات هذا الصراع:
1- المستفيد الأكبر من هذا الصراع هو روسيا، وقد خططت له مع حليفها الإيراني، الذي دفع أحد أذرعه لمهاجمة إسرائيل، ولا يقلل هذا من الدور البطولي لعناصر المقاومة في غزة، فهم من وضعوا الخطط ونفذوها، خاصة لإجهاض التطبيع الإسرائيلي السعودي الذي كان قد أوشك على التنفيذ، ومعه ستتضرر قضية تحرير فلسطين بقوة.
2- الحرب عقاب لإسرائيل من قبل روسيا لدعمها العسكري لأوكرانيا، وقد أكد هذا خبر نشر بعد إعلان إسرائيل الحرب على غزة، فقد استدعت إسرائيل في منتصف أكتوبر الماضي أكثر من ألف مرتزق إسرائيلي من أوكرانيا، من عسكريها السابقين الذين يعملون ضمن الجيش الأوكراني.. لدعم قدراتها في حرب الطوفان.
3- ما يؤكد هذا التحليل هو سعي أمريكا لتطويق الحرب من خلال دعم روسي..! فقد تم دعوة كل من السعودية والإمارات للرئيس بوتين للقيام بزيارة عاجلة للبلدين، وقد لبى بوتين الدعوة وهو يعلم بأسبابها الرئيسية، وقد سبق لواشنطن أن قامت بدعوة وزير الخارجية الصيني لذات السبب، ألا وهو تطويق الدور الإيراني ومنعه من الدخول في حلبة الصراع، ويبدو أن الصين لم تلب المطلب الأمريكي بشكل حاسم، لذا فتم اللجوء لبوتين شخصيًّا.. ولينطبق على هذا المثل المصري “إللي حضر العفريت.. هو من يصرفه” وبالتأكيد فهذا الطلب الغالي سيقابله ثمن غال على قدره.. وهنا أرجو من القارئ الكريم مراجعة فيديو لقاء سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي والرئيس بوتين، والطريقة التي تمت بها المصافحة.. وكأن لسان حال الرئيس بوتين يقول لمضيفه: “أخيرًا، أنا كنت عارف إنك ستدعوني للقاء، وضحكا الاثنان معًا..” فهل سيلبي بوتين هذا المطلب؟؟؟.
- مخاطر تورط مصر في الصراع
– ونظرًا لخطورة الصراع على الأمن القومي المصري، حيث مخاطر دفع سكان غزة للتحرك تجاه رفح المصرية، وهو قد أصبح واقعًا الآن على الأرض.. فمن وجهة نظري الشخصية، فإن مصر سوف تعلن أن مثل هذه الضربات الإسرائيلية تجاه السكان المدنيين في جنوب القطاع تمثل خطرًا جسيمًا على الأمن القومي المصري، وعلى كل من إسرائيل وقادة المقاومة الفلسطينية توجيه السكان المدنيين لأماكن مناسبة داخل فلسطين المحتلة.. ومصر ستتخذ من جانبها الإجراءات المناسبة لحماية أمنها القومي وكل الخيارات ستكون متاحة…
رسائل قصيرة إلى:
الولايات المتحدة الأمريكية: هذه الحرب هي بمثابة اختبار للثقة في علاقات مصر مع الجانب الأمريكي، وسيتوقف على مسارات أحداثها ونتائجها.. مستقبل تحالفات مصر مع القوى العظمى.. خاصة في المستقبل القريب، بعد أن تضع الحرب أوزارها.
– المواطن الإسرائيلي: أؤكد لك أن الوسيلة الوحيدة لتحقيق الأمن لإسرائيل هي وضع حل عادل لإنهاء الاحتلال.. ولما لا وقد كانت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل حلا تحقق به لكلا البلدين الأمن تجاه الآخر.
– رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي: ردًّا على تصريحكم الذي هددت فيه بأن صواريخ إسرائيل قادرة على تدمير أي هدف في منطقة الشرق الأوسط.. فاعلم أن لدى بعض دول هذه المنطقة القدرة أيضًا على: استهداف أخطر منشآتكم العسكرية أهمية في إسرائيل، وتدميرها تدميرًا شاملاً.. هذا مع يقيني بأنه لن يخرج وقتها من هذا الصراع طرفا فائزًا، وربما ستصبح دولة إسرائيل بعدها جزء من التاريخ الإنساني.
– القيادة السياسية المصرية: اقترح عليكم تضمين التصويت على الانتخابات الرئاسية المصرية -في يوميها الثاني والثالث- صندوقًا خاصًّا لاستقصاء رأي الناخب حول اتجاه مصر المحتمل لدخول الصراع بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية لحماية أمنها القومي حال دفع سكان غزة المدنيين لسيناء، فرارًا من أعمال الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي، وليكن الخيار لإجابة من ثلاث إجابات، على النحو الآتي: