علي بولاج
بدأ التوتر القائم بين حركة الخدمة وحكومة حزب العدالة والتنمية يكتسب أبعادًا خطيرة بمرور الوقت. ويجب أن نفكر كثيرًا في الأوضاع التي تشهدها المنطقة لاسيما الدولتان الشقيقتان والجارتان سوريا والعراق.
إن المنطقة، التي تضم كذلك تركيا، تسير نحو الانجراف إلى فوضى حقيقية. وعندما أقول “لنختر طريق الصلح” أكون لا أتحدث عن شيئ خيالي صعب التحقق. ويبدو أن بصائر الناس قد عُطلت؛ إذ إننا نعيش حالة من الغضب والعداء يصعب تصديقها.
وحتى إن كنا قد تعرضنا لظلم أو مؤامرة مطلقة، فعلينا أن ننظر إلى محيطنا على النحو التالي: لو كانت الاشتباكات قد توقفت على سبيل المثال في سوريا عندما كان قد مات ألف شخص، لما كنا نتحدث اليوم عن مقتل ما يقرب من 250 ألف شخص. ولو كانت الاشتباكات قد توقفت بعد سنة من اندلاعها، لكانت حياة 150 ألف شخص قد أُنقذت. ولو توقفت الاشتباكات اليوم ستنقَذ حياة من سيموتون غدًا.
يثبت العقل أن الصراع ليس طريقًا لتحقيق المصلحة. أما العامل الوحيد الذي أخطأته جميع الحسابات في سوريا والعراق فهو أن مَن بدأ الاشتباكات عازما على الوصول إلى هدف معين نسي هذه النقطة: أطراف النزاع ليسوا كيانات مجرَّدة أو حتى تنظيمًا أيديولوجيًا – سياسيًا. فكل طرف من الأطراف هو حقيقة وظاهرة اجتماعية. والعامل الذي يطيل عمر الحروب الأهلية هو الكيانات الاجتماعية لأطراف النزاع. رأينا ذلك في نماذج الحرب الأهلية في لبنان والعراق وأخيرًا سوريا. فلو كان بشار الأسد حاكمًا ظالماً ليست له قاعدة شعبية، لكان من السهل إسقاط نظامه. بيد أن هناك 45% على الأقل من الشعب يؤيدونه. وبما أنه من المستحيل القضاء على ظاهرة اجتماعية، فإما أنكم تحاولون التفاهم مع من اختلفتم معه، أو أن الصراع يستمر بينكما إلى أن تستنفَد قواكما.
عادة ما يقف أصحاب المصالح والمحرومون من العقل ومحبو الخيال وأصحاب الاعتقاد الراسخ للحيلولة دون إنهاء الصراعات عن طريق التفاهم والتفاوض كما أرشدنا القرآن الكريم. فهؤلاء يسعون لتأجيج الصراع من أجل أن يتواصل كيانهم. وهناك مجموعة أخرى يؤمنون بأن معهم الحق على الدوام، حتى أنهم يظنون أنهم معصومون من الوقوع في الخطأ. وإذا كان الأمر كذلك، فهؤلاء يستهدفون خصومهم حتى يخضِعوا مَن ظَلَمَهم. وما مِن شيئ يمكن أن يقنع هؤلاء سوى السلطة المطلقة التي هي مقصورة على الله سبحانه وتعالى فقط. وبما أنه ليس هناك أي شيئ مطلق في عالم الوجود، فلا يمكن منح الناس السلطة المطلقة. ومن طلب هذه السلطة المطلقة يكون قد حاول الاشتراك في الألوهية.
يجب مهما كانت الظروف وضع حدود للسلطة وكذلك أمام الديكتاتوريين الذين يسعون لتملّك كل شيئ. وكما هو الحال بالنسبة للسلطة السياسية، قد يسعى العاملون في المجال المعنوي وراء السلطة المطلقة أيضاً. وإذا كان من غير الممكن القضاء بالكامل على أية جماعة معارضة أو السيطرة عليها بالمعنى المطلق، فهذا يعني أنه يلزم الاتفاق بشأن ما هو معقول.
لقد شاهدنا قبل يومين محاولة من السلطة الحاكمة في تركيا مصادرة بنك آسيا. وكان في العادة من المتوقع أن يهرع المودعون في صبيحة اليوم التالي إلى البنك لسحب مدخراتهم منه. لكن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا، فعملاء البنك سارعوا إلى توفير الأموال لإيداعها في حساباتهم أو فتح حسابات جديدة.
لنفترض أنكم وضعتم يدكم على جريدة زمان، فهل سيواصل قرّاء الجريدة شراءها؟ وذلك بالرغم من كونها حافظت على معدل توزيعها اليومي البالغ أكثر من مليون نسخة بالرغم من كل الضغوط والممارسات المفروضة عليها. فكما أنهم أغلقوا أحزابًا في الماضي (أحزاب الرؤية الوطنية والأحزاب الكردية) أُسست أحزاب جديدة لتكمل الطريق، فلو وضعتم يدكم على جريدة زمان ستجدون جريدة أخرى ستظهر في اليوم التالي ليشتريها قراء زمان. الأمر نفسه ينطبق على مؤسسة سامان يولو الإعلامية أيضاً.
لماذا كل هذا؟ لأننا أدركنا من خلال خبرة على مدار عام أن حركة الخدمة ليست تنظيمًا أو جماعة خيالية، بل إنها ظاهرة اجتماعية، ولايمكن محاربة الظاهرة أو الحقيقة الاجتماعية. وأن هذه الظاهرة الاجتماعية تختلف عن سابقاتها.
لقد بعثت حركة الخدمة يوم 14 ديسمبر / كانون الأول في ميدان تشاغلايان وأمام مديرية أمن إسطنبول رسالة مفادها: نحن جاهزون للتحدي! وأنا لم أكن أتوقع أن تقاوم حركة الخدمة إلى هذه الدرجة. ربما فقدتْ توازنها بعض الشيء في البداية، لكن سرعان ما استجمعت قواها ووحدت صفوفها لتقاوم وتزيد مقاومتها بمرور الوقت. ولقد اكتسبت جريدة زمان أكثر من مائة ألف قارئ من الطبقة العلمانية. وتعيش الديمقراطية التركية للمرة الأولى تجربة في ظل “الأرضية الدينية” تحمّس الأكاديميين لكننا بحاجة إلى السلام المجتمعي والاتحاد قبل أي شيء حتى لا نخسر أنفسنا.