- بقلم: ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية)- الصراعات كثيرة، ولطالما شهد الناس صراعات قاتلة ونيرانًا مختلفة الطبيعة أحيانًا وراح الكثيرون يصرخون فزعًا ودهشة وألمًا وتعاطفًا ورغبة في الهروب مما يرون ومما يتصورنه محتمل الحدوث، وهذا أمر طبيعي في كل حالات معاناة الناس حول العالم.
ويبذل الناس قصارى جهدهم حتى تهدأ الأمور وتعود الحياة إلى سيرتها الأولى على أمل النسيان والاستعاضة على مدار الأيام وتجاوز ألم التجارب، حتى ولو ببعض الأحلام المستحيلة.
والحقيقة أن الاستعاضة صعبة مريرة، ولكن الناس من النسيان وسرعان ما تنسى الأحداث وينسحب الألم تدريجيًّا من مسرح الأحداث. فالناس -في كل الدنيا- تعرف دورات الحياة وموجاتها، وتعرف أن دوام الحال من المحال وقد يأتي الغد بما هرب منه المرء بالأمس.
ولا بأس في مواجهة الظروف دائمًا ما حرصت الحياة على أن تستمر وتتجدد وتظهر من حسنها وطيبها ما يجعل من عشرتها مطلبًا. ولا يعقل أن يعيش الناس في مواجهات مستمرة مع ظروف قاهرة أو غير معقولة سواء باختيارهم أو رغمًا عنهم، لأن المواجهات المستمرة قد تستهلك فترات الاستعاضة والتجديد الذاتي.
فإذا تذكرنا التكلفة المتصاعدة للحياة أيضًا أصبح التصور أكثر إيلامًا وصعوبة من نواح عديدة .
إن الحياة تتغير والناس ترتقي في سلم الإنسانية درجة كل يوم، لترى بعيني رأسها كم الفظائع والألم والخسائر الذي حل عليها من جراء العنف والقتال في كل مكان حول العالم في كل الأحوال ومهما كانت الأسباب. فقد كان العنف غائب الدقة، بل وواسع النطاق بدافع من الانتقام ومن الأهداف الشخصية ومن الأهداف التجارية قبل الأهداف الوطنية أحيانًا. فهذه هي الطبيعة الإنسانية بجمالها ونواقصها، وهي الصورة التي قد تتضح للباحثين جليًّا عند المقارنة بين الحروب والمواجهات العسكرية التي قادها الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- بطابعها الديني البراء من الظلم ومن الكره ومن الانتقام ومن الطموح الشخصي ومن دوافع التجارة والتربح وبين كثير من الحروب والمواجهات العسكرية البشرية الأخرى قديمًا وحديثًا، فالفرق شاسع وعميق بين الصورتين.
فقد كان القتال في حروب الرسول الكريم من أجل الحق فقط وفي حدوده ودون تجاوز في قتل أو هدم أو تخريب في صفوف الأعداء مهما كانوا ودون تمييز. أما اليوم، فان الطموح الشخصي والأهداف الشخصية وعوامل الانتقام والأثرة أو الأنانية قد يلوحون في خلفية صور حروب كثيرة حتى الحروب التي ترفع راية الوطنية عالية خفاقة وتعني أناشيد الوطنية ليلًا ونهارًا.
البعض يحترف القتال والبعض يحترف الكلام والشعارات والحوارات واللقاءات والتصريحات وقد يعيش سعيدًا في أجواء الأزمات والنيران المستعرة والقتلى والدمار ويصبح علمًا ومنارة من منارات الحياة القائمة على الأزمة وعلى الصراع لجيل وأجيال أيضًا، بحيث قد يتحول هؤلاء إلى جزء من المشكلة في مرحلة ما مثلما حدث في مواقع مختلفة.
وعندئذ نجد المبررات جاهزة ليستمر أصحاب الطموحات وأصحاب المصالح في المقدمة مهما كان الثمن، وما دامت الأموال تجد طريقها إليهم وإلى حساباتهم الشخصية. وما دام الضرر لا ينال أصحاب المصالح وذويهم وأموالهم، فلا بأس بالتضحيات الكبيرة والصغيرة