أبرمت تركيا والمملكة المتحدة الدولتين العضوين في حلف شمال الأطلسي(الناتو)، اتفاقًا لتعزيز تعاونهما في مبادرات الدفاع والأمن، ويهدف بيان النوايا المشترك، الذي وقعه وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس ووزير الدفاع التركي يشار جولر في 22 تشرين الثاني/نوفمبر، إلى وضع إطار للمساعي المشتركة التي من المتوقع أن تعزز أمن ورخاء كلا البلدين مع المساهمة في التنمية العالمية والاستقرار الدولي، حسبما قالت حكومة المملكة المتحدة عبر موقعها الرسمي على الإنترنت.
وقد أثار هذا التحالف الاستراتيجي، خلال زيارة شابس الرسمية إلى أنقرة، مناقشات حول الظهور المحتمل لمحور دفاع أوروبي جديد وقدرته على معالجة النقص الوشيك في الطائرات المقاتلة في تركيا.
والحقيقة أنه من الممكن أن تؤدي هذه الشراكة الوثيقة مع المملكة المتحدة إلى تضخيم قوة تركيا التفاوضية ونفوذها الاستراتيجي في سعيها للحصول على طائرات أمريكية جديدة من طراز F-16، وقد جاء في البيان الرسميأنه و “بعد التوقيع، سيشهد النشاط تعاونًا أوثق في مجالات الصناعات الدفاعية بين البلدين، وتحديد التدريبات المشتركة المحتملة في البحر الأبيض المتوسط، واستكشاف الدعم الأمني في جميع أنحاء شمال إفريقيا والشرق الأوسط” .
وما يجعل هذا الحدث مهما هو توقيت هذا الاتفاق، وقد صرح وزير الدفاع التركي جولر مؤخرًا إنه على الرغم من معارضة ألمانيا، تجري أنقرة محادثات مع المملكة المتحدة وإسبانيا لشراء 40 طائرة من طراز يوروفايتر تايفون.ونظراً للتأخيرات الطويلة والشكوك في تأمين طائرات F-16 الجديدة من واشنطن، فإن احتمال الإسراع في الحصول على مقاتلات يوروفايتر عبر صفقة المملكة المتحدة لا يزال غير مضمون لأن قرار التصدير يحتاج إلى موافقة جميع الشركاء الأربعة في كونسورتيوم يوروفايتر – المملكة المتحدة، ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.
ويرى المحللون بأن تركيا يمكن أن تستفيد من علاقاتها الدبلوماسية المعززة مع المملكة المتحدة لإقناع ألمانيا بعدم عرقلة الصفقة، مع أن شركة BAE Systems البريطانية، وهي عضو رئيسي في الكونسورتيوم ولها علاقات وثيقة مع تركيا، تتعاون مع شركة صناعات الفضاء التركية الوطنية التركية في تصميم مقاتلة KAAN المحلية من الجيل الخامس، والتي من المقرر أن تدخل الخدمة بحلول عام 2030.
ومن جانبه فقد علق سونر كاجابتاي مدير البرنامج التركي في معهد واشنطن، مقررا أهمية العلاقة التركية البريطانية، لا سيما على النقيض من علاقات تركيا الأقل إيجابية مع فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا. كما سلط الضوء على النهج الاستباقي الذي اتبعته بريطانيا في إقامة علاقات أعمق مع تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 وهي لفتة حظيت بتقدير القيادة التركية مقارنة بالردود المتأخرة من حلفاء الناتو الآخرين، ووفقا لكاجابتاي، وسط مشهد ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تسعى المملكة المتحدة إلى توسيع نفوذها بين حلفاء الناتو، مما قد يؤدي إلى تعزيز التحالف التركي البريطاني لموازنة الكتلة الفرنسية اليونانية.
وتقدر الرؤى السياسية والتواصل من قبل الدوائر والنخب السياسية البريطانية، ويمكن لبريطانيا أن تقود قضايا مثل انضمام السويد وأن تنسب لها الفضل في مثل هذه المساعي. وفي نهاية المطاف، يبدو أن مفاوضات القنوات الخلفية بدلاً من دبلوماسية مكبرات الصوت هي النهج الأمثل في التعامل مع تركيا الجديدة.
الجدير بالذكر أن تركيا قد أخطرت حلف شمال الأطلسي (الناتو ) مؤخرًا بأن التصديق على طلب عضوية السويد لن يتم الانتهاء منه خلال الاجتماع القادم لوزراء خارجية الحلف، مما يؤكد موقف تركيا المتطور داخل إطار الناتو.
كما أن المملكة المتحدة وتركيا دولتان من خارج الاتحاد الأوروبي في حلف شمال الأطلسي وتتمتعان بقدرات عسكرية قوية وقواعد تكنولوجية وصناعية دفاعية قوية، وهو ما دعى الدكتور جان كاسابوغلووهو زميل بارز في معهد هدسون ومدير برنامج أبحاث الدفاع في مركز أبحاث EDAM ومقره اسطنبول، إلى الاعتقاد بأن كلا البلدين بعيدان عن “وهم الحكم الذاتي الأوروبي” لبعض دول الناتو، وأنهما يدركان أهمية الطابع عبر الأطلسي لأي بنية أمنية أوروبية.
الامر الأخر المهم فيما يتعلق بـ المملكة المتحدة، مقارنة بدول أوروبا الغربية القارية، أنها أكثر انفتاحًا على صفقات الأعمال الدفاعية المربحة، و أن موقف لندن في محادثات يوروفايتر تايفون يمثل مرجعية قوية” . وأضاف كاسابوغلو أن المملكة المتحدة تقود الآن الجهود ضد العدوان الروسي في دوائر الناتو، وعينها تراقب لندن كيف يواصل فاغنر جيش الظل الروسي تواصله مع أفريقيا.
وكذلك فإن تركيا هي واحدة من دول الناتو القليلة التي يمكنها التصدي للنشاط الروسي في القارة، كما كان الحال في ليبيا. وأضاف إن مثل هذه الشراكة بين تركيا والمملكة المتحدة في أفريقيا ستزيد أيضًا من نطاق مسؤولية أفريكوم الأمريكية. وقال كاسابوغلو إنه فيما يتعلق بصفقة يوروفايتر تايفون، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الدبلوماسية البريطانية قادرة على التغلب على التحذيرات الألمانية التقليدية التي، في جوهرها تقيد صناعة الدفاع الألمانية.
مضيفا “إذا قامت لندن وتحت مظلة تلك الاتفاقية بإمداد تركيا بأحدث إصدارات الطائرات المقاتلة، فإنها ستوفر للقوة الجوية التركية الحل المؤقت الذي كانت تبحث عنه – حتى يبدأ مشروع الجيل الخامس المحلي” وبالنسبة لكاسابوغلو، فإن صفقة يوروفايتر تايفون لن تقضي على تحديث طائرة إف-16في.
معللا ذلك بأن “إحدى القضايا الصعبة التي يجب فهمها هي أن تركيا لا تبحث عن بديل، وأنه من الأفضل أن تقوم القوات الجوية التركية بتشغيل طائرات F-16V وطائرات يوروفايتر تايفون جنبًا إلى جنب، كما أنه من المؤكد أن مثل هذا الانقسام في الترسانة من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع التكاليف التشغيلية، ولكنه يؤدي إلى مرونة وتنويع أفضل داخل منظومة سلاح الجو التركي، علاوة على ذلك، بالمقارنة مع الطريق المسدود الروسي، تعد يوروفايتر تايفون خيارا آمنا فيما يتعلق بالدبلوماسية الدفاعية والعقوبات الدولية.
المصدر: موقع “آراب نيوز”